وكالة تيكا: ذراع استخباراتية تركية تحت عباءة العمل الإنساني

وكالة تيكا: ذراع استخباراتية تركية تحت عباءة العمل الإنساني


14/10/2020

في عهد أردوغان تحوّلت مؤسسات الدولة التركية إلى أدوات في خدمة سلطته كفرد، فباتت السفارات أوكاراً للتجسّس على المعارضين، والمساعدة في خطفهم، وتورّطت شركات الطيران التركية في عمليات اختطاف المعارضين من الخارج.

أنفقت تركيا 3.9 مليار دولار خلال عام 2015، على المساعدات التنموية لتيكا، وشهد هذا الرقم زيادة كبيرة، خلال الأعوام التالية، التي شهدت الأزمة الاقتصادية

ولم يسلم العمل الإنساني من خدمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بما يتيحه من حرية حركة، وسعة انتشار، تكاد تغطي العالم أجمع، فوظف أردوغان منظمات الإغاثة والعمل الإنساني في نشر الهيمنة التركية في العالم، خصوصاً أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.

وتأتي الوكالة التركية للتعاون والتنسيق "تيكا" على رأس هذه المنظمات، ومعها وقف معارف التركي، وتملك تيكا 62 مكتباً حول العالم، يغطون 60 دولة، إلى جانب وصول أنشطتها إلى معظم دول العالم، ومما له دلالة أنّ أهم رؤسائها كان هاكان فيدان، رئيس الاستخبارات التركية الحالي، ما يؤكّد ارتباط الوكالة بالعمل الاستخباراتي.

من القومية إلى الخلافة

تأسست وكالة تيكا عام 1992، بهدف مساعدة دول آسيا الوسطى، المستقلة حديثاً عن الاتحاد السوفييتي، على النهوض والتنمية، وتعزيز التعاون التركي معها.

ووفق الرسالة التعريفية للوكالة، المنشورة على موقعها الإلكتروني؛ تنظر الحكومة التركية إلى الوكالة على أنّها "أداة من أدوات تطبيق السياسة الخارجية التركية، في العديد من الدول والمناطق، وعلى رأسها الدول التي تشترك مع تركيا في القيم والثقافة).

اقرأ أيضاً: بالفيديو... مرة أخرى مرتزقة أردوغان على جبهة القتال الأذرية الأرمينية

وفي بداية نشأتها اتخذت الوكالة صبغة القومية التركية، وحصرت أنشطتها في دول آسيا الوسطى، التي تشترك مع تركيا في العرق والثقافة واللغة، بهدف تعزيز النفوذ التركي في منطقة أوراسيا، التي كانت محلّ اهتمام تركيا حتى عام 2000، حتى بدأت تركيا في الاهتمام بمناطق أخرى، منها: الشرق الأوسط، وآسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية.

الباحث في الشؤون التركية، كرم سعيد لـ"حفريات": تيكا تنفق الجزء الأكبر من مخصصاتها في الدول الأفريقية التي تسعى تركيا لتعزيز نفوذها فيها، وللنشاطات الاستخباراتية

وشهد نشاط الوكالة توسعاً كبيراً مع وصول أردوغان إلى السلطة في 2003، وتعزيزه لدور الوكالة، لتصبح أداة تركيا الناعمة، لنشر الثقافة وتقديم الخدمات الإنسانية، بهدف تعزيز صورة تركيا ومكانتها في العالم، بما ينعكس إيجاباً على قبول البضائع والاستثمار والنفوذ التركي، وانتشرت مكاتبها في دول العالم، وتوسعت من 12 مكتباً عام 2002، إلى 25 مكتباً عام 2011.

ومع أحداث الربيع العربي، عام 2011، حين كشف أردوغان عن أحلامه باستعادة الإرث العثماني، عبر جماعة الإخوان المسلمين، زاد عدد مكاتب الوكالة، إلى 62 مكتباً، بزيادة قدرها 37 مكتباً، في غضون 10 أعوام، وهي زيادة واكبت التوسّع التركي الجيوإستراتيجي في أفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية.

وتحوّلت الوكالة من خدمة القومية التركية إلى خدمة أحلام العثمانيين الجدد، وتبني مشروعهم باستعادة الإرث العثماني، وهو الملاحظ من زيادة نشاطها في الدول التي تحتضن فروع جماعة الإخوان المسلمين.

نشاط استخباري

وحول توظيف الاستخبارات التركية لوكالة تيكا في نشاطها، يقول الباحث في الشؤون التركية، كرم سعيد: "هناك جملة من الأهداف تقف وراء وكالة تيكا؛ أولها يرتبط بالدور الإغاثي والتنموي في الدول القريبة من تركيا، أو التي تسعى لأن يكون لها موطئ قدم فيها، مثل دول أفريقيا ودول عربية، كتونس والجزائر والسودان.

تيكا تقدّم مساعدات في أفريقيا

والهدف الثاني؛ أنّها تمثّل إحدى أذرع الاستخبارات التركية، غير المعلنة، التي تعمل تحت غطاء إنساني، وتضمّ موظفين محسوبين على الاستخبارات، كونها تتيح لهم غطاء للعمل، دون إثارة قلق الدول أو شكوكها".

ويردف سعيد، لـ "حفريات": "الهدف الثالث؛ أنّها إحدى الآليات والروافع التي يعتمد عليها حزب العدالة والتنمية في تحسين صورته الذهنية، وواجهة لاستعادة المشروع الإمبراطوري العثماني، ويدعم ذلك قيامها بأعمال ترميم الآثار العثمانية، في بعض الدول مثل؛ فلسطين، والجزائر، وجزيرة سواكن، وكردستان العراق. والرابع؛ أنّها مع المنظمات التركية الإنسانية الأخرى واجهةً لجانب واسع من استثمارات أسرة أردوغان، والقريبين منه، بعيداً عن المراقبة، كما أنّها باب خلفي للحصول على المنح والتبرعات لهم، بعيداً عن الرأي العام".

اقرأ أيضاً: شعبية أردوغان وحزبه تتهاوى... هذه نتائج استطلاع رأي حديث

وتعمل المنظمة في ملاحقة النشاط الثقافي والخيري والاجتماعي لحركة خدمة، التي يرأسها فتح الله غولن، والتي صنفتها تركيا جماعة إرهابية، واتهمتها بتدبير انقلاب 2016.

وخلال جولة وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، إلى دول غرب أفريقيا، جرى تسليم مدارس وأنشطة تابعة لغولن، إلى وقف معارف والوكالة، بناء على تفاهمات أمنية وسياسية بين أوغلو وهذه الدول.

رئيس الاستخبارات التركية ورئيس تيكا السابق هاكان فيدان

ومن الغريب أنّ الوكالة تقدّم منحاً عسكرية وأمنية لعدد من الدول، فعبر الوكالة، قدّمت المديرية العامة للأمن التركي دورة تدريبية في مجال مكافحة الجرائم والإرهاب للشرطة الكينية، ونظمت الوكالة، بالتعاون مع وكالة "الأناضول"، دورة للمراسلين الأجانب المختصين بالشؤون الدفاعية، والمبيعات العسكرية، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، وندوة أخرى لمراسلين أجانب في شؤون الطاقة، بحسب المنشور على موقع الوكالة الرسمي.

اقرأ أيضاً: أدوات أردوغان لإثارة الأزمات وافتعال الحروب

وما سبق مثال على الدور الذي تؤديه الوكالة في خدمة الاستخبارات، وتسويق المنتجات العسكرية التركية، والترويج للمزاعم التركية حول الطاقة، خصوصاً في شرق المتوسط.

وتعمل الوكالة على كسب الرأي العام الدولي لصالح أردوغان، في المقام الأول، ومن ذلك حرصها على استثمار ذكرى الانقلاب المزعوم، في 15 تموز (يوليو) بشكل دوري، في كسب تعاطف الشعوب الأجنبية، مع أردوغان، بصفته بطلاً قاوم الانقلاب، مثلما قامت، العام الجاري، بغرس 251 شتلة في حديقة أنقرة، بالعاصمة الباكستانية، إسلام آباد، تخليداً لذكرى 251 قتيلاً سقطوا ليلة الانقلاب.

خلق طبقة ثقافية متعلقة بتركيا

وتعمل المنظمة على نشر الثقافة التركية بين الشعوب الأفريقية والعربية، لا بهدف التبادل الثقافي، بل لخلق طبقة ثقافية متعلقة بتركيا، تعمل على تعزيز الوجود التركي بين أبناء هذه الدول، وهو ما بدا ملموساً من موالاة كثير من الطلبة الأجانب الدارسين في تركيا لها.

أمينة أردوغان تشارك في نشاطات تيكا الثقافي

وتدعم الوكالة الوسائل الإعلامية التي تبثّ باللغة التركية في شرق أوروبا، وتمرّر رسائل مؤيدة لأردوغان وحزبه، عبر الأنشطة الثقافية والترفيهية، ومن ذلك؛ تقديم الوكالة معدات حديثة لبناء قدرات إذاعة راديو تي (T)، والتي تبثّ باللغة التركية في رومانيا، وتعمل في مجال تعزيز الثقافة واللغة التركية في المنطقة.

وتنشط الوكالة في نشر اللغة التركية، وتقديم دورات صيفية في تركيا للطلاب الأجانب، وإنشاء مراكز تعليم اللغة التركية، وكان نصيب السودان وافراً في ذلك، تليه الجزائر.

اقرأ أيضاً: غاز القوقاز يورّط أردوغان في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان

وتساعد الوكالة في ترميم الآثار من أجل تعزيز حضور الماضي العثماني، وليس من أجل الحفاظ على الآثار ذاتها، وفي تقرير للوكالة حول أنشطتها في فلسطين، أنّ "تيكا ما تزال مستمرة في أعمال ترميم العديد من المعالم التاريخية من الفترة العثمانية، ما يدلّ على التاريخ الفلسطيني - التركي المشترك، من أجل الحفاظ عليه ونقله الى الأجيال القادمة".

وعلاوةً على ذلك؛ تنشط تيكا في ترويج الرؤية التركية للتاريخ في المجتمعات التي تعمل فيها، من خلال طبع الكتب المنحازة لرؤيتها، ومن ذلك؛ طباعة 3500 كتاب باللغة العربية في فلسطين، منها 2500 كتاب حول العلاقات التركية - الفلسطينية، و1000  كتاب حول قضية الأرمن عام 1915.

أرقام مثيرة للشكّ

وبحسب موقع الوكالة الإلكتروني؛ أنفقت تركيا 3.9 مليار دولار خلال عام 2015، على المساعدات التنموية، وشهد هذا الرقم زيادة كبيرة، خلال الأعوام التالية، التي شهدت الأزمة الاقتصادية؛ فبلغ 6.5 مليارات دولار، في 2016، وفي عام 2017 بلغت 7.5 مليار دولار، بحسب تصريح منشور لرئيس الوزراء السابق، بن علي يلدريم، في عام 2018.

دورة تدريب الشرطة الكينية التي نظمتها تيكا

وتطرح المبالغ الكبيرة تلك شكوكاً جدية حول حقيقة المساعدات التركية؛ إذ إنّ المشاريع التي تقوم بها الوكالة تدخل في باب المشاريع متناهية الصغر، أو الصغيرة، ففي فلسطين، كان أكبر مشروع نفذته الوكالة، إنشاء مستشفى "الصداقة التركي - الفلسطيني"، بسعة 180 سريراً، وبتكلفة بلغت 60 مليون دولار، واستمر العمل فيه من عام 2011 حتى تسليمه عام 2020، بعد تأخير بلغ عامين.

وفي مقدونيا، نفّذت الوكالة أكثر من 900 مشروع، تبلغ قيمتها 60 مليون يورو، بحسب تصريح لرئيس مقدونيا.

اقرأ أيضاً: أردوغان وأخونة أفريقيا!

ويرى الباحث في الشؤون التركية، كرم سعيد؛ أنّ المنظمة تنفق الجزء الأكبر من مخصصاتها في الدول التي تسعى تركيا لتعزيز نفوذها فيها، مثل؛ الصومال، والسودان، ودول غرب أفريقيا، ويذهب الجزء الأكبر للنشاطات الاستخباراتية.

ويتابع سعيد لـ "حفريات": "الأرقام التركية التي تبلغ 14.5 مليار دولار، بين عامَي 2016 و 2017، محلّ جدل، خصوصاً في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، والتي فرضت تقليص مخصصات الهيئات والمؤسسات الحكومية، بشكل كبير، حتى وكالة تيكا".

وتأسست وكالة تيكا عام 1992، وكانت تابعة لوزارة الخارجية، ثم انتقلت تبعيتها إلى مجلس الوزراء، عام 1999، ولاحقاً إلى وزارة الثقافة والسياحة، عام 2018.

الصفحة الرئيسية