هل قضى أردوغان على آمال تركيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي؟

هل قضى أردوغان على آمال تركيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي؟


11/10/2020

61 عاماً مرّت على الطلب الأوّل الذي تقدّمت به تركيا للانضمام إلى الاتّحاد الأوروبي، بعد تأسيسه بعام واحد، فتركيا، مولعة بأوروبا منذ أكثر من ثلاثة قرون، من خلال قادتها العثمانيين، الذين استقطبوا قادة الجيوش الأوروبية، لإعادة تحديث جيوشهم، ثمّ انضمّت لتحالفات أوروبية خلال الحرب العالمية الأولى، انتهت بفناء إمبراطوريتهم، ثمّ مجيء جمهورية أتاتورك التي أعادت لهم الأمل مجدداً في أن يكونوا جزءاً من الحضارة الأوروبية، ففشلت فشلاً ذريعاً.

اقرأ أيضاً: هل تخدم حروب تركيا استراتيجيات أمريكا؟... أذربيجان نموذجاً

لكنّ الكبرياء التركي الجريح على أبواب الاتحاد، الذي طال انتظار عضويته، بدأ في تفريغ غضبه، وافتعال صراعات وحروب، الجميع في غنى عنها، إلّا تركيا الطامحة إلى الثروة والنفوذ الإستراتيجي، واستعادة الماضي الدموي.

طريق الأشواك

قبِل الاتّحاد الأوروبيّ طلب تركيا الأول، وتمّ التوقيع على اتفاقية أنقرة، عام 1963، لكن بعدها تمّ رفض طلب الحصول على عضوية كاملة، عام 1989، لكن قيل إنّ أنقرة مؤهّلة للانضمام إلى المجتمع الأوروبي، ثمّ تأسس الاتّحاد الجمركيّ بينها وبين الاتّحاد، عام 1995، وبعدها بأربعة أعوام، تمّ الاعتراف بالدولة التركية رسمياً، دون أيّ شرط مسبق كدولة مرشّحة، وتمّ قبول شراكة الانضمام، عام 2001، وبعد ذلك صرّح مجلس الاتّحاد الأوروبيّ، عام 2004، بأنّ تركيا أوفت بالمعايير السياسية، بشكل كافٍ، وقرّر بدء مفاوضات الانضمام مع تركيا، عام 2005.

 

وبسبب قضيّة قبرص، التي ما تزال تركيا ترفض الاعتراف بها، فإنّها ستقف طويلاً على أعتاب الاتّحاد، الذي ينقسم هو أيضاً على نفسه بصدد تلك القضية، على الرغم من قبول قبرص في الاتّحاد الأوروبي، عام 2004، على الرغم من اعتراضات تركيا، بصفتها الممثل الوحيد للشعب القبرصي، نظراً إلى أنّها ليست دولة الشراكة الأصلية التي تأسست عام 1960، وبعد 60 عاماً، ما تزال تركيا تنتظر على أعتاب أوروبا، ليس بسبب حالة ديمقراطيتها أو اقتصادها، أو بسبب قرارها شراء منظومة الدفاع الصاروخي من روسيا، لكن بسبب مشكلة قبرص.

تركيا حاولت لسنوات التقرب من الأوروبيين وقدمت تنازلات عديدة، وعندما أدركت أنّها لن تستطيع دخول الاتّحاد الأوروبي، غيّرت سياستها الخارجية والتفتت إلى الشرق أكثر

في مقالة كتبها، عام 2013، كشف الصحفي الأمريكي، بول تايلور، أنّ "أوروبا نفسها منقسمة بشأن قضية قبرص"، وأنّ "أقوى الدول الأعضاء (ألمانيا وفرنسا)، قد تكون راضية عن رؤية الجمود القبرصي مستمراً، بدلاً من التعامل مع العواقب المحتملة لقرار من شأنه أن يقرب تركيا من عضوية الاتّحاد الأوروبي"، وأنّ "جمهورية قبرص كانت مفلسة ومستميتة للحصول على قرض بقيمة 17 مليار يورو من الاتّحاد الأوروبي؛ لذلك كان لدى بروكسل النفوذ لدفع القبارصة اليونانيين للانضمام إلى اتّحاد فضفاض على النحو الذي اقترحه، عام 2004، أمين عام الأمم المتحدة آنذاك، كوفي أنان؛ حيث صوّت القبارصة الأتراك لصالح خطة أنان، بتشجيع من تركيا، لكنّ القبارصة اليونانيين رفضوها".

مغامرة ثانية على وشك الانتهاء

بعد عقود من الانتظار، يبدو أنّ الأتراك فقدوا أيّ أمل في الدخول إلى الاتحاد، وعليه فقد بدأت تركيا عقداً جديداً من استعراض عضلاتها على عدة جبهات، وبعد أن فقد أردوغان هدفه الأسمى، انقلب على عقبيه، وبدأ في نشر الهيمنة التي يظنّ عبثاً أنّها ستنتهي لصالح بلاده، لكن بالنظر إلى وضع الاقتصاد التركي، فإنّ نتائج رعونة الرئيس تبدو واضحة للعيان.

 ويرى الكاتب الصحفي بجريدة "الأهرام" المصرية، والباحث في الشؤون العربية والإسلامية، هشام النجار؛ أنّ "تركيا ستظلّ كذلك، لوقت طويل، ويبدو أنّه للأبد، وغير مرتبط بفترة حزب العدالة والتنمية، أو أنّ الأمور ستتغيّر بعد رحيل أردوغان عن السلطة".

اقرأ أيضاً: التخلص من العبء أم تجميده: موقع الإخوان المسلمين في تحولات تركيا تجاه مصر

هناك، كما قال النجار لـ"حفريات"، عدة أسباب "تعلّل هذه الاستحالة، أستطيع أن أجمل أهمّها في الآتي:

أولاً: ضخامة وهول ما قام به نظام أردوغان، تجاه أوروبا، خاصة في أعقاب خديعة الانقلاب العسكري، أو المؤامرة التي دبّرها نظام أردوغان للهيمنة المطلقة على السلطة، وإحداث تحوّلات بالسياسة الخارجية، بالتزامن مع خطط انفراده طوال حياته بالحكم، تحت غطاء النظام الرئاسي، وهو ما ينطوي على عدم إمكانية التحرر من تلك الإكراهات، التي أضافها أردوغان ونظامه إلى تاريخ هو في الأصل متخم بالاكراهات والكراهية ومشاعر الحقد والعداوة، منذ جرائم ومذابح الغزوات العثمانية القديمة داخل دول أوروبا، تحت ستار الفتح الإسلامي".

الباحث هشام النجار لـ"حفريات": تركيا أردوغان، لم تكن كما توقّعها واضعو مشروع الشرق الأوسط الكبير، جسراً يمتصّ الإكراهات التاريخية بين الشرق والغرب، أو بين الإسلام وأوروبا

 أما السبب الثاني بحسب النجار فيتمثل في أنّ "ما قام به أردوغان طوال الأعوام الماضية، ليس هيّناً بالمرّة؛ فقد أعاد ماضي العداوة بين تركيا وأوروبا، مستدعياً حقبة حالكة، لا ينساها الأوربيون، تميّزت بالدموية والخديعة والهمجية، وهو يعيدها بأدوات ووسائل أخرى، فمثلاً غزوات أجداده يعيدها بغزوات تنظيمات داعش والقاعدة، التي يسهل دخول أعضائها لدول أوروبا ليكونوا رسله الممهدين لخلافته العالمية".

  ويضيف النجّار: "علاوة على الغزو الناعم، الذي يمارسه من خلال الانفصالية الإسلاموية، عبر توظيف جماعة الإخوان، ونشاطات تنظيمها الدولي، ونشاطات أئمة أتراك يعتنقون فكر خلافة أردوغان، ويديرون جمعيات ومراكز ومساجد، بغرض تعميق انعزال المواطنين الغربيين المسلمين، عن دولهم ومجتمعاتهم ليصبح ولاؤهم الأول والأخير لأردوغان كخليفة لمسلمي العالم، وهذه الممارسات هي ما أحيت المخاوف والهواجس في نفوس الغربيين، وبعثت من جديد العنصرية لدى اليمين المتطرف، ردّاً على مساعي بعث الغزوات التركية، التي تسبّبت في كراهية شعوب أوروبا للإسلام نفسه، لأنّهم تعرّفوا إليه، ليس من خلال مفاهيمه الحقيقية السمحة التشاركية، بل من خلال همجية ودموية الغازي العثمانلي".

أوروبا تدرك الخدعة

 اتّضحت الرؤية لدى دول أوروبا، من خلال تحرّكات أردوغان ومواقفه، سواء من خلال ابتزاز دول أوروبية بالميل للروس والمناورة بالتعاون مع موسكو، في بعض الملفات، ومن خلال الضغط، باللاجئين والإرهابيين، أو بالتصريح بالعدوان السافر للدول الأوروبية، عضوة في الاتّحاد الأوروبي، مثل قبرص واليونان، وأخيراً وليس آخراً؛ دور أردوغان في إشعال الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، من منطلق مشروعه التوسعي المخطط له سلفاً، والذي يسير على خطوط خرائط تمدّد أجداده العثمانيين القدامى، وهو ما يصفه النجار بالانكشاف الكامل أمام أوروبا؛ حيث إنّ مشروع أردوغان ليس كما خدعهم في البداية، ديمقراطياً علمانياً بخلطة إسلامية تراعي مصالح الغرب، وحاجة دوله إلى احتواء التطرف والإرهاب، ومنعه من الانتقال من الشرق إلى الغرب، كما أنّه ليس مقتصراً على التوسع بالشرق الأوسط، والمنطقة العربية، إنما مشروعه عالمي، يشمل تمديد نفوذه وسلطانه داخل دول أوروبا، وإن كان بأدوات مختلفة، وبمزيد من ألاعيب المكر والخداع.

 وعلاوة على ما سبق؛ فقد ثبت أنّ تركيا، تحت حكم نظام أردوغان، لم تكن كما توقّعها واضعو مشروع الشرق الأوسط الكبير، جسراً يمتصّ الإكراهات التاريخية بين الشرق والغرب، أو بين الإسلام وأوروبا، ويحتوي المتطرفين ليبعد خطرهم عند دول أوروبا، بل ثبت العكس تماماً؛ حيث نقل أردوغان كلّ إكراهات وأحقاد الماضي وجعلها واقعاً معاشاً، كما نقل أكثر التنظيمات عنفاً وتوحّشاً وجهلاً إلى  قلب أوروبا، وتسبّبت سياساته الفوضوية، التي دمّرت العديد من الدول العربية، في مضاعفة التهديدات على دول أوروبا، بالإرهابيين واللاجئين، لكلّ هذا؛ فإنّ تركيا بعيدة كلّ البعد عن تحقيق ذلك الحلم، الذي صار بعد أن كرّسه أردوغان في عداد المستحيل، حسبما يرى النجار.

اقرأ أيضاً: أردوغان يدخل تركيا في متاهة

وفي سياق متصل، يرى الباحث التونسي المتخصص في الشأن التركي وجماعات الإسلام السياسي، أحمد نظيف؛ أنّ "تركيا حاولت لسنوات التقرب من الأوروبيين وقدمت تنازلات عديدة، وعندما أدركت أنّها لن تستطيع دخول الاتّحاد الأوروبي، غيّرت سياستها الخارجية بشكل جذري؛ حيث التفتت إلى الشرق أكثر، ودخلت في تحالفات وصراعات في المنطقة العربية وفي آسيا الصغرى، وأصبح مشروعها إعادة بناء ما تفكّك من الدولة العثمانية، وفق التصوّر الطوباوي لحزب العدالة والتنمية"، وفي اعتقادي؛ فإنّ "تركيا لن يكون بمقدورها دخول الاتّحاد الأوروبيّ ما دام حزب العدالة والتنمية في الحكم، على أقل تقدير".

الصفحة الرئيسية