هل ينجح الصدر في إعادة صورتهِ كإصلاحي وناصر المظلومين؟

العراق

هل ينجح الصدر في إعادة صورتهِ كإصلاحي وناصر المظلومين؟


16/02/2020

يحاول زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، امتصاص نقمةِ الشارع المحلي العراقي عليه، بعد قراره، ليلة الثلاثاء الماضي، بتجميد عمل "القبعات الزرقاء" الجماعة الصدرية المتهمة بممارسة أعمال "عنفٍ دموية" ضدّ متظاهري العاصمة بغداد، ومحافظة النجف (١٨٠كم جنوب العاصمة)، خلال الأيام الماضية، في محاولةٍ منها لفضّ الاعتصامات القائمة، وذلك بناءً على تحالف جديد، حصل مؤخراً بين المحور الإيراني والصدر نفسه.

في حركة مباغتة... زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يجمد ميليشيا القبعات الزرقاء ويهدّد بالبراءة من حكومة علاوي

الزعيم السياسي العراقي الشاب، حاول منذ يومين التفاوض مع متظاهري ساحة التحرير البغدادية، في مسعى منهُ للعودة إلى المسار السابق، لكنّ مفاوضات الوفد الصدري مع الشبيبة الاحتجاجية، باءت بالفشل، نتيجة "انعدام ثقة" الفريق الثاني بالأول، واتهامهم بـ "الخيانة والاصطفاف إلى جانب السلطة".
ويتعرض التيار الصدري (التيار الأكثر شعبية في العراق)، من أعلى رمزه إلى قاعدته، لحملات تنديد وسخرية شديدة، من قبل الشباب المتظاهر والمتعاطفين معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، جراء استخدام السلاح والأدوات الجارحة ضدّ "رفاق الأمس" من المحتجين، العملية التي كلفت العديد من الضحايا في مختلف ساحات التظاهر.

عناصر من أصحاب جماعة القبعات الزرقاء الصدرية في ساحات الاحتجاجات بالنجف

حلّ القبعات الزرقاء والتهديد بالتبرؤ من علاوي

وفي أحدثِ موقف له؛ أعلن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، ليلة حلّ ميليشيا "القبعات الزرقاء"، بعد أن عادت الثورة إلى "مسارها الأول"، بحسب تعبيره.

اقرأ أيضاً: "مقتدى الصدر".. عصا إيران الجديدة

وأكّد الصدر، في تغريدة على حسابهِ الرسمي في تويتر؛ أنّه ما يزال ينتظر نتائج التحقيق في حادثة النجف "لأقوم بواجبي الشرعي والوطني إزاءهم"، في إشارة إلى عناصر القبعات الزرق الذين هاجموا المتظاهرين في النجف بالرصاص الحي، الأربعاء الماضي.

عراقيون في مواقع التواصل الاجتماعي يسخرون من الصدر بعد رجوعهِ إلى أحضان إيران... والمتظاهرون يرفضون التفاوض معه

وأضاف: "بحسب ما وصلني من الثقات؛ فإنّ الثورة بدأت تدريجياً بالعودة إلى مسارها الأول، رغم وجود خروقات من بعض المخربين ودعاة العنف، وأملي بالثوار أنّهم سيعملون على إقصاء هؤلاء بصورة تدريجية وسلمية، وعليه فإني أعلن حلّ القبعات الزرق ولا أرضى بتواجد التيار بعنوانه في المظاهرات، إلا إذا اندمج مع المتظاهرين وصار منهم وبهم، دون التصريح بانتمائهم".

وعن اتصالات المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، محمد علاوي، مع القوى السياسية للانتهاء من مهمته، أوضح الصدر أنّ "هناك ضغوطات حزبية وطائفية عليه"، محذراً من أنّ "استمرار هذه الضغوط واستجابته لها سيقوده (الصدر) إلى التبرؤ منها".

الصدر يحل القبعات الزرقاء ويهدد بالبراءة من حكومة محمد علاوي

القبعات الزرقاء... الهوية والهدف

ما إن اندلع الحراك الاحتجاجي العراقي، بداية تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حتى أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، تشكيل جماعة عرفت باسم "القبعات الزرقاء"، والأخيرة هي امتداد لـ "سرايا السلام"، الميليشيا الرسمية للتيار الصدري الآن، والتي أنشأها لتكون بديلاً لجيش المهدي (ميليشيا صدرية تمّ حلّها سابقاً)، عام 2014، وخاضت قتالاً ضدّ عناصر داعش في مناطق عدة من العراق.

اقرأ أيضاً: عن "الانقلاب" الصدري و"عجز" التظاهرات

وعن هوية الجماعة، يفصل كاظم البهادلي، قيادي في التيار الصدري، قائلاً: "جماعة القبعات الزرقاء؛ جماعة صدرية شعبية سلمية، هدفها كان حماية التظاهرات العراقية، من استهدافها من قبل الميليشيات الحكومية التي كانت تتربص بها"، مبيناً أنّ "جماعتنا دافعت عن حرم التظاهرات، وكانت لهم صولات، لا سيما ما حدث في ساحة الخلاني قبل شهرين، لحظة هجوم جماعات مسلحة على المتظاهرين، وتمكنا من صدّها".

اقرأ أيضاً: "حمّام دم" في النجف.. الصدر يجر العراق لاقتتال داخلي

ويضيف البهادلي لـ "حفريات": "هدفنا سلمي بحت، كما قامت الجماعة أيضاً، بعمليات لوجستية خدمية لصالح المتظاهرين، سواء كانوا صدريين أو غير صدريين، فالخدمة شملت المشروع الاحتجاجي القائم منذ نهاية العام الماضي"، عادّاً الاتهامات التي طالت القبعات الزرقاء مؤخراً "فبركة من قبل الإعلام المعادي للعراق".  

متظاهرة عراقية ترفع لافتة موجهة إلى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر

مجزرة دامية في ليل النجف

بعد الاشتباك السياسي بين التيار الصدري والمتظاهرين، لحظة تكليف السياسي محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة المؤقتة، شهدت اعتصامات مدينة النجف، الأربعاء الماضي، أجواءً دامية، راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى في صفوف المحتجين.

وشهدت ساحة الصدرين، وسط المحافظة الدينية (مركز الاحتجاجات)، صداماً مسلحاً، نتيجة هجوم شنّته جماعة القبعات الزرقاء، على خيم المعتصمين، مطالبة إياهم بفضّ الاعتصام، ما أسفر عن فعلٍ وردِّ فعل، تمّ خلالها استخدام المولوتوف والأسلحة البيضاء.

اقرأ أيضاً: مقتدى الصدر الحائر والمحير

المشاهد الدامية يسردها الناشط علي ضياء لـ "حفريات"، قائلاً: "في ليلة الأربعاء الماضي تعرضت خيم الاعتصام لهجوم من قبل شبان يرتدون أكفاناً وقبعات زرقاء، هدّدونا بالرحيل عن ساحة الصدرين"، مؤكداً أنّ "رفض المعتصمين لهذا الأسلوب أدى إلى ضربهم من قبل الصدريين، بالهراوات والأدوات الجارحة".

ويلفت ضياء إلى أنّ "إحدى الخيم في الساحة تعرّضت لرمي بقنبلة صوتية، لا نعرف مسارها، أو من أين جاءت"، مبدياً استغرابه من فعل "رفاق الأمس في ساحات الاحتجاجات".

اقرأ أيضاً: الصدر الذي فتح الباب لتأكله الذئاب

ويؤكّد الناشط النجفي؛ أنّ "الصدريين بين ليلة وضحايا، تحولوا من داعمين إلى قتلة، سلوكهم يشبه سلوك الجماعات المسلحة الأخرى".

جانب من المشاركة الفاعلة للمراة العراقية إلى جانب الرجل في تظاهرات البلاد القائمة حالياً

"الزعيم المقدس" والسقوط المدوي

إلى ذلك، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالنيل من زعيم التيار الصدري، وجماعته "أصحاب القبعات الزرقاء"، ردّاً على أحداث ساحة الصدرين في مدينة النجف، ليردّ الصدريون بهجوم مباغت سريع على شباب ساحة التحرير وسط بغداد، مستخدمين الهراوات ضدّ المعتصمين داخل بناية المطعم التركي، حصن المتظاهرين المطل على المنطقة الخضراء (معقل الحكومة).

محمد هادي، متظاهر في الساحة، أكّد لـ "حفريات"؛ بأنّ "جماعة القبعات الزرقاء هجموا علينا كالمجانين، متهمين إيانا بإيواء العاهرات داخل بناية المطعم التركي والأعمال غير الأخلاقية"، لافتاً إلى أنّهم "يستخدمون أسلوباً دينياً للنيل من سمعة الاحتجاج السلمي الناصع".

اقرأ أيضاً: بعد قرار الانسحاب.. هل خان مقتدى الصدر المحتجين العراقيين لصالح إيران؟

"الصدر وجماعته باتا يشعران بالصدمة، لأنّنا هتكنا قدسية زعيمهم الزائفة، وقوة تيارهم التي كانوا يخوّفون بها الناس، طوال الأعوام الماضية، مقتدى، بفعلته الأخيرة، أصبح مثار سخرية في حديث مختلف الشباب"، بهذا القول يصف مصطفى حامد ردّ الفعل على هجوم الجماعة الصدرية.

ويضيف لـ "حفريات": "المتظاهرون في بغداد، فضلاً عن المحافظات الأخرى، أدرجوا اسم مقتدى الصدر على لائحة الأسماء الفاسدة، وضمن الهتافات التي تنال من مختلف الزعامات السياسية"، مبيناً أنّها "لحظة انكسار الخوف والمقدس السياسي معاً".

جماعة القبعات الزرقاء تدقق في هويات الداخلين إلى ساحات الاحتجاج

"مفاوضات التحرير لا تمثلني"

وفي سياق ذي صلة؛ أطلق عدد من ناشطي الحراك الثوري الشعبي في بغداد "الهاشتاغ" الموحّد "مفاوضات التحرير لا تمثلني"، تأكيداً منهم على رفض أيّ حوار يجريه ممثلو التيار الصدري مع شباب الساحة الاحتجاجية وسط العاصمة، وكانت قيادة التيار الصدري قد بعثت وفداً منها، الإثنين الماضي، إلى ساحة التحرير، للتفاوض مع الشباب المحتج، للخروج برؤية موحدة حيال شكل الحكومة المقبلة، برئاسة علاوي.

وعن ذلك، يقول لطيف هاشم، باحث وأكاديمي عراقي: "زعيم التيار الصدري، يحاول إعادة صورتهِ السابقة كرجل إصلاحي، لأنّه لم يتصور حجم الإساءة التي تعرض لها حينما هاجمت جماعته الاحتجاجات في بغداد وبعض المحافظات"، لافتاً إلى أنّ "الصدر لا يريد أن يكون مشمولاً بالهتافات الشعبية ضدّ الفاسدين، فهو يحب أن يبقى في دور المنقذ وناصر المظلومين، بحسب تفكيره البراغماتي".

اقرأ أيضاً: نصرالله يقود بإشراف إيراني مصالحة بين الصدر والفصائل الشيعية

وفيما يتعلق بفشل المفاوضات، يعزو هاشم ذلك إلى "فقدان ثقة المتظاهرين السلميين بالصدريين؛ لأنّ التيار طعنهم حينما عاد إلى أحضان إيران، ويحاول نيل مكاسب سياسية وحكومية جديدة، على حساب الجميع".
وأضاف لـ "حفريات": "الصدر لا يمكنهُ العودة إلى منطقة تشرين الأولى". 

ليل النجف وخيمة للمعتصمين بساحة الصدرين وسط المحافظة

محاولة لكسب الشارع الديني

بين تغريدة وأخرى يثير الزعيم الصدري، الجدل حول نفسه ومواقفه السياسية، لكن هذه المرة أثار تحديداً حفيظة الشباب، بعد أن طالب بمنع اختلاط الجنسين داخل التظاهرات، في محاولة رأى البعض أنّها لـ "فرض وصاية دينية على الجميع"، علماً بأنّه ليس فقيهاً.

بعد قراره بعدم اختلاط الجنسين في التظاهرات... ناشطة عراقية لـ"حفريات": لا وصاية دينية لمقتدى على الناس

وتقول الناشطة لمى العاني: "تغريدات الصدر، في حدّ ذاتها كوميدية، ومثيرة للجدل من جانبهِ الساخر"، مبينة أنّه "بين ساعةٍ وأخرى، يصدر تغريدة مغايرة للتغريدة السابقة، لا أدري ماذا يريد منا هذا الرجل".

وتساءلت العاني عن موقع الصدر في فرض وصايتهِ على الجميع، وقالت لـ "حفريات": "العراق ليس دولة دينية كي يفرض رجال الدين، فتواهم علينا، كما أنّ السيد الصدر طالب علم شاب، وما يزال غير مجتهد أو فقيه، فكيف يريد أن يطيعه الآخرون"، مضيفة: "وصايتك على تيارك، يا سيدنا، وليست علينا".

وأكّدت الناشطة النسوية العراقية على دور المرأة في التظاهرات القائمة في البلاد، مطالبةً المنظمات الحقوقية بـ "الكشف عن حالة تحرش واحدة حصلت في الساحات الاحتجاجية"، مضيفة "ثورتنا نقية، لكن التيار الصدري يحاول مناغمة الشارع الديني المعارض لنا".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية