هل ما زالت إسرائيل كياناً معزولاً في المنطقة؟

هل ما زالت إسرائيل كياناً معزولاً في المنطقة؟


15/09/2021

لعل من بين أبرز ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة هو "انخراط" إسرائيل في المنظومة الإقليمية العربية، وانتقالها من محطة السلام "البارد والدافئ" الذي كان عنواناً لأول اتفاقيتي سلام عربي مع إسرائيل وقعتا من قبل مصر والأردن، بالإضافة إلى الاتفاقية التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية، إلى محطة جديدة عنوانها "شرعنة دخول إسرائيل" لاعباً أساسياً في قضايا الإقليم والمنطقة، وعبر الكتل العربية الرئيسة وهي: المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، ودول الطوق "مصر وبلاد الشام"، والدول العربية في شمال أفريقيا.

وقبل الدخول في مرجعيات وسياقات الدخول الإسرائيلي في هذه الكتل بوصفها "دولة" فاعلة فيها، وتباين أسباب هذا الدخول ومبرراته، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ إسرائيل شكلت قاسماً مشتركاً للدول العربية والإسلامية في المنطقة، جعلها تكون في موضع ما فوق الخلافات البينية التي جسدتها المحاور والأحلاف القائمة في المنطقة بين حكومات موصوفة بالاعتدال وأخرى بالممانعة، في ظل إدراك عميق بأنّ إسرائيل بوابة القبول والرفض من الغرب، وعلى رأسه أمريكا والاتحاد الأوروبي.

بداية السلام مع إسرائيل ومنتهاه لن تكون إلا عبر الشعوب العربية في دول الطوق، ولن يتحقق إلا بإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني

مرجعيات الانخراط الإسرائيلي في المنطقة ونتائجها تتفاوت بين منطقة وأخرى، ففي محيطها "دول الطوق"، رغم كامب ديفيد المصرية ووادي عربة الأردنية، بقيت العلاقات الدافئة والباردة في الإطار الرسمي إلى حد كبير، ولم ترتقِ إلى المستويات المنصوص عليها في الاتفاقيات على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبقيت تدور في عناوين الأمن والعسكرة، وهو ما تؤكده أرقام التبادل التجاري مع مصر والأردن، رغم بعض الاختراقات المحدودة، استناداً لمستويات ثقة متدنية، عززتها الإجراءات والسياسات الإسرائيلية المعرقلة لتقدّم عملية السلام على المسار الفلسطيني، وعدم التزامها بمنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، إضافة إلى الحروب التي شنتها على قطاع غزة، وإجراءاتها في تهويد القدس والمسجد الأقصى، غير أنّ الأزمات التي تعيشها دول المنطقة "مصر، والأردن، وسوريا، ولبنان"، وتحديداً أزمة الطاقة في لبنان، أوجدت لإسرائيل مدخلاً عبر اتفاق برعاية أمريكية وتمويل من البنك الدولي على تزويد لبنان بالكهرباء وإمدادات الغاز، ويتردد أنّ كميات من هذا الغاز ستكون من مصادر إسرائيلية، وقد وافقت عليه دمشق وبيروت.

اقرأ أيضاً: محللون سياسيون لـ "حفريات" القمع الإسرائيلي للأسرى قد يفضي إلى انتفاضة

أمّا في الكتلة الخليجية، فقد جاء الانخراط الإسرائيلي وفق مرجعيتين: الأولى قلب مبادرة السلام العربية التي طرحها العاهل السعودي الملك عبد الله في قمة بيروت عام 2002 من مقاربة الأرض مقابل السلام، إلى مقاربة السلام مقابل السلام، واستثمار التهديد الإيراني لإسرائيل ودول الخليج، وهو ما خلق قاسماً مشتركاً بين الجانبين، إلى درجة جعلت القيادة الإسرائيلية تقدّم مقاربة جديدة أنها جزء من تحالف الدول السنّية ضد إيران الشيعية، وقد قدّمت صياغة إيران للصراع في المنطقة على أسس مذهبية مبرراً لإسرائيل لتقديم مقاربتها، لا سيّما بعد الاتفاق النووي عام 2015، ومزاعم إيران بالسيطرة على "بغداد ودمشق بالإضافة إلى بيروت وصنعاء".

السلام الخليجي- الإسرائيلي المبرم عبر اتفاقات "إبراهام" مع الإمارات والبحرين، والعلاقة الإسرائيلية مع كل من سلطنة عمان وقطر، وما يتردد عن اتصالات سعودية مع إسرائيل، كلها جعلت إسرائيل حاضرة في الملفات الخليجية، خاصة تلك التي تتعلق بمباحثات مع إيران، يتم التعبير عنها في كثير من الأحيان عبر تصريحات إيرانية لدول الخليج من مغبة فتح أراضيها وقواعدها أمام إسرائيل.

اقرأ أيضاً: لماذا تبدو إسرائيل مهتمة بمنع سقوط الرئيس عباس؟

المرجعية الثانية أنّ ما يميز السلام الخليجي ـ الإسرائيلي هو أنه، خلافاً للسلام مع مصر والأردن، فإنه ورغم أنّ عنوانه أمني وعسكري، إلا أنه ذهب باتجاهات تعاون في مجالات متعددة وبخطى متسارعة في المجالات الاقتصادية والزراعية والتجارة والخدمات الصحية والاستثمارات وغيرها من قطاعات، ثم أنه يحظى بشعبية في أوساط عديدة، وهو ما ينقص السلام مع الأردن ومصر.

ما يميز السلام الخليجي ـ الإسرائيلي، رغم أنّ عنوانه أمني وعسكري، إلا أنه ذهب باتجاهات تعاون في مجالات متعددة وبخطى متسارعة ثم أنه يحظى بشعبية في أوساط عديدة

أمّا في شمال أفريقيا، فيبدو أنّ إسرائيل حاضرة في ملفات دول الاتحاد المغاربي، ليس آخرها الاتهامات الجزائرية لإسرائيل بالوقوف إلى جانب المغرب في خلافات الدولتين العربيتين التي وصلت إلى سحب التمثيل الدبلوماسي بين الرباط والجزائر، وقد كان التطبيع مع إسرائيل أحد أبرز الملفات المطروحة بين النخب السياسية في تونس، إلى جانب ما تردد حول تعهدات أوساط سياسية ليبية من بينها وعود لجماعة الإخوان المسلمين الليبية بإقامة علاقات مع إسرائيل، أمّا السودان بقيادته الجديدة، فقد ذهب بعيداً لإقامة علاقات مع إسرائيل، عززت مقاربة أنّ بوابة الغرب هي الانفتاح على إسرائيل، بعد رفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، وإعفائه من نسبة لا يستهان بها من ديونه.

وفي الخلاصة، ربما تنجح إسرائيل في إقامة علاقات مع الحكومات العربية، بمداخل سياسية وأمنية واقتصادية، عناوينها المساهمة في تقديم حلول لمشاكل الطاقة والمياه وغيرها، وربما يبقى هذا السلام دافئاً أو بارداً، إلا أنّ بداية هذا السلام ومنتهاه لن تكون إلا عبر الشعوب العربية في دول الطوق، ولن يتحقق إلا بإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني، لا سيّما أنّ العرب ما عادوا يتحدثون عن فلسطين التاريخية، وعادوا للقبول بدولة فلسطينية على حدود 4 حزيران (يونيو) عام 1967.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية