هل كان اتفاق أوسلو واجهة للتحضير لضم الضفة الغربية؟

هل كان اتفاق أوسلو واجهة للتحضير لضم الضفة الغربية؟


كاتب ومترجم جزائري
27/07/2020

ترجمة: مدني قصري

انتفض العديد من المحللين والدبلوماسيين ضدّ الخطة الإسرائيلية لضمّ جزء كبير من الضفة الغربية، وطلبوا من إسرائيل التخلي عن الخطة، والعودة إلى ما تسمى عملية "السلام" التي بدأت في أوسلو.

اقرأ أيضاً: حماس وفتح في مواجهة الضم: "عدونا الوحيد هو إسرائيل"

الحال أنّ عملية المفاوضات التي بدأت في أوسلو، عام 1993، لم تكن سوى مجرد واجهة، فأثناء التفاوض، ولكسب الوقت، كانت إسرائيل تخلق حقائق على الأرض، استعداداً لضم جزء كبير من الضفة الغربية.

بالتأكيد ليست العودة إلى أوسلو هي الحلّ؛ بل العودة إلى سياسة عقوبات قاسية لإجبار إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي، لكن ليس هذا ما يرتسم الآن

لقد قوبِلت العملية الدبلوماسية في أوسلو بحماس من جانب المجتمع الدولي، وكذلك من قبل جزء من القيادة الفلسطينية؛ فحتى إن كان هذا الاعتراف محدوداً، وغير متكافئ، فقد كان الجميع يأمل في أن يفتح هذا حقبة جديدة في مسار السلام، وأكثر من ذلك؛ ففي مونتريال، ونيويورك وأماكن أخرى، تمّ تنظيم مسرحية للإشادة بعملية أوسلو، ولتأكيد الشجاعة الأخلاقية لصُنّاعها.

خداع سياسي

لكن اتضح أنّ عملية أوسلو الدبلوماسية كانت خدعة، وخداعاً سياسياً وأخلاقياً، فأولئك الذين احتفلوا بها ساهموا في إضفاء الشرعية على هذا الاحتيال، مع اعتقادهم أنّهم دعموا جهدَ سلام جدير بالثناء.

وفيما يلي أسباب ذلك:

أولاً: لم يكن الاعتراف بين إسرائيل والفلسطينيين متبادلاً في اتفاقيات أوسلو؛ تنص هذه الاتفاقات بوضوح على أنّ الفلسطينيين يعترفون بإسرائيل كدولة يهودية، لكنّ مصطلح "الدولة الفلسطينية" غائب في نصّ الاتفاقيات، وكذلك في الرسائل والوثائق التحضيرية الأخرى، كما لم يُذكَر أنّه يجب إنهاء الاحتلال، أو تفكيك المستوطنات؛ لذلك اعترف الفلسطينيون بشرعية إسرائيل (بالتالي حرمانهم من حقوقهم) كمقدمات لاتفاقيات أوسلو، لكنّ اعتراف إسرائيل بشرعية دولة فلسطينية محتملة كان سيأتي فقط في نهاية العملية، بعد أن يقبل الفلسطينيون جميع الشروط الأخرى المفروضة عليهم، وتبرر غموضَ هذه القضايا الفكرة القائلة بوجوب استعادة الثقة المتبادلة قبل معالجة القضايا الجوهرية.

فخّ وخديعة

في الواقع، منذ بداية المفاوضات، أعادت إسرائيل إطلاق بناء المساكن المخصّصة حصراً لمستوطنين يهود في الأراضي المحتلة، وشرعت في بناء شبكة واسعة من الطرق السريعة التي تربط مستوطنات الضفة الغربية بالأراضي الإسرائيلية، متجاوزة التجمعات الفلسطينية، وفي الوقت نفسه؛ تمّ تدمير بعض الأحياء العربية في القدس الشرقية (الجزء العربي من القدس، التي تمّ غزوها عسكرياً عام 1967)، وبدأ تنفيذ برنامج عدواني لتهويد القدس، كلّ هذا تمّ توثيقه بإسهاب من قبل منظمة بتسيلم "B’Tselem" الإسرائيلية وغيرها.

اقرأ أيضاً: الملك عبدالله الثاني: كل الشكر لأخي محمد بن زايد لموقفه من الضم

وقد ظهرت نتائج هذه السياسة بسرعة؛ حيث تضاعف عدد المستوطنين بالفعل، بين عامَي1993  و2000، وتحت رعاية "عملية السلام" المفترضة؛ إذ ارتفع عددهم في الضفة الغربية من 250000 إلى ما يقرب 500000، ليبلغ عدد المستوطنين في نهاية عام 2017 حوالي 620000 مستوطن، وقد انتشروا عبر 131 مستوطنة رسمية، و110 مستوطنات غير رسمية، تتلقى، مع ذلك، دعماً من الحكومة الإسرائيلية، وكذلك في الجزء المحتل من القدس.

ومن علامات الضمّ القادم: مسار "الجدار" أو "الحاجز الأمني"؛ هذا الجدار لا يتماشى مع "الخط الأخضر" الذي يفصل إسرائيل عن الضفة الغربية، لكنّه يتوغل في الأراضي الفلسطينية، ويمنع المزارعين والتجار من العمل بشكل طبيعي في ممتلكاتهم، التي يقع جزء منها الآن غرب الجدار.

عملية المفاوضات التي بدأت في أوسلو، عام 1993، لم تكن سوى مجرد واجهة، فأثناء التفاوض، ولكسب الوقت، كانت إسرائيل تخلق حقائق على الأرض، استعداداً للضم

وكانت الآلية التي مكنت من ذلك هي تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق (أ، ب، ج)، بموجب اتفاقيات 1995 (أوسلو الثانية)، وتشمل المنطقتان (أ) و(ب) الفلسطينيين فقط؛ في المنطقة (أ) لديهم ما يعادل السلطات البلدية، بما في ذلك الشرطة والإشراف على السكان بالتعاون مع قوة الاحتلال، وفي المنطقة (ب) يتم تقاسم هذه السلطة مع دولة الاحتلال "إسرائيل"، وفي المنطقة (ج)، وهي الأرض الفلسطينية المحتلة التي تمثل حوالي 62% من الضفة الغربية؛ فإنّ إسرائيل هي التي تسيطر عليها بشكل كامل، وهنا يحدث النشاط الاستيطاني المكثف.

وضع اقتصادي أسوأ

قسّمت نقاطُ التفتيش، البالغ عددها 460 نقطة (تقريباً)، والطرق الالتفافية التي تمّ إنشاؤها بموجب اتفاقيات أوسلو، الأراضي الصغيرة في الضفة الغربية إلى 64 قطعة مفصولة بمراقبات تفتيشية إسرائيلية، وقد جعل هذا الإجراء مرور الفلسطينيين من قسم إلى آخر مؤلماً ومذلّاً وبطيئاً جداً، وكان من نتائج ذلك إنهاء دور القدس كمركز للاقتصاد الفلسطيني؛ حيث إنّه، في ظلّ ما تسمى اتفاقيات "السلام"، أصبح الوضع الاقتصادي والسياسي للفلسطينيين أسوأ بكثير مما كان عليه قبل السلام.

الحلّ: فرض عقوبات قاسية على إسرائيل

بالتأكيد ليست العودة إلى أوسلو هي الحلّ؛ بل العودة إلى سياسة عقوبات قاسية لإجبار إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي، لكن ليس هذا ما يرتسم الآن؛ ففي لحظة تاريخية من التساؤل حول آثار الاستعمار والعبودية، تواصل الحكومة الكندية ومعظم قوى الناتو دعم سياسة الفصل العنصري الاستعماري الموروثة من القرن التاسع عشر.

الهوامش:

(1) بِتْسيلم "B’Tselem": منظمة إسرائيلية غير حكومية، تروّج لنفسها كمركز معلومات إسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وبتسيلم كلمة (بالعبرية: בצלם)، تعني "على صورة"، وهي مقتبسة من الآية 01:27 من سفر التكوين: "خلق الله الإنسان على صورة".

تأسّست المجموعة في 3 شباط (فبراير) 1989، من قبل العديد من الشخصيات العامة الإسرائيلية، بما في ذلك محامون وصحفيون وأكاديميون وأعضاء من الكنيست، وتتمثل مهمتها الرئيسية في "توثيق وإعلام الجمهور الإسرائيلي وصانعي القرار بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، ومكافحة حالة الحرمان التي تهيمن على الجمهور الإسرائيلي، والمساعدة في خلق ثقافة لحقوق الإنسان في إسرائيل".

بتسيلم منظمة مموّلة من قبل مؤسسات أوروبية وإسرائيلية وأمريكية، تدعم المدافعين عن حقوق الإنسان، من قبل أفراد، وكذلك من قبل العديد من الحكومات الغربية والمفوضية الأوروبية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

ledevoir.com



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية