‫نريد عالماً ينتصر فيه قلب الأم لا قلب المجرم

‫نريد عالماً ينتصر فيه قلب الأم لا قلب المجرم


08/02/2018

مفارقة:

أطفال استلتْ النفوسُ الوحلية أرواحهم، وأكباد تلملم الكاميرات صور ضحكاتهم المرمية على تراب الأزقة الفقيرة، قلوب أمهات تحترق حزناً إلى الأبد، وآهات آباء تمزّق الفؤاد، ‏‫أحلام  تناثرت جثثاً على أرض النرجس والدحنون، وأقدام تاهت في دروب النجاة، وأجساد أكلها البحر دون أن يدري، عيون لوّحت بالوداع للبيوت التي صارت دماراً، خوذات حاقدة أطلقت الرصاص على الرؤوس  المرتفعة، وأنجم صدئة مستغرقة في النوم على أكتاف ذليلة تحتفل بالموت، حماقة مهووس بالسلطة استقوت بالذل، كي تبقى على كرسي الفساد، وذلّ معشّش في الصدور يحمل الخنجر المسموم، عمائم سوداء وعمائم بيضاء خانت روح الرحمن الرحيم. الزمن مسروق من أرواح أحباء الحياة، والأرواح مأسورة في صناديق السلطة القاتلة وسجونها، وأقلام كشّرت عن أنيابها، غدّارة أفّاقة ينزّ منها كره دفين؛ إنّه القتل.

حبّ الحياة في مواجهة حبّ القتل

الكرامة الإنسانية المهدورة والمكبوتة، هي التي انفجرت في سوريا، وهي ذات جذور عميقة في الوجدان الشامي، من الصعب على أية قوة همجية اقتلاعها، أمّا الصواريخ الروسية، والميليشيات الطائفية الثأرية، والمصفقون لها من مثقفي الوسخ التاريخي، فجميعها تدلّ على ضعف الجماعة الحاكمة، وهشاشتها، وعدم انتمائها للكرامة الشامية.

زمن مسروق من أرواح أحباء الحياة، وأرواح مأسورة في صناديق السلطة القاتلة وسجونها، إنّه القتل

إنّ حبّ الحياة، كما يجب أن تكون، هو التأويل الفلسفي الأعمق لخروج الناس في التظاهرات الشعبية، الصاخبة والكبيرة، في شوارع وساحات المدن والقرى السورية، فجميع الناس في سوريا، بلا استثناء، عبّروا عن حبّهم للحياة بحناجر تهتف وتغني، وأجساد ترقص بفرح، ومقالات تترقّب الحياة. في المقابل؛ كان سلوك النظام، المحب للحياة لعصبيته الضيقة، التي لا تقوم إلّا على قتل أحباء الحياة، الذين ولدوا في قلب مأساة الاستبداد والفساد، سلوك إبادة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية في علاقة حاكم بمحكوم، هكذا أظهر الشعب السوريّ ماهيّته الكلية، في الأغنية والأهزوجة والرقص، وطقوس الفرح، وأظهر النظام ماهيته القمعية في القتل.

نفوس جُبلت بخليط من أدوات القتل

أي عقل قادر على تخيّل أنّ طائرة سورية، يقودها طيار سوري، تلقي ببراميل متفجرة على مدن سوريا وقراها؟!

ظاهرة من أغرب ظواهر القتل الجماعي، القتل بالبراميل المتفجرة، فالطيار يلقي براميله على الناي، ليفجّرهم وهم في بيوتهم، وأسواقهم، وشوارعهم. إنّ صانع البرميل وقاذفه، والآمر بقذفه، وآمر الآمر بقذفه، والأيدي التي تصفّق لهم جميعاً، والأقلام التي تنظم المديح للمجزرة، كلّ ذلك بنية قتلة عقلاً وسلوكاً، فأعماقهم خليط من أدوات الموت، وتفكيرهم بربري عشوائي، ورائحة حقدهم تكتم الأنفاس، عداؤهم للحياة، كرههم للإنسان، كامن فيهم حقداً معتّقاً.

حبّ الحياة، كما يجب أن تكون، هو التأويل الفلسفي الأعمق لخروج الناس في التظاهرات الشعبية السورية

لا، لن يستطيع عقل بشري أن يتخيل، ونحن بإنسانيتنا، وبطبيعتنا البشرية، وثقافتنا، وقلوبنا النضرة، وعقلنا السوي، بكلّ ذلك، عاجزون عن أن نتخيّل.

وحين نذكر القتل الذي يمارسه النظام، يذكروننا بداعش، فنقول: إنّها، وأفرادها، وما شابهها، لا تختلف عن براميل الوسخ التاريخي، براميل الغدر والموت والسمّ القاتل، ثمّ يسألون عن السيارات المتفجرة، هي الوجه الآخر للبراميل المتفجرة، فلا يمكن أن تكون ضدّ البراميل المتفجرة، ومع السيارات المتفجرة، كما لا يمكن أن تكون ضدّ السيارات المتفجرة ومع البراميل المتفجرة، أيضاً لا يمكن أن تكون ضدّ داعش، ومع "أبو الفضل العباس" وأصحاب "لبيك يا زينب".

فالقضية هي كالآتي:

إمّا أن تكون مع الحرية والتحرر والديمقراطية، وحقوق الفرد، والاعتراف بحقّ العيش المشترك، وإمّا أن تكون مع العبودية والدكتاتورية، وحكم الطاغية، والطائفية، والأصولية، لا توسّط بين الطرفين، ولمن لا يعلم، هذا هو مبدأ الثالث المرفوع في المنطق: "إمّا وإمّا".

لا نريد قتلاً بأي دافع

نريد عالماً بلا قتل، لا نريد قتلاً بأي دافع، لا نريد قتلاً بدافع الحفاظ على الحكم، ولا بدافع الأيديولوجيا، ولا بدافع الشرف المزعوم، ولا بدافع المصالح، ولا بدافع القتل من أجل القتل، لا نريد أن يقتل أحد باسم الشعب والممانعة والمقاومة، ولا باسم الله أو الكتاب أو الحسين، ولا نريد قتلاً خبيثاً يثير الزوابع، ولا قتلاً غبياً يفجّر الغضب.

نريد عالماً بلا قتل، بلا أسباب تجعل غريزة التدمير لغة بين الناس، نريد عالماً بلا قتل، بلا تبرير للقتل، بلا احتفال بالقتل، عالماً ينتصر فيه الإنسان على كلّ ما سواه، ينتصر فيه قلب الأم، لا قلب المجرم.

نريد عالماً بلا قتل لا نريد قتلاً بأي دافع لا نريد قتلاً بدافع الحفاظ على الحكم ولا بدافع الأيديولوجيا

نريد عالماً بلا قتل، عالم الحرية، ففي عالم الحرية ينتصر معنى الحياة، وحبّ الحياة، وينهزم أعداء الحياة، وما الحرية والتحرر اليوم، إلّا تحرر مجتمعاتنا من أيديولوجيا القتل، وسلطة القتل ونظامها، فكلّ شمولية (توتالتارية) هي أيديولوجيا قتل، وكلّ طائفية هي أيديولوجيا قتل، وكلّ تعصّب هو أيديولوجيا قتل، كلّ سلطة تقف وراءها واحدة من هذه الأيديولوجيات هي سلطة قتل ونظام قتل.

أمّا أدوات القتل، الذين يظنّون أنّهم ذوو شأن عند سيّد القتل، فليعلموا أنّ سيد القتل لا ينظر إلى أدواته إلّا بوصفهم أشياء، فليس عند المستبدّ مَن يحوز على ذرة من القيمة، حتى أولئك الذين يموتون من أجله، ويسبّحون بحمده، ويمجّدونه، ليسوا في وعيه، إلّا وسائل رخيصة للحفاظ على العرش.

في النهاية... ليست القضية قضية رفض لطقس من طقوس القتل؛ بل رفض القتل من أساسه، رفض مبدأ القتل وأيديولوجيا القتل، ومرة أخرى، مجتمع الأحرار وحده الذي يجعل من القتل وأيديولوجيا القتل جزءاً من الماضي الكالح.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية