هل معركة أوروبا مع المسلمين والعرب أم مع "العثمانية الجديدة"؟

هل معركة أوروبا مع المسلمين والعرب أم مع "العثمانية الجديدة"؟


13/10/2020

 ليس بمقدور أيّ متابع لتصريحات الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، حول "أزمة يعيشها الإسلام في كلّ مكان بالعالم"، في إطار استعدادات فرنسية لإصدار خطة لمحاربة النزعات الانفصالية، ولمنع التشكيك بقيم الجمهورية الفرنسية العلمانية، ليس بمقدوره أن يتجاوز حقيقتين، وهما: الأولى أنّ هذه التصريحات تأتي في سياقات التنافس الانتخابي، وأنها تتساوق مع نتائج استطلاعات أشارت إلى أنّ زعيمة اليمين الفرنسي "ماري لوبان" ستكون منافسة للرئيس ماكرون في الانتخابات القادمة، وأنه أراد بهذا التصريح منافسة لوبان باجتراح إصدار مواقف من المسلمين "الفرنسيين"، تجيب عن أسئلة اليمين وتفشّي الإسلاموفوبيا التي توسعت، ليس في فرنسا فقط، بل في كافة الدول الأوروبية والغربية عموماً، بعد عمليات القاعدة وداعش في المدن الأوروبية، والمشاركة الواسعة لمسلمي أوروبا بالانضمام إلى الجهاد الإسلامي في العراق وسوريا، ناهيك عن نشاطات الإسلام السياسي بشقيه "السنّي والشيعي"، بإقامة المساجد والحسينيات  وممارسة نشاطات خيرية بمرجعيات دينية إسلامية، بالتزامن مع نمو الشعبوية اليمينية والتطرّف، في إطار صور نمطية أسهم الإعلام في ترسيخها عن "المسلمين كافة".

 

يرجح أن ينضم زعماء أحزاب يمينية متطرّفة في الدول الأوروبية إلى تصريحات ماكرون حول الإسلام، مع ملاحظة أنّ صورة المسلم لدى الأوروبيين هي المرادف لصورة "التركي"

 

أمّا الحقيقة الثانية، فهي أنّ هذه التصريحات تتزامن مع نزاعات سياسية بين فرنسا وتركيا، تمّ توظيف الدين فيها من قبل تركيا بصياغة مقاربة أنّ فرنسا تستهدف الإسلام والمسلمين، وتسعى لاستعادة إرثها الاستعماري، وهو أحد محدّدات الاستراتيجية الإعلامية لتركيا ضد فرنسا، حيث حاولت تمرير هذه المقاربة على خلفية المبادرة الفرنسية في لبنان، وفي شرق المتوسط بعد وقوفها إلى جانب اليونان، كما تنسحب المقاربة التركية على دور فرنسا في سوريا والعراق والمنطقة، وبالتزامن توسعت تركيا، على إثر تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وانسحاب السعودية من رعاية "المسلمين" في أوروبا، في رعاية المسلمين وتحت عناوين تستفزّ أوروبا، جوهرها استعادة إرث الدولة العثمانية، تبع ذلك قرارات تركية بإعادة تحويل متاحف وكنائس في تركيا إلى مساجد.

اقرأ أيضاً: العثمانية على خطى النازية.. إشعال الحروب بذرائع الأيديولوجيا

ومع ذلك، فإنّ هذه الحقائق لا تنفي أنّ هناك مشكلة حول الإسلام، تجد تجلياتها في فرنسا وأوروبا، وظهور مخاوف جادة على قيم الجمهورية العلمانية، تجسّدها محطّات حول الزي الإسلامي والمدارس الإسلامية وصعوبات اندماج الجاليات الإسلامية مع المجتمعات الأوروبية، في ظلّ أوضاع اقتصادية ومعيشية غير مواتية ولا تترجم أحلام المسلمين بالهجرة، فيما برزت مقاربات "موجّهة" لدى بعض أفراد هذه الجاليات ممّن ينتمون لتنظيمات جهادية وسياسية، عنوانها "أسلمة المجتمعات الأوروبية"، وهو ما أثار مخاوف أكثر عمقاً لدى غالبية الشعوب الأوروبية، وأسهم في نمو التطرّف لدرجة أصبحت معها مواقف الأحزاب الأوروبية ورموزها من المسلمين وقبول أعداد منهم بوصفهم مهاجرين، أحد المحدّدات والمعايير المهمّة التي تحدّد نجاح أو فشل هذه الأحزاب ورموزها.

اقرأ أيضاً: كيف بددت "المقامرة العثمانية" الحلم التركي بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟

وبعيداً عن ردود الفعل المنتمية "المتحيزة مسبقاً" لتيارات الإسلام السياسي، التي سارعت لاتهام الرئيس ماكرون بمعاداة الإسلام والمسلمين، وأنها تأتي في سياقات خطاب كراهية للإسلام والمسلمين، فإنّ سياقات هذه التصريحات تشير إلى أنّ الرئيس الفرنسي لم يقدّم نفسه بوصفه فقيهاً إسلامياً، ولا بوصفه رجلاً مسيحياً يصدر خطابه من الكنيسة ويحمل بيده الصليب، ثمّ إنّ إطلالة فاحصة لسياقات هذه التصريحات تؤكد أنها نتاج حوارات  نخبوية فرنسية تجيب على تساؤلات حول أسباب تعرّض فرنسا لعدد من العمليات الإرهابية، كما أنّ الرئيس الفرنسي كان يتحدّث عن مسلمين وليس عن الإسلام، بالإضافة إلى حقيقة تمّ إخفاؤها من قبل إعلام الإسلام السياسي، وهي أنّ ما طرحه الرئيس الفرنسي موضع حوارات وجدالات في العالم الإسلامي، حول الإسلام وقدرته بالتأويلات المتشددة والمتطرّفة على الاندماج مع العالم، وهي نقطة الخلاف المركزية مع التنظيمات الإرهابية التي يفترض أنها مرفوضة ومدانة من قبل المسلمين قبل غيرهم.

 

تتزامن تصريحات ماكرون مع نزاعات سياسية بين فرنسا وتركيا، تمّ توظيف الدين فيها من قبل أنقرة بصياغة مقاربة أنّ باريس تستهدف الإسلام وتسعى لاستعادة إرثها الاستعماري

 

وفي الخلاصة، فإنّ تصريحات الرئيس الفرنسي، وبمعزل عن مرجعياتها إن كانت في إطار التنافس الانتخابي أو التنافس مع تركيا، فإنّ ما تجب الإشارة إليه أنّ هذه التصريحات ليست معزولة عن اتجاهات لم تعد قليلة في المجتمع الفرنسي وبقية المجتمعات الأوروبية، ومؤكد أنّ الرئيس الفرنسي لن يكون وحيداً في هذه الساحة، إذ يرجح أن ينضم زعماء أحزاب يمينية متطرّفة في الدول الأوروبية إليها، مع ملاحظة أنّ صورة المسلم لدى الأوروبيين هي المرادف لصورة "التركي"، ولم يكن عبثاً ما كتبه الإرهابي الأسترالي "برنتون تارانت" الذي نفذ جريمته بقتل أكثر من 50 مصلياً في نيوزلندا، حيث كتب على بندقيته: "التركي الفج    1683فينا، إشارة إلى معركة فينا التي خسرها العثمانيون، و1571 إشارة إلى معركة لبيانتو التي خسرتها الدولة العثمانية... أيها اللاجئون أهلاً بكم في الجحيم"... فهل المعركة مع أوروبا هي معركة العرب والمسلمين، أم معركة العثمانية الجديدة؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية