هل يكشف تطهير القضاء التونسي عن ملفات الجهاز السري لحركة النهضة؟

هل يكشف تطهير القضاء التونسي عن ملفات الجهاز السري لحركة النهضة؟


08/11/2021

تأمل قوى سياسيّة في تونس، أن تكون الإجراءات التي يتخذها الرئيس، قيس سعيّد، منذ الخامس والعشرين من شهر تموز (يوليو) الماضي، دافعاً لوضع حركة النهضة داخل إطارها المحدود، مع كشف الغطاء عن كافة الاتهامات المعلقة، طيلة السنوات الماضية، سيما ما يرتبط بمقتل الشهيدين شكري بلعيد، ومحمد البراهمي، التي ينظر القضاء التونسي في ملابساتهما منذ سنوات.

 

مباركة البراهمي: حديث رئيس الجمهورية عن "القاضي" الذي أخفى ملفات تتعلق بجريمة اغتيال الشهيدين، هو نفس ما كشفته هيئة الدفاع

 

تذهب بعض الآراء، أنّ ثمة تعمداً من أطراف، حالت دون البت والحسم في محركات الاتهام ضد الجهاز السري المسلّح لحركة النهضة، نظراً للتداخل الذي أحدثته النهضة بين قيادات القضاء، خلال سيطرتها على الحكم منذ العام 2011.

تطهير القضاء

على خلفية ذلك، تتحرك هيئة الدفاع بنشاط خلال الفترة الأخيرة، للاستفادة من المتغيرات السياسيّة التي طرأت على البلاد، ودفعت النهضة بعيداً عن مؤسسة الحكم، وفض هيمنتها على آليات الدولة، الأمر الذي دفع الأطراف الفاعلة في تونس، نحو اعتبار الملف القضائي أحد أهم أولويات عمل الحكومة الجديدة، برئاسة نجلاء بودن، سواء على مستوى التطهير من الخلايا الإخوانية، التي تم زرعها من خلال حركة النهضة، وكذا على مستوى المحاسبات القضائيّة، لجميع المتورطين في قضايا الفساد والاغتيالات، وتسفير التونسيين إلى ساحات التوتر والصراع المسلّح، في ليبيا وسوريا.

وأيضاً تتحرك الجهات القضائيّة، نحو العمل بحسم على فض الاشتباكات، في قائمة طويلة من الاتهامات الخاصّة بتلقي حركة النهضة تمويلات خارجيّة، والعمل لصالح جهات أجنبيّة، بيد أنّ الملف الأخطر الذي تواجهه الحركة، سيظل داخل حيز الاغتيالات السياسيّة، وخاصة ما يتعلق بمقتل السياسييّن، شكري بلعيد، ومحمد البراهمي.

 

عدنان البراهمي: تم التغاضي عن تخاذل القيادات الأمنية العليا، وعلى رأسهم وزير الداخلية آنذاك، لطفي بنجدو، الذي تنصّل من المسؤولية

 

إلى ذلك أشارت مباركة البراهمي، أرملة الشهيد محمد البراهمي، في تصريحات تليفزيونيّة، إلى أنّ حديث رئيس الجمهورية، عن "القاضي" الذي أخفى ملفات تتعلق بجريمة اغتيال الشهيدين، هو نفس ما كشفته هيئة الدفاع، وهو ما يأتي في إطار التزام الرئيس قيس سعيّد، بوعده في السعي لكشف الحقيقة.

 

اقرأ أيضاً: التونسيون يرحبون: 10 نساء في حكومة تقودها امرأة

وكان الرئيس قيس سعيّد، قد كشف خلال لقائه بقصر قرطاج مع وزيرة العدل، والرئيس الأول لمحكمة المحاسبات، نجيب القطاري، أنّ الفساد لا زال مستشرياً في جزء من القضاة، وشدّد على أنّه لا يمكن تحقيق أيّ إصلاح، إلا بإصلاح جذري للقضاء؛ حتى يستعيد عافيته، ودعا خلال اللقاء إلى ضرورة إعادة النظر في القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، الذي لا يقل أهمية عن الدستور، وذكّر بأنّ القضاء هو أساس المجتمعات والدول.

دور حركة النهضة

ومن جانبه، أعرب التيار الشعبي التونسي، عن أمله في الكشف عن المتورطين في قتل الشهيدين، كنقطة انطلاق لتحقيق العدالة، ومحاسبة القتلة، وكشف الغطاء السياسي عن المتواطئين.

من جهته، يؤكّد عدنان البراهمي، نجل الشهيد محمد البراهمي، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، أنّ ثمة معركة طويلة تخوضها هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد، ومحمد البراهمي، منذ ما يزيد عن ثماني سنوات، في مواجهة قوى التزوير والتخاذل والتواطؤ، بعد أن تمكّن حزب حركة النهضة، من إزاحة أكثر معارضيها جدية من المشهد إلى الأبد.

 

اقرأ أيضاً: هل أعلن قيس سعيّد وفاة مشروع الإسلام السياسي في تونس؟

هذه المعركة، إن صحّ اعتبارها مجرد معركة، بدأت بمحاولات كثيرة لإماطة اللثام عن عمليّتي اغتيال، اشترك فيها كل من له مصلحة، من قريب أو من بعيد، في تغلغل الإخوان المسلمين في هياكل ومفاصل الدولة؛ وصولاً إلى أهم وزارتين: الداخلية والعدل، حيث تورطت الداخلية التونسيّة في إخفاء كل المعلومات الأمنيّة والاستخباراتيّة، التي تشير وتنبّه من إمكانية استهداف النائب محمد البراهمي، أمام منزله حسب ما توصلت إليه وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، وأبلغت به الداخلية التونسيّة على الفور.

وكما هو معروف، بحسب الناشط السياسي والحقوقي، عدنان البراهمي، تم توجيه الاتهام بشكل مباشر إلى تنظيم أنصار الشريعة المحظور منذ العام 2013، وتم إيقاف عدة عناصر إرهابية منتمية لحلقات وخلايا هذا التنظيم، وتقديمهم إلى العدالة، دون محاولة البحث عمّن أصدر الأوامر، وموّل وخطط، كما تم التغاضي عن تخاذل القيادات الأمنية العليا، وعلى رأسهم وزير الداخلية آنذاك، لطفي بنجدو، الذي تنصّل من المسؤولية، ووجه الاتهام بالتقصير إلى المديرين العامين لوزارة الداخلية، الذين تبادلوا الاتهامات، وتملّصوا من المسؤولية.

محسن النابتي: القضاء التونسي أمام فرصة تاريخيّة؛ لينظر في قضية القرن، حيث سيكشف عن خيوط العنكبوت كاملة، داخل تونس وخارجها

وتابع نجل الشهيد قائلاً: في تشرين الأول (أكتوبر) العام 2018، تم الكشف رسميّاً عن التنظيم السري لحركة النهضة، من قبل هيئة الدفاع عن الشهيدين، التي أظهرت للرأي العام مدى تغلغل الإخوان في مفاصل وهياكل الدولة التونسيّة، ومدى تهاون الأمن والقضاء في التعاطي مع ملف بهذه الخطورة وهذا الحجم. والآن انتهى عهد سطوة الإخوان المسلمين، وانتهى معه حجم السيطرة على مفاصل الدولة، وأصبحت توقعاتنا كمتضررين من الإرهاب والاغتيالات عالية، والرئيس نفسه اعترف بالفساد المستشري في القضاء، وبالتلاعب الكبير في الملفات القضائيّة، والطمس الممنهج لأدلة وقرائن كانت تشير رأساً إلى حزب حركة النهضة؛ كجهة ضالعة بشكل رئيسي في الاغتيالات، والعنف، والتكفير، والتزوير، والابتزاز، وتبييض الأموال، والتآمر على أمن الدولة. اليوم انتهت النهضة كحزب متمكّن في الساحة السياسيّة، وأصبحت الحركة تحت طائلة القانون، كغيرها من التنظيمات السياسية، وبدأت بوادر الانفراج تلوح في الأفق، مع تناول مسألة تطهير القضاء، والإدارة ومكافحة الفساد والتهريب، ووضع حد لتسيّب أغلب مكونات الطبقة السياسية.

فرصة تاريخيّة لاستعادة الدولة

في هذا السياق يرى الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي، محسن النابتي، أنّ قضية الشهيد محمد البراهمي، مؤسس التيار الشعبي، هي قضية أمن قومي بامتياز، ويردف قائلاً في تصريحاته لـ"حفريات"، إنّ القضية ليست مجرد جريمة إرهابية، استهدفت زعيماً سياسياً، وإنّما، ومن خلال الجهود الجبارة التي قامت بها هيئة الدفاع، هي مرتكز رئيس في ملف الأمن القومي والإقليمي بشكل عام، ما دفع هيئة الدفاع في الجلسة الأخيرة، إلى ضرورة ضم ملفات الجهاز السري لحركة النهضة، وملف زعيم أنصار الشريعة، المكنى "أبو عياض"، إلى أوراق القضية؛ نظراً للتداخل بين هذه الملفات، والترابط بينها.

النابتي يرى أنّ ملف الجهاز السري لحركة النهضة، واختراقه لجهاز الدولة، من جهة، واختراقه وتوظيفه لأنصار الشريعة، من جهة أخرى، "هو جوهر ملف الاغتيالات والإرهاب والتسفير".

وبحسب النابتي فإنّ القضاء التونسي "أمام فرصة تاريخيّة؛ لينظر في قضية القرن؛ حيث سيكشف عن خيوط العنكبوت كاملة، داخل تونس وخارجها، وستكون محاكمة قتلة الشهيد محمد البراهمي، محاكمة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، والجماعات الإرهابية ومشغليها".

وحول حديث الرئيس قيس سعيّد، حول ضرورة استقلال القضاء، إبان استقباله وزيرة العدل، يلفت الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي، إلى أنّ حديث رئيس الجمهورية مع الوزيرة، "أكد المؤكد، وهو الفساد الذي نخر في القضاء، والتوظيف السياسي من قبل الإخوان، حيث وصلت الأمور حد إخفاء قرائن إدانة، ووثائق تتعلق بملفات الشهيدين محمد البراهمي، وشكري بلعيد، وقضايا إرهابية أخرى".

  ويختتم النابتي تصريحاته بالتأكيد على ضرورة تحرير القضاء، وربط ذلك بشكل مباشر مع خطوات تقدم تونس في اتجاه الإصلاح؛ فأكثر جرائم الإخوان، هي جريمتهم في الهيمنة على القضاء كأهم مرفق للدولة، لافتاً إلى أنّ التيار الشعبي يؤيد توجهات قيس سعيّد، في ذات الوقت في انتظار الإجراءات في هذا الصدد؛ لأنّ كل التعطيلات، مردها ارتهان جزء من القضاء للجماعة، وللوبيات الفساد.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية