هل يحقق المستقلّون مفاجأة انتخابات تونس 2019؟

تونس

هل يحقق المستقلّون مفاجأة انتخابات تونس 2019؟


24/04/2019

تعيش تونس على وقع مشهد سياسي متحرك، لم يعرف استقراراً منذ تحديد موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع إجراؤها خريف العام الجاري؛ حيث أعاد بعض السياسيين خلط أوراقهم، واندمج آخرون في ائتلافات جديدة، لتظهر تحالفات حديثة تكوّنت على حساب أخرى، انتهت بانتهاء مصالحها السياسية، ويبقى دخول المستقلّين السباق الانتخابي أحد أبرز مميزات هذا المشهد.
وبإعلان عدد من المستقلين والناشطين ضمن أكثر من 8 مبادرات مدنية، أبرزها: مبادرة "فكرة"، و"قادرون"، و"نجمة تونس"، و"يحيا الشعب"، و"تونس العزيزة"، تكوين الاتحاد الوطني للمستقلين لخوض الانتخابات المقبلة تحت شعار "قوتنا في لمتنا"، في 17 نيسان (أبريل) الحالي، تشتدّ المنافسة بين الفاعلين السياسيين، وسط توقّعات بتراجع الأحزاب لصالح المستقلّين.
 ندوة صحفية للمستقلين للإعلان عن اتّحادهم

المستقلّون يتوحّدون
يؤكد القائمون على هذا التكتل الجديد أنّهم يرغبون في منافسة الأحزاب السياسية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، معتبرين أنّ المستقلّين قد يقدّمون للبلاد أكثر من السياسيين، الذين حملوهم مسؤولية الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي في البلاد، وأنّ هدفهم الأساسي هو دعم موقع القوائم الانتخابية المستقلة والمعارضة.

المشهد السياسي التونسي لم يعرف استقراراً منذ تحديد موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لهذا العام

ويستند أصحاب المبادرة إلى نجاح القوائم المستقلّة خلال الانتخابات المحلية، التي أجرتها البلاد، للمرّة الأولى، في أيار (مايو) 2018، بعد أن حازت على المرتبة الأولى بنسبة 32.27%، وحصلت على 2373 مقعداً، متقدّمةً بذلك على حزب حركة النهضة الذي حلّ في المركز الثاني بحصوله على 29.6% من الأصوات، وحزب نداء تونس الذّي حلّ في المرتبة الثالثة بـ 22.7% من الأصوات.
ويشدّد في هذا السياق، محمّد صغير نوري، الدكتور في اقتصاد التنمية، وأحد مؤسّسي اتحاد المستقلين، على أنّ هذه الخطوة "ليست عملية ظرفية لغايات انتخابية؛ بل هي ضرورة اقتضتها مصلحة البلاد، ونتاج لعمل أعوام، وأنّ هدفها الرئيس هو إنقاذ البلاد، ووضعها على الطريق الصحيح".
ولفت النوري، في تصريحه لـ"حفريات"، إلى أنّ تراجع مؤشرات التنمية والاقتصاد، والأمن القومي، مقابل ارتفاع مؤشرات البطالة والفقر، وغلاء المعيشة، وارتفاع ديون تونس الخارجية، يتطلّب وقفة حازمة من المستقلين؛ لأنّ الأحزاب السياسية اهتمّت بصراعاتها ومعاركها الانتخابية، ونسيت مصلحة البلد، مشيراً إلى أنّ برنامجها الانتخابي جاهز، وأنّ إنقاذ الاقتصاد الوطني في قائمة أولوياتها.
كما أكد النوري، أيضاً أنّ ما يميّز مبادرتهم؛ أنّها ليست مسقطةً من المركز، بل هي عملية تشاركية، بادر بها أبناء الجهات الداخلية، للمشاركة في الحياة السياسية، والعملية الديمقراطية التي استثنتهم طيلة عقود، على حد تعبيره.
217 حزباً تنشط في تونس

الأحزاب تفقد ثقة الناخبين
يبدو الشباب التونسي، منذ الثورة وإلى اليوم، حاضراً في الاحتجاجات، غائباً عن المشاركة السياسية، سواء في شكلها العملي المباشر عبر الانتماء للأحزاب، أو في شكلها المواطني، كالمشاركة في الانتخابات، كما يبدو غيابه لافتاً في المناصب الحكومية، وفي المشاركة في صناعة القرار، وإبداء الرأي في الشأن العام.

تشتدّ المنافسة بين الفاعلين السياسيين وسط توقّعات بتراجع الأحزاب لصالح المستقلّين

هذا وتؤكّد نتائج سبر الرأي المتلاحقة في تونس؛ أنّ حوالي 70% من التونسيين لا يثقون بالأحزاب السياسية، في ظلّ ارتفاع نسب التشاؤم إلى حدود 42.3%، فيما يرى 70.5% من التونسيين أنّ الأوضاع الاقتصادية بتونس، بصفة عامّة، بصدد التدهور مقابل 22.4%.
وقد شهدت الانتخابات البلدية عزوفاً للناخبين، خصوصاً من فئة الشباب؛ حيث بلغت النسبة النهائية للمشاركة 35.6%، من أصل 5.3 مليون ناخب مسجّل في بلد يبلغ عدد سكانه 11.4 مليون نسمة.
ويفسّر سبر الآراء هذه النسب بالوضع الاقتصادي المتردي، وغموض المشهد السياسي، مع احتداد الصراع السياسي، ويتوقع مراقبون أن يتكرر العزوف في الانتخابات القادمة في ظلّ استمرار الاحتقان الاجتماعي، تنديداً بالغلاء والأوضاع المعيشية الصعبة.
من جهته، يعتقد أستاذ علم الاجتماع وعضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبد الستار السحباني، أن تحدث مفاجأة غير متوقعة خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، في ظلّ الارتباك الشديد للمشهد، وتزاحم الأحزاب التي بلغت 217 حزباً، لـ11 مليون نسمة فقط (مجموع سكان تونس)، خصوصاً أنّ التونسيين فقدوا ثقتهم في هذه الأحزاب، التي لم تفِ بوعودها منذ العام 2014.
ويرى السحباني، في تصريحه لـ"حفريات"؛ أنّ الشبكات الاجتماعية الافتراضية هي التي تتحكّم حالياً بالمشهد، "وهو ما يجعل كلّ الفرضيات قائمة، خاصّةً أنّ الشباب التونسي، اليوم، يرى أنّ المشهد السياسي لا يمثّله، على اعتبار أنّ مجموع أعمار كلّ من رئيس الدولة ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان تجاوز الـ219 عاماً، وأنّ الانتماء إلى الأحزاب هو مجرّد مساندة ومناصرةً لها".
المستقلّون يفوزون بالانتخابات التونسية المحلية

المستقلّون يزاحمون الأحزاب
ويستند المستقلون إلى نجاحهم في السباق المحلي الأخير، بعد أن زاحموا الأحزاب السياسية في أغلب المقاعد البلدية، ويعتقدون أنّ حظوظهم وافرة بالفوز، مقارنة بالأحزاب الحاكمة المتّهمة بالفشل في إدارة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، وهو ما أكّده المحلل السياسي أحمد ونيس، في تصريحه لـ"حفريات".

يستند المستقلون إلى نجاحهم في السباق المحلي الأخير بعد أن زاحموا الأحزاب السياسية في أغلب المقاعد البلدية

ويرجّح ونيس؛ أن يفوز المستقلّون خلال الانتخابات المقبلة، لعدّة اعتبارات، في مقدمتها فشل الأحزاب السياسية الحاكمة منذ 2014، في الاستجابة إلى تطلّعات ناخبيهم، كما فشلت المعارضة في تمثيلهم داخل قبّة البرلمان، وأوضح أنّ هذه الأحزاب، باختلاف توجهاتها، خيبّت انتظارات الشعب التونسي.
وأضاف ونيس؛ أنّ المستقلّين، الذين مارس أغلبهم العمل الجمعياتي، وكانوا ناشطين في صلب المجتمع المدني، تشبعوا بمشاغل المواطنين، وهم واعون بتطلعات الطبقات التونسية في عمقها، وفي تجاوب كبير معها، وشدّد على أنّهم سيغيّرون المشهد البرلماني؛ لأنّ المشهد الحالي سقط في الشعبوية.
في مقابل ذلك؛ يرى حسونة الناصفي، النائب عن حزب مشروع تونس (معارضة)، وعضو مكتب البرلمان، في تصريحه لـ"حفريات"؛ أنّ القوائم المستقلّة لها الحقّ في الترشّح، لكنّها لن تحقق نتائج مقبولة في الانتخابات التشريعية، كما فعلت في الانتخابات البلدية؛ لأنّ الانتخابات البرلمانية مرتبطة بالوصول إلى الحكم، وبتكوين أغلبيّة برلمانية، من أجل التصويت على مشاريع قوانين أو مساندة الحكم أو معارضتها، وهو ما لن ينجح فيه المستقلّون نظراً لغياب هيكلة واضحة.
وأضاف الناصفي: المستقلون قادرون في السياق التونسي، أن يشكّلوا قوة ضاغطة على الأحزاب، من أجل تصحيح مساراتها، وتحويلها إلى طرف منتج، لكنّهم لن يستطيعوا أن يحلوا مكان الأحزاب التي تبقى أساس العملية الديمقراطية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية