هل يعيد اليوم العالمي للطفل حقه بطفولته الكريمة؟

هل يعيد اليوم العالمي للطفل حقه بطفولته الكريمة؟


19/11/2018

لطالما خصّصت منظمة حقوق الإنسان يوماً عالمياً للطفل، تحتفي به جميع وسائل التواصل الاجتماعي، والمؤسسات التربوية والتعليمية، والدول المتقدمة والنامية، على سبيل الوجاهة الإعلامية، من ثم تحتفي به بعض الأُسر المنفتحة على التربية الحديثة، في الوقت ذاته يتعرض آلاف الأطفال في العالم للكثير من الانتهاكات في حق الطفولة، من خطف واغتصاب وقتل وتعذيب وجوع وعمالة، وتشرد، وتسوّل، وختان الطفلة الأنثى، جميعها جرائم يعاقب عليها القانونان؛ المحلي والدولي، وأهم تلك الانتهاكات هي الانتهاكات الأسرية بحق الطفل؛ إذ لا يزال الأبوان يعتبران أطفالهما شيئاً لا يتجزأ من ممتلكاتهما، إذن أين الحق الذي يتحدث عنه العالم فيما يخص الطفل في ظل كل تلك الانتهاكات؟

اقرأ أيضاً: يوم الطفل العالمي 2018.. "الأطفال يحوّلون العالم إلى اللون الأزرق"

لا نتذكر الطفولة إلاّ في يوم الطفل العالمي؛ قبله نمارس عليه أشد أنواع العنف؛ الجسدي واللفظي، ولا نتذكر السلام إلاّ في يوم السلام العالمي، قبله نكون أشد عنفاً وتعصباً وتطرفاً، وينطبق هذا السلوك على جميع الأيام العالمية المخصصة ضد العنف.

ألا يستطيع الطفل الذي يمارس أعمالاً تفوق قوته الجسدية أن يتعلم الرقص والغناء والرسم إلى جانب التعليم المدرسي؟

فالعنف الأسري هو المؤسس الأول للعنف العام ضد الطفل؛ وقد يكون عنفاً عفوياً في التربية ضمن المجتمعات البطريركية الخاضعة للسلطة الأبوية؛ كالأمر والنهي وتوجيه الانتقادات السلوكية والإشادة بسلوك أحد الأطفال دون غيره في الأسرة، على الطفل أن ينفّذ الأوامر من دون الأخذ بعين الاعتبار لرأي الصغير، الذي هو مشروع شاب وشابة في المستقبل، وبالتالي فهو إنسان صغير، هذا ما لا يلاحظه الآباء والأمهات على أنّه عنف لكنه ناعم أو رمزيّ، ينتج عنه حالات نفسية قاهرة عند الطفل قد تلازمه إلى سن الشباب أو أكثر؛ كالخوف والجُبن وعدم الثقة بالنفس، ويعتبر السلوك في هذه التربية العنفية سلوكاً عادياً ضمن إطار المعايير الاجتماعية السائدة المتفق عليها اجتماعياً وقانونياً، وذلك لعدم وجود قانون يحمي الطفل من العنف الأسري ضمن تلك المجتمعات.

اقرأ أيضاً: حقوق الطفل في تونس.. وسائل التواصل تفجر المسكوت عنه!

يقلّ الانتهاك لحقوق الطفل أو يزداد؛ بل لحقوق الإنسان بشكل عام حسب ثقافة المجتمعات ووعيها الذاتي، ففي المجتمعات الأبوية كالمجتمعات العربية والإسلامية والبلدان النامية، نرى الانتهاك واضحاً وصريحاً، وقد زادته الحروب والنزاعات قوة وشراسة، ونقلاً عن وكالة "رويترز" للأنباء، فمنذ عامين وأطفال اليمن يعانون من سوء التغذية؛ إذ قالت منظمة الأمم المتحدة يونسيف: "إنّ حوالي مليونيّ طفل في اليمن يعانون من سوء التغذية"، وأضافت أنّ "طفلاً واحداً على الأقل يموت في اليمن كل عشر دقائق"، وفي سورية يعيش حوالي ثلاثة ملايين طفل في حالة تشرد، بين لجوء في المخيمات وتسوّل وتسرّب من المدارس، أما أطفال الصومال وجنوب أفريقيا فحدّث ولا حرج.

يواجه الأطفال عنفاً مقصوداً في معظم المؤسسات التعليمية وذلك بحجة الحرص على نجاحهم في المناهج الدراسية، على الرغم من وجود قانون في جميع دول العالم يمنع تعنيف الأطفال جسدياً في المدارس، لكنه لا يزال في بلداننا، في الغالب، حبراً على ورق، وهذا العنف التربوي البعيد كل البعد عن التربية السليمة ينتج عنه أطفال غير أسوياء نفسياً، ومن أخطرها على وجه الإطلاق الطفل المتنمّر الذي يسيطر على الآخرين ويحاول إيذاءهم، لا يستطيع أن ينسجم مع أكثر من ثلاثة أصدقاء فيكون قائدهم والآمر والناهي في جميع تصرفاتهم، ولا يكترث لآلام الآخرين، ببساطة قد يصبح شخصاً فاقداً للإنسانية.

أليس من حق الطفل أن ينمو نمواً طبيعياً سليماً، في بيئةٍ آمنة ومستقرة، تراعي إمكانياته وتنمّي قدراته الإبداعية؟

هذا التنمّر لم يولد مع الطفل عند ولادته، إنما يستقيه من البيئة الاجتماعية والمؤسسة التربوية، فهم المساهمون إلى جانب الدولة والأسرة في فصل الطفل عن طفولته، وإعادة إنتاجٍ البنية التراتبية في المجتمعات؛ بل يساهمون في العودة إلى ما قبل المجتمع  وما قبل الدولة، من خلال صنوف الحرمان التي يعاني منها الأطفال، وأهمها الحرمان العاطفي الذي يعاني منه الطفل في المدارس، فعلاقة المعلمين والمعلمات في الأطفال لا تتعدى علاقة الرئيس بمرؤوسيه، فهي علاقة سلطوية تُخضع الطفل للطاعة وتنفيذ الأحكام القسرية.

إنّ ما يعانيه الأهل من فقر وتهميش وضيق في ممارسة الحياة في مجتمعاتنا؛ ينعكس على الطفل بشكل مباشر وملموس؛ فهؤلاء الأهل ليس في مقدورهم اتباع الطرق الصحيحة في التربية، وبعضهم لا يستطيعون إرسال أولادهم إلى المدارس، فينتشرون في الساحات والشوارع، إما للتسول أو للبحث عن عمل، أما بعض الدولة فتغض الطرف عن هذا وذاك، بل هي غائبة، في الأغلب، عن حاجات الناس الأساسية.

اقرأ أيضاً: محمد حبيب: هذه الأسباب تحوّل الأطفال والمراهقين إلى متطرفين

هل فطنت الأسرة وهل فطن المجتمع والدولة وهل فطنت المؤسسة التعليمية في مجتمعاتنا إلى تربية الأجيال الجديدة على المواطنة، ومتى يمكن أن تفطن؟ فما زلنا نتلفع بعباءة التقليد والسائد اللذين يكونان ملامحنا في ملامح أطفالنا وسلوكنا في سلوكهم، "فالطفل يبدأ حياته في سنيّه الأولى وهو يعبّر عن الكثير من إمكانات الإبداع العفوي إلا أنّ أسلوب التنشئة القمعية التي تقمقم الطاقات يفعل فعله في البيت ويستكمل في المدرسة في نوع من الخطة المبرمجة لقمع العفوية والإبداع والانطلاق والحيوية ..." حسب مصطفى حجازي.

إنّ ما يعانيه الأهل من فقر وتهميش وضيق في ممارسة الحياة في مجتمعاتنا ينعكس على الطفل بشكل مباشر وملموس

فقد حُرم بعض أطفالنا من المدرسة وتوجه إبداعهم نحو التطرف والعنف والتمييز الطائفي والفئوي هذا ما يجري علناً بين الأطفال في بعض المناطق السورية، على سبيل المثال، أليس من حق الطفل أن ينمو نمواً طبيعياً سليماً، في بيئةٍ آمنة ومستقرة، تراعي إمكانياته وتنمّي قدراته الإبداعية، ألا يستطيع الطفل الذي يمارس أعمالاً تفوق قوته الجسدية أن يتعلم الرقص والغناء والرسم إلى جانب التعليم المدرسي؟ من المسؤول عن حماية هؤلاء الأطفال من الجوع والتشرد والتسرب من المدارس بسبب الفقر الذي يعانيه الأهل؟ هل يعيد إليهم هذا اليوم حقهم في الحياة، أم أنّ حكومات العالم اكتفت بترديد الشعارات الرنانة والمصادقة على المعاهدات الدولية التي تحمي حق الطفل من دون أي تطبيق على أرض الواقع؟ متى ننظر إلى الطفل على أنه مستقبل المجتمعات وعمادها الأساسي ومصدر تطورها ونمائها؟

الصفحة الرئيسية