هل كشف تسريب الاتفاق السري للإخوان مع إيران وجهاً جديداً للجماعة؟

هل كشف تسريب الاتفاق السري للإخوان مع إيران وجهاً جديداً للجماعة؟


20/11/2019

أظهر التسريب الأخير للإخوان المسلمين وجهاً آخر من وجوه التنظيم التي يحاول إخفاءها، فقد كشف موقع "إنترسيبت" الأمريكي وثائق سربت عن اجتماع سرّي بين الحرس الثوري الإيراني وتنظيم الإخوان المسلمين العالمي، عقد في تركيا، في نيسان (أبريل) من العام 2014، ودار الاجتماع حول الاتفاق بين الجماعة وطهران من أجل ضرب المصالح السعودية، ووضع إطار عمل للتعاون فيما بينهما بالمنطقة العربية، ومثّل الإخوان 3 من أبرز قادتهم المصريين في المنفى، وهم: إبراهيم منير مصطفى، ومحمود الأبياري، ويوسف مصطفى ندا، هذه الوثائق حصلت عليها ونشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بالتزامن مع موقع "انترسيبت".

اقرأ أيضاً: غرام وانتقام بين الخمينية و"الإخوان"
ويذكر أنّ العلاقات الإخوانية الإيرانية بدأت مبكراً؛ منذ عهد المؤسس حسن البنا، فقد اتصل رجال الدين في إيران بالجماعة وتأثروا بها لوقت طويل، وأسفرت عن تأسيس جمعية باسم التقارب بين المذاهب الإسلامية، العام 1948، وزار رجل الدين الشيعي الإيراني المتطرف، ومؤسّس حركة "فدائيان إسلام"، نواب صفوي، القاهرة، والتقى بسيد قطب، العام 1954.

أظهر التسريب الأخير للإخوان المسلمين وجهاً آخر من وجوه التنظيم التي يحاول إخفاءها

أظهرت الوقائع أنّ هذه العلاقات لم يكن يحركها دافع التقارب بين المذهبين؛ إنّما كانت تقارباً بين مشروعين غاية كلّ منهما الوصول الى السلطة وتحويل الدولة المدنية إلى دولة دينية، والعام 1979؛ قام الإيرانيون بثورتهم على الشاه وركب الملالي الثورة، أيّدهم الإخوان وأعلنوها ثورة إسلامية، وزار وفد منهم إيران وكانت طائرة يوسف ندا، القيادي الإخواني، أول طائرة تهبط في مطار طهران بعد طائرة مرشد الثورة، الخميني، وعارضوا استضافة الشاه في مصر، وناصروا إيران في حربها ضدّ العراق، خاصة في بداية المواجهات، وظلّ التقارب طوال فترة الثمانينيات مع حرص الإخوان على سرّية هذا التقارب، حتى لا تغضب المملكة العربية السعودية منهم.
لا يكمن هذا الوجه للإخوان في العلاقة مع إيران فحسب؛ فهي كما أشرنا قديمة وممتدة ومتشعبة، وإن كانت سرية، فقد حرص الإخوان على إخفاء تلك العلاقات لحساسية التعامل مع إيران، في ظلّ حصولهم على الرعاية من المملكة العربية السعودية، التي أخذت موقفاً حاسماً من النفوذ الإيراني في المنطقة.

اقرأ أيضاً: فضيحة الوثائق الإيرانية: هكذا عمل "الإخوان" ضد السعودية في اليمن
لم يتحرج الإخوان، من الانقلاب على المملكة العربية السعودية التي ظلّت ملاذاً آمناً لهم، وظهيراً دولياً لحركتهم، والمشاركة في المؤامرة عليها، بعد كلّ الرعاية التي حصلوا عليها من المملكة في أحلك الظروف التي مرّوا بها؛ ففي الاجتماع الأخير أعلنوا للإيرانيين أنّ المملكة العربية السعويدية هي العدو المشترك بينهم، وفي اللحظة نفسها كانوا يلتقون بالقادة السعوديين ليعلنوا تعاونهم في اليمن ضدّ الحوثيين الموالين لإيران!
تناسى الإخوان المسلمون أنّ المملكة العربية السعودية قدمت لهم رعاية؛ بدءاً من الملك عبد العزيز آل سعود، وذلك لمجرد أنّ إيران قدمت لهم بعض المساعدة! تناسوا أنّ الملك سعود توسّط بين الإخوان والحكومة المصرية بعد الحلّ الأول، كما دعا الهضيبي لزيارة السعودية واستقبله بشكل خاص.

اقرأ أيضاً: "قمة سرية" بين الإخوان والحرس الإيراني برعاية تركية لاستهداف السعودية
تناسوا أنّ الملك فيصل، الذي تولى الحكم خلفاً للملك سعود، في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1964، حاول التوسط لدى جمال عبد الناصر لمنع تنفيذ إعدام سيد قطب، العام 1966، فلما فشلت الوساطة أمر بفتح أبواب السعودية لتكون ملاذاً آمناً لآلاف النشطاء من الإخوان، من مصر وسوريا وغيرهما، حتى إنّه منح بعضهم الجنسية السعودية، وأبرزهم: الأب الروحي مناع القطان، وعشماوي سليمان، ومصطفى العالم.
تناسوا أنّ السعودية سمحت لمرشد الإخوان حسن الهضيبي بعقد أول اجتماع موسّع للإخوان في موسم حج 1973؛ وكان الأول من نوعه منذ العام 1954، وشكل ثلاث لجان لعضوية الجماعة في الرياض والدمام وجدة، بحسب القيادي الإخواني الكويتي، عبد الله النفيسي.
تناسوا أنّ الملك فيصل سمح لهم بتأسيس الندوة العالمية للشباب التي كانت مؤسسة إخوانية تماماً، تعمل لصالح التنظيم وتؤوي كثيرين من قياديي الإخوان الفارين من أحكام صادرة ضدّهم في عهد الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر. 

اقرأ أيضاً: محمد حبيب: مراجعات الإخوان خادعة تفتقر لمنهج نقدي حقيقي
تناسوا أنّ المملكة كرمت المستشار، مأمون الهضيبي، عندما أسندت له مهمة العمل كمستشار لوزير المعارف في المملكة، والذي استغل منصبه لترسيخ فكر الجماعة في المملكة، فوصلت كتب البنا وسيد ومحمد قطب وأبو الأعلى المودودي، رسمياً، إلى مدارس المملكة.
تناسوا أنّ المملكة أطلقت يد الإخوان للعمل بالمجتمع وفي الجامعة، حتى سيطروا على الجامعة الإسلامية بالمدينة منذ تأسيسها، وتولوا مواقع مهمة في جامعات الملك عبد العزيز وأم القرى والأمير محمد بن سعود، ويذكر أنّ عبد الله عزام، القيادي الإخواني، عمل مدرساً في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، قبل تكليفه بالعمل في أفعانستان حتى صار الأب الروحي للمجاهدين الأفغان العرب.

حرص الإخوان على إخفاء علاقاتهم مع إيران في ظلّ حصولهم على الرعاية من المملكة العربية السعودية

فبحسب التسريبات؛ عرض الإخوان في هذا الاجتماع على الوفد الإيراني، مساندة الحوثيين (الموالين لإيران) في اليمن، ومساعدتهم في الانقلاب المزمع ترتيبه على الرئيس الشرعي، عبد ربه منصور هاجي، فاجتماعهم انعقد في نيسان (أبريل) 2014، والانقلاب تمّ في أيلول (سبتمبر) 2014، وبعد الاتفاق مع الإخوان بدأت تحركات الحوثيين للتمهيد للانقلاب، الذي كانت بدايته احتجاجات مفتعلة على قرارٍ للحكومة اليمنية يقضي برفع الدعم عن المشتقات النفطية، ثم تحول إلى اشتباكات مسلحة انتهت باستيلاء الحوثيين على السلطة، والجدير بالملاحظة؛ عدم مقاومة الوحدات العسكرية المرتبطة بعلي محسن الأحمر، والموالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح أيديولوجياً (الإخوان المسلمون في اليمن)!
والتاريخ يدعونا ألا نستغرب ذلك، فلطالما قدم حزبُ السعديين العون للإخوان المسلمين، مالياً وسياسياً، ومعنوياً وأمنياً، وحرموا باقي الجمعيات من تلك الرعاية، ورتع الإخوان في نعيم "السعديين"، مقابل أن يكون صوتهم الجماهيري، وأن يهتفوا بحياة زعمائهم، مثلما حدث مع إسماعيل صدقي، الذي لقبه المصريون بـ"عدو الشعب"، فإذا جماعة الإخوان تناصره وترفع له اللافتات، وقد كتب الإخوان عليها: "واذكر في الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد"، وقبل الإخوان بأن يكونوا لسان السعديين الحادّ المسلّط على أعدائهم.

اقرأ أيضاً: تونس: رئيس الحكومة الجديد مستقل فعلاً أم واجهة لحركة النهضة الإخوانية؟‎
ثم عندما دارت المصلحة مع العدو التقليدي للسعديين، حزب الوفد، انقلب الإخوان إلى أعداء السعديين، وظلوا يناكفونهم ويتعرضون لهم، وينغصون عليهم عيشتهم، ولم يهدأوا إلا بعد أن قاموا باغتيال أكثر رئيس وزراء ساندهم، وهو محمود فهمي النقراشي، الذي حماهم عندما أراد اليمنيون التنكيل بهم بعد اشتراكهم في قتل الإمام يحيى حميد الدين، وأرسل إليهم فرقاطة تحملهم إلى مصر، وبعدها بأشهر قليلة كان جزاؤه أن اغتالوه داخل مقر وزارة الداخلية.
هكذا وقد كشف الإخوان، باجتماعهم مع الإيرانيين في تركيا، والاتفاق على ضرب المصالح السعودية، عن وجههم الحقيقي وانتهازيتهم الشديدة، والانقلاب على من ساندهم، وأثبتوا أنّه ليس لهم عهد يمكن الركون إليه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية