هل كانت "كو كلوكس كلان" النبتة الأولى للنازية ومنبع الإرهاب الأبيض؟

الإرهاب الأبيض

هل كانت "كو كلوكس كلان" النبتة الأولى للنازية ومنبع الإرهاب الأبيض؟


27/04/2020

في حزيران (يونيو) 2015؛ فتح الشاب الأمريكي، ديلان روف (21 عاماً)، النار على مصلّين من السود داخل كنيسة "تشارلستون" في كاليفورنيا، وقتل تسعة أشخاص، وسرعان ما أحيل الجاني للمحاكمة، التي انتهت بحكم الإعدام، فيما لم يعطِ الشاب أيّ مبرّر لفعلته، سوى أنّه أحد أعضاء جماعة "الكو كلوكس كلان"، أو الـ "KKK"، التي تؤمن بتفوق الجنس الأبيض، ولم يبدِ أيّ شعور بالندم على فعلته.
بذور الإرهاب الأبيض
بصليب يحترق، وأقنعة أسطوانية تغطي الوجوه، عرفت الجماعة الإرهابية البيضاء، التي نشأت على أنقاض الحرب الأهلية الأمريكية، بحسب أول ما كتب عن التنظيم، الذي نشأ في منتصف القرن التاسع عشر، الذي أورده كتاب "كو كلوكس كلان: أصلها ونموها وحلّها"، للمؤرخ الأمريكي "والتر فليمنج"، الذي كتب مؤلَّفه عام 1915، ليشرح للعالم كيف نشأ الإرهاب الأبيض بقيادة اليمين المتطرف الأمريكي، قبل أن يعرف العالم النازية والفاشية؛ إذ يتضمن الكتاب روايات لشهود عيان ممن كانوا على قيد الحياة وقتها، وبحسب فليمنج؛ فإنّ " "KKKلم تكن الوحيدة في تلك الأوقات العصيبة من التاريخ الأمريكي، بل كانت هناك جماعات أخرى تقف في طريق التحرر، وتعادي السود، وتتعالى نعراتها الشوفينية بالعرق الأبيض، كما القرون الوسطى في أوروبا؛ إذ تمّ تأسيسها الأول عام 1865، وامتدت إلى كلّ ولاية جنوبية تقريباً، بحلول عام 1870، وأصبحت وسيلة للمقاومة الجنوبية البيضاء لسياسات عهد إعادة بناء الحزب الجمهوري، التي تهدف إلى تحقيق المساواة السياسية والاقتصادية للسود، وعليه شنّ أعضاؤها حملة سرية من الترهيب والعنف موجهة إلى زعماء جمهوريين من البيض والسود.

ورغم إقرار الكونغرس لتشريعات تهدف إلى كبح جماح إرهاب كلان، إلا أنّ المنظمة رأت أنّ هدفها الرئيس "إعادة تفوق البيض" تحقق من خلال الانتصارات الديمقراطية في المجالس التشريعية للولاية عبر الجنوب، في سبعينيات القرن التاسع عشر، لكن بعد فترة من التراجع في الأنشطة الإرهابية، أحيت الجماعات الوطنية البروتستانتية البيضاء الـ "كان كلان"، في أوائل القرن العشرين؛ حيث أحرقت الصلبان ونظمت التجمعات والمسيرات للتنديد بالمهاجرين والكاثوليك واليهود والسود والكوادر اليسارية، كما شهدت حركة الحقوق المدنية في الستينيات موجة من نشاط "كو كلوكس كلان"، بما في ذلك تفجيرات المدارس والكنائس التي يرتادها السود والعنف ضدّ الناشطين السود والبيض في الجنوب، ورغم أنّ التأسيس الأول كان على يد مجموعة من العسكريين القدامى في الكونفيدرالية، إلّا أنّ الرقعة اتسعت فيما بعد لتتحول إلى نادي اجتماعي في بولاسكي، بولاية تينيسي، ضمّ الملايين من الشباب البيض، حتى وصل ذروة العدد إلى 4 ملايين عضو نشط، بحلول عام 1920، الذين نظموا أنشطتهم المعادية لغير البيض في كلّ أنحاء البلاد.

الإعلام ونشر الإرهاب
عام 1921؛ قدّمت صحيفة "نيويورك وورلد" تحقيقات على صفحتها الأولى، ولمدة ثلاثة أسابيع، حول تنظيم الـ "KKK"، يتضمّن إدانة يومية لأيديولوجيتها وأنشطتها وسرّيتها الغامضة، وميلها إلى العنف؛ إذ تمكنوا من الحصول على كلّ ممثل رئيس في نيويورك في سجل معارضة التنظيم، في نهاية المطاف، كانت نتيجتها طلب جلسة استماع في الكونغرس حول قوة كلان المتنامية، وبحسب بعض التقديرات الإعلامية التي أثارها كتاب "Ku Klux Kulture" لأستاذ التاريخ بجامعة أوستن، البروفيسور فيليكس هاركورت، الذي ناقش في مؤلَّفه ما سماها "العلاقة ذات المنفعة المتبادلة"، في وصفه لتعزيز الإعلام لدور الجماعة الإرهابية، والذي بحسب زعمه يوصل رسالة وجود تلك الجماعة إلى قراء الصحيفة الذين يقدرون بمئة ألف قارئ، وقد تمّ نشره في 17 صحيفة أخرى، ويثير تساؤلات مماثلة في جميع أنحاء البلاد، بينما أوضح هاركورت أنّه بينما تستقطب الصحفية مئات الآلاف من القراء؛ فإنّ نصيب الجماعة الإرهابية منها مئات الآلاف من الأعضاء الجدد، الذين يطلبون استمارات العضوية السرية، ويؤمنون بسيادة الجنس الأبيض، لذا فإنّ الإعلام عاظم قدرهم بشكل كبير.

رغم أنّ الزعماء الديمقراطيين قد نسبوا في وقت لاحق عنف "كو كلوكس كلان" إلى البيض الأكثر فقراً في الجنوب، فإنّ عضوية المنظمة عبرت الخطوط الطبقية، من صغار المزارعين والعمال إلى المزارعين الملاك، والمحامين والتجار والأطباء والوزراء، وفي المناطق التي تمت فيها معظم أنشطة كلان، كان الموظفون المحليون المكلفون بإنفاذ القانون إما ينتمون إلى التنظيم، أو رفضوا اتخاذ إجراء ضدّه، وحتى أولئك الذين اعتقلوا أيّ متهم من أعضاء التنظيم، وجدوا صعوبة في العثور على شهود على استعداد للإدلاء بشهادات ضدهم، ورفض المواطنون البيض البارزون الآخرون في الجنوب التحدث علناً ضدّ تصرفات المجموعة، ومنحهم موافقة ضمنية، وبعد عام 1870، لجأت حكومات الولايات الجمهورية في الجنوب إلى الكونغرس طلباً للمساعدة، ما أدّى إلى إقرار ثلاثة قوانين إنفاذ، كان أقواها قانون "كو كلوكس كلان" لعام 1871، وللمرة الأولى؛ حدّد القانون بعض الجرائم التي يرتكبها الأفراد كجرائم فيدرالية، بما في ذلك التآمر لحرمان المواطنين من الحقّ في شغل المناصب، والعمل في هيئات المحلفين والتمتع بحماية القانون على قدم المساواة.
مرحلة جديدة
أذن القانون لرئيس البلاد بتعليق أمر الإحضار وإلقاء القبض على الأفراد المتهمين دون تهمة، وإرسال قوات اتحادية لقمع عنف كلان، هذا التوسع في السلطة الفدرالية، الذي استخدمه أوليسيس س. جرانت، على الفور، عام 1871، لسحق نشاط كلان في ساوث كارولينا وغيرها من مناطق الجنوب، أثار غضب الديمقراطيين كما أثار قلق كثير من الجمهوريين، منذ أوائل سبعينيات القرن التاسع عشر فصاعداً، أعاد تفوق البيض التأكيد على إحكام قبضته على الجنوب مع تراجع دعم إعادة الإعمار، وبحلول نهاية عام 1876، كان الجنوب بأكمله تحت السيطرة الديمقراطية مرة أخرى، ثمّ جاءت إعادة الإحياء في عام 1915، بعد أن قام ناشطون من المذهب البروتستانتي بتنظيم مسيرة إحياء لـ "Ku Klux Klan" بالقرب من أتلانتا، بولاية جورجيا، مستوحياً من منظرهم التقليدي في الجنوب، وكتاب توماس ديكسون لعام 1905 "The Clansman" ومن مشاهد الفيلم الكلاسيكي "مولد أمة"؛ إذ لم يكن هذا الجيل الثاني من كلان معادياً للسود فقط، بل اتخذ أيضاً موقفاً ضدّ الروم الكاثوليك واليهود والأجانب والعمل الحزبي.

كان يغذّي عنف التنظيم الإرهابي عداؤهم المتعالي، بعد ارتفاع معدلات الهجرة الذي شهدته أمريكا في أوائل القرن العشرين إلى جانب المخاوف من الثورة الشيوعية المرتبطة بانتصار البلاشفة في روسيا، عام 1917، وأخذت المنظمة الصليب المحترق رمزاً، واسمها المستمد من اليونانية القديمة ويعني الدائرة العائلية المقربة، وأعادت إحياء نفسها من جديد، قبل أن يأتي الكساد الكبير، عام 1929، لينقض على موارد التنظيم المخصصة لتخريب المنشآت العامة، وقتل السود وكلّ ما هو غير أبيض، وعليه تمّ حلّ المنظمة مؤقتاً، عام 1944، وشهدت حركة الحقوق المدنية في الستينيات طفرة في نشاط كلان المحلي في جميع أنحاء الجنوب، بما في ذلك عمليات التفجير والضرب وإطلاق النار على الناشطين السود والبيض، هذه الأعمال التي نُفذت سراً، والتي كان من الواضح أنّها من تنفيذ الجماعة التي تستفيق من كبوتها، أغضبت الجميع، وساعدت في كسب التأييد لقضية الحقوق المدنية، وفي عام 1965، ألقى الرئيس، ليندون جونسون، خطاباً دان فيه كلان علناً، وأعلن اعتقال أربعة منهم، فيما يتعلق بمقتل عاملة بيضاء في مجال الحقوق المدنية في ألاباما.
أصبحت حالات العنف المرتبطة بشبكة كلان أكثر عزلة في العقود اللاحقة، على الرغم من أنّ الجماعات المجزأة أصبحت متحالفة مع النازيين الجدد أو غيرها من المنظمات اليمينية المتطرفة، منذ السبعينيات فصاعداً.
في أوائل التسعينيات؛ قُدر أن يضمّ كلان ما بين ستة آلاف وعشرة آلاف عضو نشط، معظمهم في أقصى الجنوب.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية