هيستيريا حزب الله وتراجيديا شكسبير

هيستيريا حزب الله وتراجيديا شكسبير


02/05/2018

مالك العثامنة

تتقن جماعة "حزب الله" اللبناني قواعد التسويق بأحدث نظرياته، فيقومون دوما بتسويق فكرة "المقاومة" كمنهج مرتبط عضويا بهم إلى حد احتكاره بعصبية منفردة وفريدة من نوعها. وقد أدرك خبراء التسويق السياسي في "حزب الله" أن فكرة المقاومة يمكن ترويجها كسلعة مرغوبة في سوق الخطابات العربي المتخم بالشعارات والمتأزم في الأساس بمفهوم النزاع العربي ـ الإسرائيلي.

فكانت تلك الفكرة في احتكار المقاومة الطلاء الذهبي الذي غطى كل خفايا وعوالم "حزب الله" من طائفية وتسلط وعصبوية وخروج عن الدولة واضطهاد شعبي للمعارضين، وتغول الحزب في الساحة اللبنانية، لا في السياسة فقط بل في الجغرافيا التي يسيطرون عليها، فانتهوا إلى اعتبار تلك الجغرافيا ملكا حصريا للحزب بكل ما تحويه من أرواح وممتلكات، وتمت مصادرة الحرية باسم المقاومة اللامع!

هذا الطلاء الذهبي الذي يعيدنا إلى ذلك المقطع الشكسبيري المذهل من مسرحية "هنري الرابع" حين يقول سيد المسرح الإنكليزي: "غلف الخطيئة بغطاء من الذهب، فتتكسر عليها رماح العدالة الصلبة"!

كن على أبواب انتخابات نيابية قريبة في لبنان، يحدث أن يفقد الحزب أعصابه فيخدش بمخالبه ذاتها غطاء الذهب فيتكشف بعض ما هو تحته من خطايا وكوارث. وهذا ما حدث مثلا في الاعتداء السافر والمخزي يوم الأحد الماضي في حق الكاتب والسياسي المستقل رئيس تحرير موقع "جنوبية" اللبناني علي الأمين، الذي قرر الترشح مستقلا وخارج مدارات "حزب الله" في جغرافيا يعتقد هذا الحزب واهما أنها ملكه بالمطلق.

علي الأمين، الكاتب اللبناني الحر باستقلاليته دفع ثمن تلك الاستقلالية من "حزب الله" وهو كاتب ينادي بالحرية والعلمانية وقانون الدولة والمؤسسات وهذه كلها كافية ليكفره "حزب الله".

"حزب الله" الذي يستخدم المقاومة طلاء من الذهب لم يستطع أن يمارس هوايته بتخوين الأمين "فالرجل مقاوم حقيقي" في مجال الحريات، فاختار الحزب سياسة البلطجة.

ومع تلك الانتخابات، تزداد هستيريا "حزب الله" اتساعا، ولأن علي الأمين ليس المعارضة الوحيدة في حلق هذا الحزب المقاوم لكل من يخالفه، فإن كتائب حزب الله الإعلامية ممثلة بجريدة الأخبار اللبنانية "المثيرة للدهشة في منهجيتها الصحفية المسرحية" نشرت تقريرا نسبت مصدره وعلى لسان رئيس تحريرها في اليوم التالي لنشره إلى وثائق "ويكيليكس" كأن في تلك النسبة ما يكفي لحشر المصداقية.

وفي التقرير المنشور بالنص بعد مقدمة من الصحيفة تزعم أنه من وثائق مسربة صادرة عن السفارة الإماراتية في بيروت باسم "قائمة بأسماء الشخصيات الشيعية المعارضة لثنائية حزب الله وحركة أمل". ويحتوي التقرير أيضا على أسماء شخصيات لبنانية "شيعية"، تدعي الصحيفة أن تلك الذوات يتم تمويلها من دولة الإمارات لتخوض الانتخابات وتكسر سيطرة حزب الله في مناطق النفوذ الانتخابي!

لا أعرف عن الإمارات، ومن الغباء أن أدعي بغير معرفة أن الوثيقة مزورة، وهذا شأن دولة الإمارات في النهاية، لكن أكاد أجزم أن كل سفارة في العالم في أي عاصمة في العالم ترسل تقارير مشابهة عن شخصيات تتعامل معها سياسيا، ولو افترضنا تسريبا مشابها مثلا من السفارة السورية في بيروت طوال سنوات طويلة مضت، فلن نستغرب أن يكون هناك أسماء لبنانية "صديقة" لدمشق وربما من بينها هيئة تحرير الأخبار اللبنانية، مع قوائم بالهدايا والأعطيات "تقديرا لتلك الصداقة الحميمة".

في القائمة التي استعرضت أسماءها ذوات لبنانية أقرأ لهم باهتمام وتقدير وقد التقيت معهم "وجدانيا" على نفس الخط الفكري بالحرية ودولة المؤسسات والقانون والعلمانية كعنوان لنهضة الدول العربية. ومن هؤلاء الدكتورة منى فياض التي لم أعرف "ولا يهمني أن أعرف" أنها شيعية وأتابع مقالاتها في الحرة كزميلة تحمل فكرا مستقلا وليبراليا، هو بالتأكيد سيضعها في موقف الخصم أمام "حزب الله" فتلك أفكار تخدش طلاء الذهب وتكشف خطايا "حزب الله" أمام رماح العدالة.

مختصر القول،

موجع أن نصل في الصحافة العربية إلى هذا الحد من الانحدار في التخندق، والموجع أكثر ما يحدث في بعض الصحافة اللبنانية التي احتفظ بأرشيف زمنها الذهبي كمرجعية تاريخية ومعرفية ومدرسة لي في عالم الإعلام العربي. وموجع أن يتحول المشروع الحلم للراحل الكبير جوزيف سماحة مؤسس "جريدة الأخبار" وعرابها كصحيفة مشاكسة تحيي روح الصحافة الحرة، إلى بوق إعلامي ومسرح أراجوزي لا يليق بكل هذا التاريخ!

لكنها طلاءات الذهب القشرية، في زمن عربي متخم بالخطايا.

عن "الحرة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية