وثائق: زعيم داعش كان مخبراً للأمريكيين

وثائق: زعيم داعش كان مخبراً للأمريكيين


12/04/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

في تقارير الاستجواب السرّيّدة، تمّ تصوير المعتقل العراقيّ رقم (إم 060108-01) على أنّه سجين نموذجيّ؛ "متعاون" مع معتقِليه الأمريكييّن، ومُتكلّم بشكلٍ غير عاديّ، وفي بعض الأحيان، بدا أنّه يبذل قصارى جهده ليكون مفيداً، خاصّةً عندما تُعرَض عليه فرصة للإبلاغ عن خصومه داخل تنظيمه، الذي كان يُعرف آنذاك باسم "الدّولة الإسلاميّة في العراق".

اقرأ أيضاً: فرنسا تحذر: تنظيم داعش عاد في سوريا والعراق... تفاصيل

على مدار عدّة أيّام من الاستجواب، عام 2008، قدّم المحتجَز إرشادات دقيقة حول كيفيّة العثور على المقرّ السرّي للجناح الإعلاميّ للجماعة المتمرّدة، وصولاً إلى لون الباب الأماميّ والأوقات التي يكون فيها المكتب مشغولاً، وعندما سُئل عن القائد الثّاني للجماعة، وهو سويديّ من أصل مغربيّ يُدعى أبو قسورة، رسمَ خرائط للمجمّع الذي يسكنه الرّجل ومنحهم اسم مرافقه الشخصيّ.

وبعد أسابيع من هذا الإفشاء، قتل جنود أمريكيّون الرّجل في غارة على مدينة الموصل العراقيّة، وفي غضون ذلك، كما يقول مسؤولون أمريكيّون، سيصبح المحتجَز مشهوراً تحت اسم مختلف "أبو إبراهيم الهاشميّ القرشيّ" الزّعيم الحاليّ لتنظيم داعش.

أيّام التشدّد الأولى

هذا الأسبوع، فتح المسؤولون الأمريكيّون نافذةً نادرةً على أيّام التشدّد الأولى للزّعيم الإرهابيّ بالإفراج عن عشراتٍ من تقارير الاستجواب، التي كانت سرّيةً في السّابق، والتي تخصّ الأشهر التي قضاها في معسكر اعتقال أمريكيّ في العراق، رغم أنّ وزارة الدّفاع قد أصدرت في السّابق عدداً قليلاً من الوثائق التي تصوّر زعيم داعش المستقبليّ مخبراً، فإنّ السّجلات التي تمّ الإفراج عنها حديثاً تقدّم صورةً حميمةً لواشي سجن غزير الإنتاج، ومتلهّف في بعض الأحيان، قدّم للقوّات الأمريكيّة عشرات التفاصيل التي لا تقدّر بثمن والتي ساعدت القوّات في حربها على المنظّمة الإرهابيّة التي يرأسها الآن. لقد نشأ تنظيم داعش من تنظيمٍ كان يُطلق عليه ذات مرّة "تنظيم القاعدة في العراق".

ساعدت السّجلات، التي تمّ إصدارها كجزءٍ من دراسة أكاديميّة، المسؤولين الأمريكيّين في ملء الفراغات في سيرة المولى، وهو كادر غامض نسبيّاً في داعش

يقول تقرير صدر عام 2008 عن رجلٍ اسمه الحقيقيّ أمير محمّد سعيد عبد الرحمن المولى: "يبدو المحتجَز أكثر تعاوناً مع كلّ جلسة"، ويقول تقرير آخر: "يقدّم المحتجَز الكثير من المعلومات عن رفاقه في تنظيم الدّولة الإسلاميّة في العراق".

وكما أوضح أكثر من 53 تقريراً تمّ تنقيحهم جزئيّاً، فقد تضمّن تعاون المولى مع القوّات الأمريكيّة المساعدة في رسم صور شخصيّة لكبار المشتبه بارتكابهم أعمال إرهابيّة، وتحديد المطاعم والمقاهي الّتي فضّل رفاقه السّابقون تناول العشاء فيها.

وفي مفارقة ساخرة، يظهر المولى في التّقارير مفيداً بشكل خاصّ في تجهيز الأمريكيّين لملاحقة وحدة الدّعاية التّابعة للجماعة، وكذلك ملاحقة غير العراقيّين في التّنظيم (متطوّعون من كافّة أنحاء الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا انضمّوا إلى الجماعة خلال الاحتلال الأمريكيّ للعراق). وتعدّ الفروع الإرهابيّة الأجنبيّة والعمليّات الإعلاميّة من أكثر المكوّنات فعالية لتنظيم داعش اليوم.

سجل طويل من العداء

"لقد فعل عدداً من الأشياء لإنقاذ رقبته، وكان لديه سجل طويل من العداء، بما في ذلك أثناء الاستجواب، تجاه الأجانب في داعش"، يقول كريستوفر ماير، مساعد وزير الدّفاع للعمليّات الخاصّة والصّراعات منخفضة الحدّة، الذي ناقش في مقابلة السّجلات الصّادرة عن مركز مكافحة الإرهاب في "ويست بوينت"، وهي مؤسّسة أكاديميّة ممولة من البنتاغون داخل الأكاديميّة العسكريّة الأمريكيّة.

اقرأ أيضاً: نموذج داعش وصدمة انسحاق المتخيل

ويضيف: "مع صعود داعش، والرّغبة في تشكيل خلافة بآلاف المقاتلين الأجانب، أصبح الأمر إشكاليّاً" بالنّسبة إلى المولى.

ساعدت السّجلات، التي تمّ إصدارها كجزءٍ من دراسة أكاديميّة، المسؤولين الأمريكيّين في ملء الفراغات في سيرة المولى، وهو كادر غامض نسبيّاً في داعش، عندما أُطلق عليه لقب "الخليفة" بعد وفاة أبو بكر البغداديّ، في تشرين الأوّل (أكتوبر) 2019، وبعد بعض الشّكوك الأوّلية بشأن الهويّة الحقيقيّة للزّعيم الجديد، خلص مسؤولو مكافحة الإرهاب الأمريكيّون إلى أنّ المولى شخصيّة عراقيّة معروفة لهم منذ أسْره السّابق.

يبدو أنّ العراقيّ، الذي كان آنذاك مسؤولاً متوسّط ​​المستوى داخل "تنظيم الدّولة الإسلاميّة في العراق"، الذي عُرف فيما بعد باسم "تنظيم الدّولة الإسلاميّة"، ويبلغ من العمر 31 عاماً، قد أُلقي القبض عليه في أواخر عام 2007 أو أوائل عام 2008، وخضع لعشرات الاستجوابات على يد مسؤولين عسكريّين أمريكيّين.

 إنّ التّاريخ الدّقيق لإطلاق سراحه غير معروف، لكنّ سجل الاستجواب توقّف في تمّوز (يوليو) 2008، بحلول ذلك الوقت، توقّف المولى عن التّعاون، وكشفت التّقارير أنّه كان "قلقاً" بشأن وضعه، ممّا يشير إلى أنّه كان يتوقّع مكافآته على كميّة المعلومات الّتي قدّمها.

هويّات قادة إرهابيّين

الواضح من التّقارير أنّه على مدى شهرين على الأقلّ، في أوائل عام 2008، كان المولى حُلم أيّ محقّق، حيث كشف هويّات قادة إرهابيّين وقدّم إرشادات تشبه الخرائط حول كيفيّة العثور عليهم. وفي إحدى الحالات، أطلع المسؤولين الأمريكيّين على تفاصيل دفتر الهواتف الخاصّ به، وهو دفتر أسود تمّ الاستيلاء عليه عند القبض عليه، وفي إحدى الجلسات، أشار إلى أرقام هواتف 19 من مسؤولي تنظيم الدّولة الإسلاميّة، بل وكشف مقدار الأموال الّتي جناها بعضهم.

يقول تقرير صدر عام 2008 عن رجلٍ اسمه الحقيقيّ أمير محمّد سعيد عبد الرحمن المولى: يبدو المحتجَز أكثر تعاوناً مع كلّ جلسة

كتب دانيال ميلتون، الأستاذ المشارك في مركز مكافحة الإرهاب وأحد الباحثين الّذين راجعوا الوثائق، في مقال نشرته مدوّنة الأمن القوميّ لوفير: "كان المولى طائراً مغرّداً يتمتّع بموهبة وقدرة فريدة".

وأضاف: "(تقارير الاستجواب) هذه مليئة بمثل هذه التّفاصيل".

من الواضح أنّ المسؤولين الّذين نشروا الوثائق فهموا إمكانيّتها كمصدرٍ لإحراج المولى، بالرّغم من أن خلفيّة زعيم داعش كمخبرٍ كانت معروفة بالفعل داخل الأوساط الإسلامويّة المتشدّدة، وقد انتقد معلّقون بارزون على مواقع التّواصل الاجتماعيّ الموالية لتنظيم داعش قرار ترقية المولى إلى خليفة، بحجّة أنّه غير مؤهّل لهذا المنصب.

ماذا يعتقد مسؤولو مكافحة الإرهاب الأمريكيّون؟

تولّى العراقيّ هذا المنصب بعد عدّة أشهر من تحرير آخر معاقل تنظيم داعش في سوريا، ومنذ ذلك الوقت، ظلّ بعيداً عن الأضواء نسبيّاً. ويعتقد مسؤولو مكافحة الإرهاب الأمريكيّون أنّه يختبئ في العراق أو سوريا، القاعدة التقليديّة للجماعة الإرهابيّة. وهناك، واصل شنّ تمرّد منخفض الدّرجة تميّز بهجمات متكرّرة ضد المواقع العسكريّة والمسؤولين الحكوميّين والقبليّين.

في غضون ذلك، سعت أجهزة الدّعاية للتّنظيم إلى تحويل الانتباه إلى إنجازات أفرع تنظيم داعش في أفريقيا، حيث يقوم الإرهابيّون المسلّحون بشكل جيّد بقتل الجنود الحكوميّين بشكل منتظم والاستيلاء على الأراضي في بعض الأحيان. والشّهر الماضي، استولى مسلّحون على بلدة بالما على السّاحل الشّماليّ لموزمبيق في عمليّة صفيقة أسفرت عن مقتل العشرات.

اقرأ أيضاً: أمريكا تحاكم مترجم داعش... كيف تم الإيقاع به؟

يحذّر المسؤولون الأمريكيّون من أنّه حتى المولى، ملطّخ السّمعة وغير المؤثّر جزئيّاً، ما يزال خطيراً، نظراً للفرص الوفيرة للحصول على المال والأسلحة والمجنّدين في المحافظات المدمّرة الّتي ينعدم فيها القانون إلى حدّ كبير في شرق سوريا.

يقول جون غودفري، القائم بأعمال المبعوث الخاصّ لوزارة الخارجيّة للتّحالف العالمي ضدّ تنظيم داعش: "إنّهم ينتظرون تغيّر الظروف لصالحهم"، ويضيف: إنّهم "يشنّون ما يكفي من الهجمات البارزة لإظهار أنّهم ما يزالون هناك وما يزال لوجودهم تأثير".

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جوبي واريك، "الواشنطن بوست"، 8 نيسان (أبريل) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية