واشنطن تريد ليبيا دولة قادرة على محاربة الإرهاب

واشنطن تريد ليبيا دولة قادرة على محاربة الإرهاب


23/05/2021

تشهد السياسة الخارجية الأمريكية تحوّلات كبيرة نحو الوضع في ليبيا، منذ تشكيل السلطة الانتقالية في شباط (فبراير) الماضي، والتي جاءت عقب تنصيب الرئيس بايدن بأيام قليلة، وحظيت بدعم أممي وإقليمي ودولي، وعلى رأس الدعم واشنطن.

ويبدو أنّ واشنطن قررت العودة بقوة إلى الملف الليبي من بوابة الاتفاق السياسي الأخير، الذي توافق عليه الليبيون في ملتقى الحوار السياسي، الذي يمهد لإقامة سلطة شرعية منتخبة، ويتضمن بنود تحفظ سيادة البلاد، وهو ما يتوافق مع رؤية إدارة بايدن التي تعيد رسم السياسية الخارجية لأمريكا بعد سنوات من الانسحاب والاضطراب في موقف إدارة ترامب السابقة، تجاه ليبيا والمنطقة بشكل عام.

رسائل حازمة

وخلال زيارته إلى العاصمة الليبية، طرابلس، شدّد مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بالإنابة، جوي هود، على أنّ هدف بلاده أن "تكون ليبيا دولة ذات سيادة ومستقرة وموحدة بمنأى عن التدخل الأجنبي، ودولة قادرة على محاربة الإرهاب"، وأكّد أنّ بلاده "تعارض كافة أشكال التصعيد العسكري والتدخلات العسكرية الأجنبية، وتعارض وجود المقاتلين الأجانب والقوات (التي تحارب) بالوكالة".

رئيس الحكومة الليبية مستقبلاً الوفد الأمريكي

وسبقت زيارة هود عدة إشارات أمريكية حازمة، نحو تدخل أكبر في الملف الليبي، لدعم مسار الأمم المتحدة، وبدأت بالبيان المشترك لسفارات خمس دول غربية، منها الولايات المتحدة (في السادس من الشهر الجاري)، الذي شدّد على أنّ قرار مجلس الأمن رقم 2570 دعا السلطات والمؤسسات الليبية، بما في ذلك حكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب، إلى تسهيل انتخابات 24 كانون الثاني (ديسمبر) 2021، والاتفاق على القاعدة الدستورية والأساس القانوني للانتخابات بحلول 1 تموز (يوليو) 2021.

اقرأ أيضاً: المسماري لـ"حفريات": الميليشيات من أخطر الملفات التي تواجه التسوية السياسية في ليبيا

وتبع ذلك البيان تعيين وزارة الخارجية لسفيرها لدى ليبيا والمقيم في تونس، ريتشارد نورلاند، مبعوثاً خاصاً إلى ليبيا، ما يعني صلاحيات أوسع ودوراً أكثر فاعلية، في ظلّ التباطؤ الذي بدا عليه الوضع في البلاد؛ حيث لم تنجح الحكومة بعد في إقرار الموازنة العامة، ولم تُستكمل الهياكل الانتقالية للمصالحة الوطنية، إلى جانب عدم التزام الدول الخارجية بسحب المقاتلين الأجانب.

لا يوجد طرف ليبيّ، سواء سياسي أو عسكري، أو حتى من الشعب، يرغب في تأجيل الانتخابات إلا تنظيم الإخوان والميليشيات المسلّحة الموالية لتركيا في غرب ليبيا

وكان بيان السفارات الخمس قد شدّد على أنّ "الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لإجراء أية تغييرات من شأنها التعطيل في الهيئات ذات الصلة، والتي لها دور أساسي في التجهيز للانتخابات، خلال الجدول الزمني الذي حدده قرار مجلس الأمن رقم 2570"، وذلك رداً على ما يظهر من نوايا لتأجيل الانتخابات لدى حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية، وخلافات حول تعيينات المناصب السيادية.

اقرأ أيضاً: هل تلاحق المحكمة الجنائية مرتزقة أردوغان في ليبيا؟

ووصف بيان السفارة الأمريكية تعيين نورلاند مبعوثاً خاصاً، بأنّه "مؤشّر على الأهمية الكبرى التي توليها الولايات المتحدة للتواصل الدبلوماسي المُركّز على مستوى عالٍ لدعم العملية السياسية الليبية، التي ستبلغ ذروتها في الانتخابات التي ستجري في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2021".

وأضاف البيان حول مهام نورلاند: "أنّه سيعمل عن كثب مع شركائنا الرئيسين لتعزيز الجهود لإبقاء العملية السياسية على المسار الصحيح وضمان إخراج القوات الأجنبية من ليبيا".

زيارة الدعم

وجاءت زيارة هود التي رافقه فيها نورلاند للتأكيد على دعم السلطة الانتقالية في تنفيذ مهمتها الأساسية، وهي الوصول بالبلاد إلى الانتخابات العامة في الموعد المحدد، وذلك بالتشديد على إتمام الترتيبات اللازمة، سواء الأمنية التي تشمل خروج القوات الأجنبية كافةً، وتفكيك ودمج الميليشيات في المؤسسة العسكرية، إلى جانب الترتيبات القانونية بإنجاز التعديلات الدستورية لإجراء الانتخابات.

رئيس المجلس الرئاسي يستقبل مساعد وزير الخارجية الأمريكي

وتعدّ زيارة هود الأرفع لمسؤول أمريكي، منذ عام 2014، والتقى خلالها، بصحبة نورلاند، كلّاً من؛ رئيس الوزراء الليبي المؤقت عبد الحميد الدبيبة، ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح.

وحثّ هود، في مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الليبية، نجلاء المنقوش: "جميع الأطراف، الليبية والأجنبية، على التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار، بما يشمل مغادرة جميع القوات العسكرية الأجنبية على اختلاف أنواعها".

وأكّد على ضرورة الاتفاق على خارطة الطريق الانتخابية للانتخابات في كانون الأول (ديسمبر)، وقال: "نتطلّع إلى أن نرى توضيحاً للقاعدة الدستورية للانتخابات في أسرع وقت ممكن".

اقرأ أيضاً: هل تعرقل الميليشيات المسلحة والمرتزقة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا؟

ويرى المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط، أنّ الزيارة التي لم تكن على رأس أولويات إدارة بايدن حين تولّى منصبه تعكس في هذا التوقيت جدّية أمريكية لإنجاح الاتفاق السياسي في البلاد.

وأضاف قشوط لـ "حفريات"؛ أنّ واشنطن تريد خروج جميع القوات الأجنبية، وإجراء الانتخابات خصوصاً الرئاسية، لأنّ لديهم ملفات يسعون لمناقشتها، لكنّهم يريدون سلطة ذات شرعية قوية للاتفاق معها.

وأشار إلى أنّه رغم اهتمام واشنطن بمسألة خروج قوات فاجنر الروسية إلا أنّهم مضطرون لمعالجة ملفّ القوات الأجنبية بشكل كامل، لأنّه من غير ذلك لن تخرج قوات فاجنر.

المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط

وخلال المؤتمر الصحفي، شددت وزيرة الخارجية الليبية على مطالب الحكومة بخروج كافة القوات الأجنبية من البلاد، رغم من تعرضها لهجمات إعلامية شرسة وتهديدات من قبل الميليشيات وجماعة الإخوان المسلمين، نتيجة إصرارها على هذا الطلب، خلال اللقاءات السياسية التي تعقدها في الداخل والخارج.

تأجيل الانتخابات

وتكشف التصريحات الأمريكية المتكررة، ونظيرتها الأوروبية، الداعية لعقد الانتخابات في موعدها المحدّد، عن قلق كبير من إخفاق المسار السياسي، وعودة البلاد إلى العنف مرة أخرى، ما لم تلتزم الأطراف الليبية بالجدول الزمني للانتقال السياسي.

وتدرك واشنطن أنّ الواقع على الأرض لا يبشر بتنظيم الانتخابات في موعدها، في ظلّ الانقسام العسكري في البلاد، ووجود قوات أجنبية، خصوصاً التركية والمرتزقة الموالين لها، الذين لن يتنازلوا عما حققوه من مكاسب لأية سلطة منتخبة.

المحلل السياسي الليبي محمد قشوط لـ "حفريات": واشنطن تريد خروج جميع القوات الأجنبية، وإجراء الانتخابات، ويريدون سلطة ذات شرعية قوية للاتفاق معها

وحول الجهات التي تخشى من الانتخابات، أوضح المحلل السياسي، محمد قشوط، أنّه لا يوجد طرف ليبيّ، سواء سياسي أو عسكري، أو حتى من الشعب، يرغب في تأجيل الانتخابات إلا تنظيم الإخوان والميليشيات المسلّحة الموالية لتركيا في غرب ليبيا.

وأضاف قشوط: أنّ الإخوان والميليشيات يتخوفون من ثلاثة أمور، هي "إدراكهم بانعدام الحاضنة الشعبية، الذي تؤهلهم للتواجد في البرلمان القادم، وعدم وجود شخصية قوية تمثلهم قد تترشّح لرئاسة البلاد، والخوف من ترشّح المشير خليفة حفتر لرئاسة الجمهورية، لما له من فرص كبيرة بالفوز".

وتشارك الأمم المتحدة واشنطن وأوروبا في قلقها من عدم نجاح المسار الانتقالي، في ظلّ وجود القوات الأجنبية، وعدم إحراز تقدّم يُذكر في المسارات العسكرية والقانونية والاقتصادية، وكان البرلمان أخفق في إقرار التعيينات السيادية، التي سبق أن اتفق مع وفد الإخوان عليها في مؤتمر بوزنيقة في المغرب.

ومن المتوقع عقد مؤتمر برلين الثاني، في منتصف شهر حزيران (يونيو) المقبل، حول ليبيا، للدفع نحو الالتزام بخارطة الانتقال السياسي، والالتزام بوقف إطلاق النار الذي تضمن خروج كافة القوات الأجنبية من البلاد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية