هل يشكّل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي طوق نجاة لتركيا؟

هل يشكّل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي طوق نجاة لتركيا؟


01/02/2021

بخروج المملكة المتّحدة من الاتّحاد الأوروبيّ، تطوي بريطانيا صفحة الصراع القائم بينها وبين الاتحاد، منذ تأسيسه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتبدأ عهداً جديداً في علاقاتها الإقليمية والدولية، دون التقيّد بمحددات الكيان الذي تنتمي إليه.

في هذه المرحلة الجديدة، كانت تركيا أولى محطات التعاون الإقليمي الجديد، لا سيما بعد توقيع البلدَين، أواخر العام الماضي، اتفاق تجارة حرّة لضمان استمرار التبادل التجاري بينهما بعد الخروج البريطاني من السوق الموحّدة والاتّحاد الجمركيّ للاتحاد الأوروبيّ.

خلال زيارة قام بها إلى المملكة المتحدة، في أوائل تموز (يوليو) العام الماضي، أعلن وزير الخارجية التركيّ، مولود جاويش أوغلو، صفقة قريبة بين تركيا والمملكة المتّحدة، تأتي في إطار تأمين الخروج البريطاني من الاتّحاد الأوروبيّ.

وتعد تركيا ثاني أهم سوق تصدير للمملكة المتحدة، بعد ألمانيا؛  ففي عام 2018، صدّرت تركيا 10.6 مليار جنيه إسترلينيّ من السلع والخدمات إلى بريطانيا، لكن مع الخروج البريطاني، ستغادر أيضاً الاتّحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي مع تركيا، ما يعني تغيراً جذرياً في العلاقة بين لندن وأنقرة.

اقرأ أيضاً: بالأسماء... كشف شبكة الجمعيات الحقوقية التابعة للإخوان في بريطانيا ومن يديرها

وفي الوقت الذي تدهورت فيه العلاقات بين البلدين والاتحاد الأوروبي، وجد الثنائي طريقهما إلى التعاون مؤخراً؛ حيث تعدّ الصفقة المشار إليها مهمّة لكليهما، على الصعيدَين، التجاري والسياسي، فالمملكة المتحدة هي من الأصدقاء القلائل جداً لأنقرة، التي تعيش عزلة سياسية واقتصادية لا مثيل لها من قبل، وتعيش حالة من التوتر السياسي مع الاتحاد الأوروبي على خلفية عدّة ملفات، أهمها: التدخّل في ليبيا، والتنقيب عن الغاز شرق المتوسط، والحفر قبالة السواحل القبرصيّة.

تحرص بريطانيا على علاقة جيدة مع أنقرة كجزء من سعيها لـ "بريطانيا العالمية"، لعقد صفقات وشراكات سياسية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

 وعلى صعيد آخر؛ تتدهور العلاقات الأمريكية التركيّة، التي آلت في النهاية إلى فرض عقوبات على أنقرة، بعد شراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسي "إس – 400".

ومن جانبها، حرصت المملكة المتحدة على إقامة علاقة جيدة مع أنقرة كجزء من سعيها لـ "بريطانيا العالمية"، لعقد صفقات تجارية وشراكات سياسية، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

اقرأ أيضاً: هل أخفقت بريطانيا في تقدير خطر الإخوان المسلمين؟

وترجع العلاقات بين البلدين إلى ما قبل البريكست، فعندما كانت المملكة المتحدة ما تزال عضواً في الاتحاد الأوروبي، كانت واحدة من أبرز المدافعين عن عضوية تركيا في الاتحاد، كما سارعت إلى إدانة محاولة الانقلاب المزعوم في تركيا، عام 2016، كانت أيضاً أقل تنديداً بكثير من العواصم الأوروبية الأخرى بشأن الوضع الداخلي في تركيا، خاصّة ملفّ الحريات، وتجنبت انتقاد الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته، وعندما شنّت تركيا هجماتها على شمال سوريا، خلال 2019، كانت المملكة المتحدة متردّدة في البداية في إدانة أنقرة، على عكس حلفاء الناتو الآخرين، كما كانت الأقل معارضة لتدخل تركيا لصالح حكومة الوفاق وميليشياتها المدعومة من أنقرة.

هل ينجح الثنائي معاً؟

أتاحت جائحة كورونا فرصة للبلدين للعمل معاً؛ حيث أرسلت تركيا معدّات وقاية طبيّة إلى المملكة المتحدة، مع تدخّل حكومتها للمساعدة، بعد فشل طلب قدمته المملكة المتحدة لشركة خاصة، وعلى عكس الاتحاد الأوروبي؛ أعفت المملكة المتحدة تركيا من إجراءات الحجر الصحّي، ما منح شريان حياة لصناعة السياحة التركية، التي تمثل أحد أهم مواردها العامّة.

تعتمد علاقة تركيا الاقتصادية مع المملكة المتحدة على عمليّة الخروج من الاتحاد الأوروبي، المترتب عليه الخروج من الاتحاد الجمركي للاتحاد، وهو ما يسمح بحريّة كبيرة تمارسها الدولتان في عملية التجارة والتعاون الاقتصادي؛ حيث إنّ تركيا في اتّحاد جمركيّ جزئيّ مع الاتحاد الأوروبي، يغطي السلع الصناعية وبعض المواد الغذائية المصنعة.

اقرأ أيضاً: هل تعيد بريطانيا عروس داعش؟

وبلغت قيمة التجارة بين لندن وأنقرة 18.6 مليار جنيه إسترليني، عام 2019، وتعدّ المملكة المتحدة أهم أسواق التصدير في تركيا، ومعظمها للمعادن الثمينة والمركبات والمنسوجات والمعدات الكهربائية، وعلى الرغم من أنّ تركيا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، إلا أنّ لديها اتحاداً جمركياً مع الاتحاد الأوروبي، مما يعني أنّه لا يمكن إبرام الصفقة الجديدة بين المملكة المتحدة وتركيا إلا بعد الانتهاء التّام من صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

الباحث في شؤون الشرق الأوسط، يوسف بدر لـ "حفريات": خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فرصة لا تعوّض بالنسبة لتركيا ونظامها المعزول إقليمياً ودولياً

وقوبلت الصفقة الأخيرة بين البلدين، بترحيب تركي، بسبب العملة المحلّية المتعثرة، والتي فقدت أكثر من نصف قيمتها على مدار العام الماضي، ووفق وزارة التجارة الدولية؛ ستؤمّن الصفقة الجديدة التعريفات التفضيلية الحالية لـ 7600 شركة بريطانية، تقوم بتصدير الآلات والحديد والصلب إلى تركيا، وحماية سلاسل توريد السيارات والتصنيع، فضلاً عن إلزام الاتفاق لكلا البلدين بمناقشات تهدف إلى توسيع نطاق الاتفاقية لتشمل الخدمات والزراعة خلال العامين المقبلين.

اقرأ أيضاً: كيف يعمل التطرف في بريطانيا؟

وأطلقت تركيا محادثات العضوية مع الاتحاد الأوروبي، عام 2005، لكنّ عملية الانضمام، وكذلك الجهود المبذولة لتوسيع اتفاقها الجمركي مع الكتلة، لم تسفر عن شيء حتى الآن؛ فقد أوضحت الدول الأعضاء عدم موافقتها على التراجع الديمقراطي للبلاد، فضلاً عن تلويح الاتحاد، أكثر من مرّة، بتوقيع العقوبات على أنقرة، إلّا أنّ سياسة التهدئة التي مارسها أردوغان في الأيام القليلة الماضية، دفعت الاتحاد للتريّث قبل إقرار عقوبات فعليّة.

تحالف ضدّ الاتّحاد الأوروبيّ

تشترك كلّ من بريطانيا وتركيا في خلافاتهما التاريخيّة مع الاتّحاد الأوروبيّ، التي تدفعهما، بشكل أو بآخر، لتعميق العلاقات الاقتصادية، على الأقل في مواجهة أيّة مخاطر قد تواجههما من الاتحاد، كما تعتبر الصفقة الجديدة مع تركيا خامس أكبر اتفاقية تجارة حرة تفاوضت عليها المملكة المتحدة، بعد صفقات مع اليابان وكندا وسويسرا والنرويج؛ حيث وقّعت المملكة المتّحدة اتفاقيات تجارية مع 62 دولة، استعداداً للخروج الرسمي من السوق الرسمي للاتحاد الأوروبي، وبدأت الاتفاقيات المبرمة دخول حيّز التنفيذ في مطلع الشهر الجاري، حيث ستكتمل عملية الخروج مع نهاية العام 2021. 

اقرأ أيضاً: هكذا تحاول بريطانيا التستر على جرائم جنودها في العراق

ويرى الباحث في شؤون الشرق الأوسط، والمتخصص في العلاقات الدولية، يوسف بدر؛ أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فرصة لا تعوّض بالنسبة إلى تركيا التي فرضت على نفسها عزلة دولية وإقليمية، بسبب سياساتها التوسّعية، كما أنّ الصفقة الأخيرة يعدّها نظام العدالة والتنمية الحاكم، طوق النجاة لاقتصاده المتردّي، لدرجة دفعت أردوغان إلى وصفها بأنها أهمّ اتفاق مبرم بعد الاتحاد الجمركي الذي تمّ توقيعه عام 1995.

الباحث في شؤون الشرق الأوسط، والمتخصص في العلاقات الدولية، يوسف بدر

 ويقول بدر لـ "حفريات": "تعيش تركيا في الوقت الراهن مرحلة اقتصادية صعبة، وضعت النظام الحاكم على المحكّ، بعد انهيار شعبية أردوغان، مقابل صعود رموز المعارضة التي تلقى قبولاً جماهيراً واسعاً، يخشى منه الرئيس على منصبه، فضلاً عن الغضب الدولي العارم من النظام التركي، الذي لن تسعفه الأموال القطرية، كما حدث سابقاً؛ لذلك يحاول البحث عن طوق نجاة يستعيد من خلاله بعض الشعبية المفقودة، وهو ما يعكسه بدء أردوغان بالترويج لنفسه انتخابياً، قبل فترة طويلة نسبياً من انعقاد الانتخابات".

وبحسب وصف وزيرة التجارة البريطانية، ليز تروس؛ فإنّ الصفقة الأخيرة تمهّد الطريق نحو التوصل إلى اتفاق جديد، أكثر طموحاً، في المستقبل القريب، مع الجانب التركي، والذي يأتي ضمن الخطّة البريطانية لوضع البلاد وسط شبكة من الاتفاقيات الجديدة لتتوافق مع الأنظمة الاقتصادية الديناميكية، خاصةً بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية