هل لسُمنة المصريين أسباب سياسية؟

مصر

هل لسُمنة المصريين أسباب سياسية؟


09/09/2019

بعد تصريحاتها المثيرة للجدل والغضب بالنسبة إلى معظم الشعب المصري، تمّ إيقاف الإعلامية، ريهام سعيد، وبرنامجها على الفضائية المصرية "الحياة"، فيما نشرت الإعلامية فيديو تعلن فيه اعتزال العمل الإعلامي للأبد، بعد الهجوم الشرس الذي تعرضت له، على خلفية وصفها لمرضى السُّمنة بالأموات، وأنّهم عبء على عائلاتهم والمجتمع، ويتسبّبون في تشويه المنظر العام، وتمتلئ أجسادهم بالسموم والرائحة الكريهة، ويفشلون في حياتهم العامة والخاصة.
واستعرض نشطاء مواقع التواصل صوراً ومقاطع فيديو قديمة، للإعلامية التي تعرضت للتنمّر مرات عديدة بسبب زيادة ووزنها، قبل خضوعها لعمليات إنقاص الوزن مرتفعة التكلفة.

اقرأ أيضاً: السمنة عند البطن قد تؤثر على دماغك.. احذر الخرف

الإعلامية المصرية ريهام سعيد

ضريبة التطور
منذ آلاف السنين؛ كانت زيادة الوزن انعكاساً لنمط الرفاهية التي يعيشها الأثرياء في زمن الإقطاع وما قبله، إلّا أنّ تحوّل الدفّة، جعل الفقراء أهلاً للسمنة، أمّا الأثرياء فهم من يقدمون الأموال حصولاً على الأجساد الرشيقة، فقديماً عاش الإنسان البدائي، وحتى قبل أربعة قرون، ظروفاً قاسية وهو في طريقه للحصول على الغذاء، تلك الظروف من ندرة الطعام، وزيادة النشاط البدني المستمر، جعلت من تراكم الدهون أمراً جيداً، حتى عبرت عنه الفنون الأوروبية في عصور النهضة بلوحات لنساء ممتلئات القوام؛ في دلالة على أنّهن مرفّهات يحصلن على قدر جيد من التغذية. ومع صعود الآلة البخارية ثمّ الثورة الصناعية الأولى فالثانية، بدأ تراكم الغذاء لدى أصحاب الثروات، ولم يدخل مصطلح الوزن الزائد في القاموس الطبي الإنجليزي، إلّا بنهاية القرن السابع عشر، وبعد الحربين العالميتين، اللتين ساد بعد انتهاء موجتهما النمط الصناعي في العديد من البلدان، وأصبحت وفرة الطعام أمراً بديهياً، لم يكن للإنسان به عهد من قبل.
ووفق مجلة "مرض الكلى المزمن المتقدم"؛ فإنّ البشر في منتصف القرن التاسع عشر كانوا على موعد مع تسجيل السمنة كمسبّب رئيس لمرض الكلى وتصلب الشرايين.

السمنة المصرية نتاج سوء التغذية بالأساس وكذلك قلّة الحركة فالرياضة تتطلب أوقات فراغ وأماكن صالحة لممارستها

وكافأ الانتخاب الطبيعي، هؤلاء القادرين على تخزين الدهون وإنفاقها على المدى الطويل، في تمرير جيناتهم للأجيال اللاحقة، فالمرض الأكبر للبشرية على امتداد تاريخها، كان الآفة والمجاعة، وهو ما تعكسه حفريات أستراليا المكتشفة عام 1908؛ حيث التماثيل الحجرية لأنثى ممتلئة البطن والصدر والفخذين، في انعكاس لسمنة مفرطة بمصطلحاتنا الحديثة، ولم يعرف الإنسان الاستقرار وتخزين الطعام إلا بالزراعة، والتطور التكنولوجي الذي حدث فيها، والذي وضع نظريته الاقتصادي الأمريكي، روبرت ويليام فوغل، وحصل باكتشافه هذا على جائزة نوبل عام 1993، ليوضح أنّ القرن الثامن عشر لم يحمل ثورة صناعية فقط، وإنّما زراعية أيضاً، قدمّت وفرة الغذاء، ومنتجات زراعية جديدة ذات قيمة غذائية مرتفعة، ومزيداً من وقت الراحة والفراغ، الذي أدّى إلى تخزين الدهون أكثر من إنفاقها، وهذا هو المتسبّب الرئيس في السمنة العالمية، التي تدرجها منظمة الصحة العالمية، كوباء إنساني على الصعيد العالمي، وتتبنى جهوداً تنموية لمكافحته، وتقدّم دراسات علمية، تعكس علاقة الفقر في المجتمعات الحديثة، بالسمنة؛ فهي لم تعد انعكاساً للرغد كما كانت سابقاً؛ بل صارت دليلاً على سوء التغذية.

اقرأ أيضاً: مبادرات المشي في عمّان: ثقافة جديدة تتعدى محاربة السمنة

الآلهة الأم فينوس المكتشفة في كهوف أستراليا

فقر السُّمنة أم سُمنة الفقر
في قصائد السونيت للشاعر الإنجليزي، ويليام شكسبير؛ يصف المرأة بقوله: "ينمو جمالي مع نموّ الربيع سنوياً؛ جسدي ناعم وممتلئ، ونخاعتي تحترق"، ويبدو أنّ قصائد شكسبير لن تجدي نفعاً مع بدينات العصر الحديث، فمصر التي تتصدر دول العالم في نسب السُّمنة، خاصّة بين الأطفال والنساء، لن تجد الأمر شاعرياً كما كان قديماً؛ حيث تحوّلت القضية إلى رأي عام يتحدث عنه رئيس الجمهورية في لقاءات معلنة أمام الجماهير، لكنّ السؤال يدور حول أسباب سُمنة المصريين الذين يقترب نصف تعدادهم من خطّ الفقر العالمي.

يرتبط النمط الغذائي لأيّ شعب بالثقافة التي تتكون عبر الآليات الاجتماعية والاقتصادية والطبيعة الجغرافية التي تنشر أنماطاً غذائية بعينها

بحسب آخر مسح أجرته الدولة لعام 2018، فإنّ السبب الرئيس لسمنة المصريين هو سوء التغذية، وليس العكس؛ فالشعب المتجاوز تعداده المئة مليون مواطن، يعتمد بشكل أساسي على الخبز مرتفع السعرات، إضافة إلى الأرز والمعكرونة والسكريات التي تمنحهم إحساساً بالشبع. وفي تقرير أعدته قناة " "CGTN Africaعام 2013؛ فإنّ معدلات السمنة لدى المصريين بلغت 36% من المواطنين.
ويرى أستاذ أمراض السكر، الدكتور فهيم البسيوني؛ أنّ 55% من النساء في مصر يعانين من السمنة، نتيجة قلّة الحركة وانخفاض معدل الحرق الناتج عن التعرض للملوثات والأغذية مرتفعة السعرات، والإجهاد العصبي، كما أوضح أنّ الضغط والإرهاق النفسي المستمر، يمكن أن يصيب الشخص بالسمنة؛ لذا فإنّ معظم الناس يستهلكون السكريات للتخفيف من حدة التوتر، وهو ما يغفل عنه الكثير من المصريين.

المفارقة أنّ قائمة أكثر 20 دولة سمينة في العالم، تجمع بين الدول الأشدّ فقراً والأشدّ ثراءً، على حدّ سواء، فمصر احتلّت رقم 7 في القائمة، واحتلّت في المركز الأول الولايات المتحدة الأمريكية، فيما وقعت دول الخليج جميعاً في ذات القائمة، إضافة إلى الأردن وليبيا ولبنان، فتتعدّد الأسباب والسُّمنة واحدة، فالولايات المتحدة ودول الخليج العربي، التي ترتفع دخول مواطنيها، تعزو سمنتها إلى النمط الاستهلاكي المعتمِد على الوجبات السريعة، وركوب السيارات، وقلّة ممارسة الرياضة، بينما تبقى مصر والمكسيك والهند والبرازيل في مركز الصدارة، ولكن بخلاف تلك الأسباب، فالغالبية من السكان هم من الفقراء ممن تغزو نمط استهلاكهم الأطعمة الغنية بالسعرات منخفضة القيمة الغذائية لتقليل التكلفة، وهو ما أقرّه أخصّائي الأمراض الباطنية والتغذية، الطبيب العراقي المقيم في القاهرة الدكتور معن كوباني، حيث قال لـ "حفريات": "من خلال عملي في معهد التغذية بالقاهرة، فإنّ الآلاف يومياً يرتادون المعهد، خاصّة من النساء والأطفال، ممن تبلغ أوزانهم أرقاماً فائقة، معظمهم، أو كلّهم، من الفقراء وأبناء الطبقات الشعبية، الذين يعتمدون في غذائهم بشكل أساسي على الخبز، لكننا نحاول مساعدة المرضى، عن طريق تغيير نمط غذائهم".

بين الطبّ والسياسة
يرتبط النمط الغذائي لأيّ شعب بالثقافة، التي تتكون عبر الآليات الاجتماعية والاقتصادية والطبيعة الجغرافية التي تنشر أنماطاً غذائية بعينها في المجتمع، هنا يضيف كوباني: "البديهي في خطة العلاج أننا نحاول تقليل استهلاك الخبز والأرز، وكذلك الدهون، واستبدالها بالفاكهة والخضروات الطازجة، والمكسّرات والأسماك، والدهون النباتية مثل زيت الزيتون وجوز الهند، لكن هذا ما يستحيل تحقيقه على الغالبية، فأسعار هذه السلع مرتفعة للغاية في مصر، وهو ما أدهشني، مقارنة بأسعارها في العراق مثلاً، غير ذلك؛ فمن الضروري لهؤلاء المرضى ممارسة الرياضة، أو حتى ممارسة المشي يومياً، وهو ما يتطلب صالات خاصة، لا يقدر هؤلاء المرضى على تحمّل كلفتها، ناهيك عن أنّ الشوارع غير صالحة للمشي فيها، ولا توجد صالات رياضية أو مراكز شباب مدعومة، هي أيضاً لا يقدر على تكلفتها كثيرون من الناس، كلّ هذه الأسباب وأكثر أراها منطقية للغاية في جعل مصر تعاني من السُّمنة، فالأمر يتطلب حلّاً سياسياً، لا حلّاً طبياً فقط".

اقرأ أيضاً: تخفيف آثار الجينات المسببة للسمنة.. هذا ما يقوله العلم عن الجري

إضافة إلى السُّمنة؛ هناك وباء قومي يتصدّر به المصريون شعوب العالم؛ هو "التهاب الكبدي الفيروسي C"؛ حيث أقرّت منظمة الصحة العالمية عام 2016، بأنّ 22% من المصريين يحملون هذا الفيروس، والذي كان يتسبّب، حتى وقت قريب، بموت حتميّ لحامله، إلّا أنّ بشائر العلم قد  أوجدت الحلّ، وقدمت عقار "السولفادي" (Sofosbuvir)، الأمر الذي ساهم في رفع المعاناة عن ملايين من الشعب المصري، وله انعكاسات أيضاً على السُّمنة، والتي قال استشاري أمراض الكبد والجهاز الهضمي، الدكتور علاء عوض، لـ "حفريات" إنها "تساهم في تراكمات دهنية على الكبد، يصعب التخلّص منها مع المرضى خصوصاً، إلّا باتباع نمط غذائي صارم، يعجز عن الالتزام به الغالبية العظمى من الشعب المصري، فالنمط السائد من وجبات الكشري، والمحشي، رخيصة الثمن، إضافة إلى الخبز، والذي نتفرّد في مصر بتسميته "عيش"؛ لأنه مقترن في الذهنية المصرية بالحياة، هما البدائل الرخيصة عن اللحوم والدجاج والأسماك التي ترتفع أسعارها يوماً بعد يوم، فالسمنة المصرية هي نتاج سوء التغذية فقط لا شيء آخر، هذا إضافة إلى قلّة الحركة؛ فالرياضة تتطلب أوقات فراغ، وأماكن صالحة لممارستها، وهي غير متاحة للغالبية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية