هل ينجح قيس سعيّد في إعادة الروح إلى الشارع التونسي؟

تونس

هل ينجح قيس سعيّد في إعادة الروح إلى الشارع التونسي؟


31/10/2019

بالتزامن مع انتخاب طبقةٍ سياسية جديدةٍ، وإعلان فوز قيس سعيّد برئاسة تونس كرئيسٍ مستقل، انطلقت عشرات الحملات والمبادرات التطوعية في مختلف محافظات تونس، تنادي بتنظيف البلاد، والالتزام بالعمل والنظام، وجمع تبرعات لمساعدة الحكومة في بناء المستشفيات ودعم اقتصاد البلاد.

عشرات الحملات التطوّعية تجتاح الشارع التونسي منها حملات نظافةٍ ترمز إلى تنظيف البلاد من الحقبة السياسية السابقة

حملاتٌ قادتها مجموعاتٌ شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي، أسماها مراقبون "الجيوش الإلكترونية"، و"السند المعنوي" لرئيس تونس المنتخب حديثاً، بأغلبية فاقت 70 بالمئة، باعتبار أنّ هذه المبادرات صدرت عموماً عن مؤيديه وأنصاره، الذين كوّنوا مجموعاتٍ إلكترونية وصفحاتٍ ضمّت عدّة مبادراتٍ وأفكارٍ للتنفيذ، من أجل الانطلاق في عهدٍ جديدٍ يقطع مع الموروث الذي مرّت به البلاد، عقب انتكاسة ما بعد ثورة كانون الثاني (يناير) 2011.
ويرى مراقبون أنّ الشعب التونسي، وفي مقدمته الشباب، أصيب بإحباطٍ، وحالةٍ من اليأس، عقب الثورة التي فجّرها وسرقها منه السياسيون، وأنّ فوز سعيّد الملقب بمرشح الشباب قد أعاد الأمل لهم، ويعتبرون أنّ هذه الحملات تعكس عمق الوعي الشبابي بضرورة التغيير الإيجابي ومعالجة القضايا التي عجزت الأحزاب الحاكمة عن معالجتها، كمقاومة ارتفاع الأسعار، ومقاومة التلوث، وغيرها من القضايا التي رأى الشباب نفسه فاعلاً لمجابهتها بنفسه.
قيس سعيد يبعث نفساً جديداً من الوعي والتطوع لدى الشباب التونسي

حالة وعي غير مسبوقة
ومنذ الإعلان عن فوز سعيّد برئاسة البلاد، اجتاحت البلاد حالةٌ غير مسبوقةٍ من الوعي، أعادت الشباب التونسي الذي استقال يأساً من الحياة السياسية، منذ 2013، إلى تصدّر المشهد من جديد، بعد أن غزا وسم "#حالة_وعي" وسائل التواصل الاجتماعي في تونس، مصحوباً بشعارات من قبيل: "شباب واعي"، و"حالة وعي"، و"نظف بلادك"، وأخرى مثل: "نحبّوا بلادنا نظيفة"، و"اخدم ولا شدّ دارك" (اعمل أو ابقَ في المنزل)، و"تبرّع بيوم عمل لخزينة الدولة"، و"القضاء على البطالة".

ممدوح عزّ الدين: التونسيون رأوا في قيس سعيّد الطهر والنقاوة الضروريَّين لإعادة البعد الأخلاقي إلى العمل السياسي

كما أطلق الناشطون عدّة مجموعاتٍ فيسبوكية تدعو إلى مقاطعة أسعار بعض المنتوجات الاستهلاكية، التي تشهد أسعارها ارتفاعاً غير معقولٍ، كالبطاطا والموز، وعدّة منتوجاتٍ أخرى.
وغزا وسم "#TUN" (الرمز تونس الدولي) مواقع التواصل الاجتماعي، سعياً للتعريف بالمثال التونسي تحت أنظار العالم، ونُشرت ملايين التدوينات في هذا الإطار، تضمّن بعضها عشرات المقترحات حول كيفية الارتقاء بالاقتصاد، والسياحة والثقافة، وانتشرت حملات واسعة من المساعدات لفائدة بعض الفئات المحتاجة، التي بادر بها شباب متطوع بأبسط الإمكانيات، ساعدهم فيها رجال أعمال.
هذه المبادرات شكلت نسخةً مختلفة للحركات الاحتجاجية التي عرفتها تونس في الأعوام التسعة التي تلت الثورة، والتي خرج الشباب فيها محتجّاً على تردّي الخدمات وتراكم الأوساخ وازدياد منسوب العنف، وكانت أصابع الاتهام تتجه، في كلّ مرة، إلى السلطة السياسية، وتحديداً الحاكمين؛ حيث حمّلهم الشباب المحتج المسؤولية كاملة عن تلك الظواهر والتجاوزات والإخفاقات التي شوهت البلاد.

اقرأ أيضاً: هل ينجح قيس سعيّد في احتواء التناقضات التونسية؟
وأعطت الشباب التونسي روحاً ثوريةً جديدة لقيادة المسار الثوري في البلاد وتصحيحه، ويذهب مختصون في علم الاجتماع في ذلك إلى أنّ هذه المبادرات، على غرار شراء المنتجات المحلية لإنعاش الدينار التونسي، تحت شعار "استهلك تونسي"، واحترام القوانين، والالتزام بالطوابير عند إجراء المعاملات الإدارية؛ كحملة "نخلص القباضة ونحترم القانون"، هي حالة وعي أعادت البسمة والأمل للشباب الذي عاقب الطبقة السياسية ولفظها بعدما منحها الفرصة لتحقيق مطالبه ووعوده الانتخابية.

حملات نظافة تطوعية في كافة مدن تونس
حالة الوعي هذه رأى المحلل السياسي، عبد الجبار المدوري، في تصريحه لـ "حفريات"، أنّها قد تجاوزت حدود الوعي السياسي كحالة تأثيرٍ نحو مفاهيم أشمل على غرار الوعي الأخلاقي، والوعي البيئي، والوعي الاقتصادي، والوعي الثقافي، إضافةً إلى الوعي المعرفي، كنتيجةٍ مباشرة، لرد فعل طبيعية لثقافة جديدة.

اقرأ أيضاً: رئيس تونس الجديد في مجابهة بركان الصراعات السياسية.. فهل ينجح؟
وفسّر المدوري حماسة الشباب في التطوّع لمثل هذه الأفكار، بالرغبة في تغيير واقع البلاد المنهك بالأزمات المتتالية في الأعوام التسعة الماضية، فضلاً عن ارتياحه لتغيير شخصية رئيس البلاد، والخروج عن المعتاد عبر انتخاب رئيسٍ من عامّة الشعب وقريبٍ منهم، ودعا التونسيين إلى مزيد العمل والتطوع، ووقف نزيف الإضرابات والزيادة في الإنتاج، للحدّ من الزيادات في الأسعار والضرائب والأجور.
فوز قيّس سعيّد يعيد الروح الثورية إلى تونس
وفي أوّل ردّ فعل عقب الانتخابات الرئاسية، نزل آلاف التونسيين للشوارع احتفالاً بصعود قي سعيّد، وأعادوا رفع الشعارات التي رُفعت خلال الثورة، قبل أعوام، وأعادوا الصور نفسها؛ حيث انتشرت بشكلٍ كبيرٍ صورة شاب يطلق سراح عصفورٍ من قفصه، كتعبيرٍ منهم عن استعادة حريّتهم.

صادق مطيمط: الشباب التونسي بعث رسائل مشفرةً إلى "ممتهني" السياسة بأنّه سيعاقب كلّ من يثبت تورطه في الفساد

كما خرج مؤيدو سعيّد بمختلف فئاتهم، بمكانسهم وحاويات القمامة لجمع النفايات، وترميم الأرصفة وطلائها وتنظيف الحدائق والساحات العمومية، في مختلف محافظات الجمهورية، التي يبلغ عددها 24 محافظة، وانخرطت في هذه الأنشطة السلطات المعنية بدرجة أولى بمجال النظافة والعناية بالبيئة.
ويذهب محلّلون إلى أنّ هذه المبادرة ترمز إلى تنظيف البلاد من الحقبة السياسية التي سبقت انتخاب الرئيس الجديد، الذي يصفونه بـ "النظيف"، لأنّهم يرون أنّ الفترتَين الرئاسيتَين السابقتَين كانتا فترة ركودٍ على جميع المستويات، عاد خلالهما ممثلو النظام السابق إلى المشهد، فيما يرى الأخصائي في علم الاجتماع، ممدوح عزّ الدين، في تصريحه لـ "حفريات"؛ أنّ التونسيين، خاصّةً الشباب، يرون في قيس سعيّد الطهر والنقاوة الضروريَّين لإعادة البعد الأخلاقي إلى العمل السياسي.

اقرأ أيضاً: بعد فوز سعيّد... علاقته مع النهضة تثير مخاوف التونسيين
وأضاف عز الدين: الرئيس المنتخب أعطى أملاً للتونسيين بحلّ الأزمة القيمية التي ضربت الحياة السياسية، لأنّ جميع الفاعلين السياسيين الذين صعدوا إلى المشهد التونسي بعد الثورة، كانوا موضع شكّ، مشيراً إلى أنّ المسألة الاجتماعية كانت إحدى أهم القضايا التي لم تُحل بعد، وأنّ سعيّد بقربه من الشباب أعطى أملاً في إمكانية معالجتها.
الأخصائي في علم الاجتماع، لفت أيضاً إلى أنّه من الصعب أنّ يستطيع سعيّد تغيير الوضع التونسي، لأنّه لا يعمل وفق برنامجٍ واضحٍ، وأنّ حملته الانتخابية قامت على نقاطٍ نظريّة استمالت جزءاً مهماً من التونسيين، مشدّداً على أنّ نظافة اليد لا تكفي لتسيير بلادٍ تعاني من عدّة أزماتٍ كتونس.
الشباب التونسي يقود حملات نظافة تطوعية في كافة محافظات البلاد

رسائل مشفرة إلى السياسيين
وكانت المجموعات المغلقة على شبكات التواصل الاجتماعي، الفاعل الأبرز في الاستحقاقات الانتخابية التي جرت خلال شهرَي أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر)، بعد أن أحسن الشباب إدارتها لتوجيه نتائج الانتخابات لصالح مرشحهم قيس سعيد، الذي يُعتبر من خارج المنظومة التي فشلت في إدارة البلاد خلال الفترة الماضية.
وتميّزت الانتخابات الرئاسية، خصوصاً، في دورها الثاني بالإقبال الاستثنائي للشباب؛ حيث تجاوزت نسبة الإقبال على التصويت حوالي 55 بالمئة، وذلك بعد أن سجلت المحطات الانتخابية التي عقبت عام 2014 عزوفاً كبيراً للناخبين، ولم تتجاوز نسب التصويت فيها 40 بالمئة، وهو ما يعدّ مؤشراً إيجابياً لعودة الشباب إلى الحياة السياسية.

اقرأ أيضاً: حقوقية تونسية: هذه التهم تلاحق حركة النهضة الإسلامية.. فيديو
وشكّل الشباب 53 بالمئة من مجموع المصوّتين في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، وهو ما يفسّر النظريات التي تقول إنّ ما حدث في تونس هو "ثورةٌ لأصحاب الشهادات العليا والمثقفين التونسيين ضدّ النظام القديم"، وأنّ الفضاءات الافتراضية عوّضت، إلى حدّ ما، النشاط السياسي الطلابي داخل الجامعات، خصوصاً أنّ 24.7 في المئة من المصوّتين هم من الطلاب.
ويرى الأستاذ في العلوم السياسية، صادق مطيمط؛ أنّ الشباب التونسي ملّ "ممتهني" السياسة في تونس، الذين تحوّلوا إلى ظواهر وجبت دراستها، بمجرّد صعودهم إلى البرلمان، وبعث رسائل مشفرةً للسياسيين الذي عاقبهم في الانتخابات التشريعية والرئاسية؛ بأنّه لن يلتزم موقف الحياد مستقبلاً، بل سيعاقب كلّ من يثبت تورطه في قضايا الفساد، وهو ما حاول الرئيس الحالي، قيس سعيّد، أن يؤكده في خطابه بمناسبة توليه منصب رئاسة الدولة، في إشارة إلى مبادرة بعض الموظفين بالتبرع بيوم عملٍ، شهرياً، من أجل القضاء على البطالة.
مطيمط قال لـ "حفريات" إنّ "التصويت بنسبة 70 بالمئة لصالح قيس سعيّد ليس حبّاً فيه، بل هو محاولة لإنقاذ تونس من تغوّل المال السياسي الفاسد، على اعتبار أنّ منافسه، نبيل القروي، تحوم حوله شبهات فساد، وتبييض أموال".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية