هل يختار النظام التركي بين الإخوان وبين مزيج العلمانية والإسلاموية

هل يختار النظام التركي بين الإخوان وبين مزيج العلمانية والإسلاموية


27/02/2019

ياوز بيدار

بغض النظر عن نتيجة الانتخابات المحلية التي تجري في تركيا في 31 مارس، فسوف يستمر سؤال مهم. هل سيعزز النظام الجديد، في ظل نظامه الرئاسي واسع الصلاحيات، نفسه باعتباره آخر ممثل للإخوان المسلمين، أم أنه سيتحوّل إلى مزيج تركي من البعثية والإسلاموية؟

من الواضح أن القطاعات الموالية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الجهاز الأمني، وكذلك المعيّنين السياسيين في المناصب الرسمية، يشعرون أنهم يفهمون الإخوان المسلمين ويشاركونهم أفكارهم. ويؤكد الخطاب في وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة ذلك.

تؤمن هذه الدوائر باستراتيجية إخوانية على المدى الطويل على الرغم من الانتكاسات في المنطقة الجنوبية لتركيا. أصبحت آلية المخابرات هي المسيطرة في الإدارة. ومع تمركزها في القصر الرئاسي في أنقرة، يرتبط وجود المخابرات ببقاء أردوغان السياسي.

ومع ذلك، الأمر ليس بهذه البساطة. منذ عام 2014، صمم أردوغان بلا هوادة الآليات السياسية عن طريق استبدال أنصار فتح الله غولن والبيروقراطيين الموالين للغرب في المؤسسات الرئيسة بأعضاء من الطوائف الإسلامية، مثل الطائفة المنزلية (طائفة مقربة من حركة النقشبندية)، وكذلك العناصر القومية المتطرفة أو الموالية لروسيا.

لا يمكن القول إن أردوغان قد بسط سيطرته الكاملة على السلطة القضائية أو حتى الجيش، على الرغم من أن عملية التطهير بعد الانقلاب الفاشل في عام 2016 لا تزال مستمرة بشكل شبه يومي.

يجعل هذا السياق الانتخابات المحلية القادمة أقل أهمية مما كان يُعتقد. الانتخابات تُسقط الستار على أحد أفعال لعبة السلطة المفتوحة. تركيا أكثر تعقيدا من ليبيا أو سوريا أو مصر. لقد تحدّت الاضطراب. لم تكن واقعة عام 2016 مجرد محاولة انقلاب بل كانت انتفاضة عسكرية فاشلة، لكن تركيا تبدو بعيدة عن الانزلاق إلى حرب أهلية، كما فعلت ليبيا وسوريا.

ومع ذلك، تواجه تركيا أزمة من حيث التوترات بين الإسلاميين والعسكريين العلمانيين. من المؤكد أنّ شيئا ما سيحدث لحلها، وسوف ينتصر أحد المعسكرين. إذا كان الأمر كذلك، فستكون المعركة النهائية حول من يتحكّم في النظام الرئاسي. بغض النظر عمّن يمسك بالسلطة، فستكون الرئاسة واسعة الصلاحيات مفيدة لحكم البلاد بقبضة حديدية.

ماتت الديمقراطية في تركيا وكذلك سيادة القانون. طموح أردوغان الكبير على وشك إنهاء شراكة تركيا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. والاتحاد الأوروبي على وشك تعليق عملية الانضمام إلى عضوية التكتّل

وقال غوكهان باجيك، وهو باحث في العلوم السياسية وخبير في السياسة التركية، إن النظام يكرّس “سلطوية تنافسية”. وأضاف “(السلطوية التنافسية) تميل إلى طريق مسدود… النظام غير قادر على الانتقال إلى الاستبداد الكامل، في حين أن المعارضة غير قادرة على تحقيق عودة إلى الديمقراطية الكاملة”.

دعونا نعود إلى السؤال الحقيقي: أين نحن في ما يتعلق بطموح أردوغان الكبير للسيادة على العالم السنّي؟ الطموحات الخفية قائمة على إبادة النظام الديمقراطي وسيادة القانون. وهي مبنية على الإفلات من العقاب والافتقار إلى المُساءلة. تمت إعادة هيكلة النظام من خلال أعمال غير قانونية، والتي تسببت في حالة من الغضب في الداخل وعدم الثقة العميقة في الخارج. إنّ النظام الذي يعمل باتجاه توحيد السلطات يقلّل من دور صندوق الاقتراع.

ماتت الديمقراطية في تركيا وكذلك سيادة القانون. طموح أردوغان الكبير على وشك إنهاء شراكة تركيا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. والاتحاد الأوروبي على وشك تعليق عملية الانضمام إلى عضوية التكتّل. أردوغان يداه مكبّلتان لأن القيادة الروسية لديها ثقة أقلّ في تعاطفه مع الإخوان المسلمين أكثر مما يعتقد.

لن يكون نهوض النظام السوري من الرماد وعداء الولايات المتحدة لإيران مفيدين في تحقيق حلم أردوغان. بعد أن أحرق الجسور مع الإصلاحيين والأكراد في الداخل، لن يتمكّن أردوغان من العودة حتى إلى الحد الأدنى من النظام الديمقراطي. تغيّر المسار بهذا الشكل سيجعله مسؤولا ويمكن الاستغناء عنه. إذا اختار الاستمرار بمفرده، فستكون هذه لعبة عالية المخاطر للغاية. وسيحتاج باستمرار إلى حلفاء محليين.

هناك، بطبيعة الحال، خيار التحوّل. مع الإبقاء على القرب من الصين والقرب حتى أكثر من روسيا، سيشعر أردوغان بالحاجة إلى مشاركة السلطة مع أعدائه العسكريين المعادين للغرب في الداخل عن طريق صفقة كبرى أخرى، إذا لزم الأمر.

يشير هذا إلى اندماج البعثية (شكل من أشكال الكمالية) والإسلاموية. سيكون تحالفا متوترا، محكوما عليه بالانهيار ويعتمد على حجم الأزمة الممنهجة والاقتصادية التي تواجه تركيا.

لدى أردوغان الوقت الكافي لحساب المخاطر، لكن رحلته حتى الآن تخبرنا أنه لن يخفف قبضته أبدا على الأدوات التي تبقيه في السلطة.

عن "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية