2020.. عام مليء بمزيد من الأزمات والفشل لأردوغان

2020.. عام مليء بمزيد من الأزمات والفشل لأردوغان


06/01/2020

نسرين ناس

مع انتهاء عام 2019 وبداية عام 2020 ، صرنا على مشارف انتهاء الخُمس الأول من القرن الحادي والعشرين. ونحن، خلال هذه الفترة، نمر بمرحلة انتقالية؛ مرحلة لم نعد فيها كما كنا في السابق، ولم نشهد كذلك تغيراً في الوضع الراهن.
كان النصف الأول من القرن العشرين مسرحًا لأزمات اقتصادية حادة، وحربين عالميتين كبيرتين، وشهدت هذه الفترة كذلك انهيار إمبراطوريات، وإقامة دول قومية. ومع ازدهار الديمقراطيات التعددية في عدد من الدول، كان العالم على موعد مع ظهور الأنظمة الاستبدادية وترسخها كذلك.


شهدنا خلال السنوات العشرين الأولى من القرن الحادي والعشرين تطوراً كبيراً في العلم وتكنولوجيا المعلومات، وظهرت شبكة عالمية جديدة للاتصالات والإنتاج؛ سيطرت من خلالها القُوى، التي لا تبغي التغير للدول الأخرى، على شبكات المعلومات، وحكموا على مليارات الأشخاص بالعيش في الفقر والجوع، وخلقوا الأزمات، وأعاقوا أية محاولة لحلها. شهدنا، خلال هذه الفترة كذلك، مآسي الإنسانية التي أوجدتها أنظمة رأت أن الحل يكمن في اتباع سياسات الإقصاء والصدام والعنصرية.
وبالنسبة لتركيا، حاول أردوغان وحزب العدالة والتنمية طوال السنوات العشرين الأولى من القرن الحادي والعشرين أن يحجز لنفسه مكاناً في هذا النظام العالمي الجديد، وبدلاً من أن يتحول إلى الديمقراطية، تحول إلى نظام استبدادي هو الآخر. قضينا الآن 18 عاماً تحت حكم العدالة والتنمية، عانت خلالها تركيا من كثير من الأزمات الحادة في مجالات شتى؛ من الاقتصاد إلى الحياة الاجتماعية وضياع مفهوم الدولة، عندما رهنت السلطة الحاكمة بقاءها ببقاء الدولة كلها، مختلقة أزمات دولية متوالية.
لقد طوت تركيا صفحة السنة الماضية، لكنها لم تطوِ معها صفحات أزماتها المتوالية. ويبدو أن تلك الأزمات سوف تزداد عمقاً، بل وستُضاف إليها أزمات جديدة خلال العام الجديد كذلك.
وفي الواقع، إن وقوف تركيا، المُنهكة، من أجل فتح مجال أرحب أمام السلطة السياسية بأقل الخسائر، في مواجهة كل هذه الهزات المتلاحقة، وعبورها من "الممر الضيق" إلى طريق الديمقراطية والحرية الواسع، إنما يرتبط في الأساس، كما قال دارون عجم أوغلو في كتابه الأخير، بتحرك المعارضة بعقل واع يستوعب أكبر قدر من التضامن الشعبي.
ولا أعتقد أن الأمر يحتاج للكثير من التفكير للقول بأن السلطة، التي وقفت لسنوات طويلة على حدود اللامعقولية، والتي تنظر إلى السياسة الخارجية، باعتبارها امتداداً لسياستها الداخلية، ستستمر في عام 2020 كذلك في اتباع نفس السياسة، بل إنها ستزيد من مناخ الخوف والقمع في الداخل.


لقد أضاف أردوغان إلى سياسته الخاطئة في سوريا، وتورطه في الحرب الأهلية هناك، ومحاولاته المستمرة لخلق واقع جديد على الأراضي السورية، بالاستعانة بالجماعات الجهادية، التي يطلقون عليها اسم الجيش الوطني السوري، خطوة خاطئة أخرى، عندما قرر التدخل عسكرياً في الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا أيضاً. لهذا السبب، لا نبالغ إذا قلنا إن أردوغان، بتدخله في الشأن الليبي، يقترب هذه المرة من الصدام مع روسيا أيضاً، بعد أن قطع كافة علاقاته بالغرب.
ومن ناحية أخرى، لا تلوح في الأفق أية بادرة للوصول إلى حل للأزمة الحالية مع الولايات المتحدة.
لقد تسببت السياسة الخارجية اللاعقلانية، التي يتبعها أردوغان، في تكبد الاقتصاد التركي فاتورة ثقيلة، نتيجة استبعاد تركيا من برنامج مقاتلات F 35 الأميركية، وتوقف تدفق رؤوس الأموال؛ بسبب قضية مصرف "خلق بنك" التركي، الذي حاول عدد من كبار المسؤولين فيه كسر الحصار المفروض على إيران، وكذا بسبب العقوبات، التي ستفرضها الولايات المتحدة على تركيا، بموجب "قانون مكافحة أعداء أميركا"؛ بسبب إصرار أردوغان على شراء منظومة S-400 الروسية.
لا شك أن السلطة، التي فقدت المرونة والقدرة على حل أبسط المشكلات، لن تستطيع فعل أي شيء في مواجهة المشكلات الخطيرة، التي تواجه تركيا اليوم، وإنّ كل ما ستفعله أنها ستواصل القيام بالشيء، الذي تجيد فعله، وهو اتباع سياسة اللامعقول في الداخل والخارج. وبمعنى آخر، ستقوم بإثارة قضية تُحدث استقطاباً جديدًا في المجتمع، وستفرض حصاراً آخر على المعارضة؛ كي تُبقي المشكلات الراهنة بعيدة عن الأنظار.
وفي رأيي، إن مشروع قناة إسطنبول يمكنه أن يفي بهذا الغرض؛ فقد عمد أردوغان، طوال الفترة الماضية، إلى رسم صورة وردية لهذا المشروع، وما سيدره من دخل، وأنه سيصحح خطأ تاريخيا فرضته معاهدة مونترو منذ عام 1936. وحتى تظهر الحقيقة المؤلمة لهذا المشروع، سيستمر أردوغان في زعمه هذا؛  ليثير الكثير من اللغط والانقسام حول هذا المشروع من ناحية، ويثبت أنه صاحب الكلمة في إسطنبول من ناحية أخرى...
ومع ذلك، فإن الاعتراض المتزايد من جانب المواطنين، الذين يترقبون بهدوء بعد الانتخابات، إنما يدل على أن الأمور لن تسير هذه المرة، بالشكل الذي يخطط له أردوغان.
لا شك أن السلطة، التي ظلت لوقت طويل تتصرف بغطرسة، ثقةً منها بأن حدود الخوف، التي فرضتها على المواطنين والمعارضة، لن تتبدد أبدًا، ستصطدم يوماً ما بمقاومة لم تكن تتوقعها في وقت ستكون هي منشغلة فيه بمحاولة تخطي حالة الاحتقان، التي تسببت فيها في الداخل والخارج.  
سينتهي مشروع قناة إسطنبول تمامًا، مثلما انتهى وهم انتخابات بلدية إسطنبول، التي لم يتصور حزب العدالة والتنمية أن يُمنى بالهزيمة بها أبداً، ثم جاءت النتيجة؛ ليخسر بفارق 13 ألف صوت. لقد اصطف المواطنون في إسطنبول، الذين ركضوا صوب صناديق الاقتراع يوم 23 يونيو، إحساساً بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم؛ لكونهم مواطني هذا البلد، وقالوا لأردوغان وحزبه "ألم يعجبك فارق 13 ألف صوت، فلنزده إذن إلى 800 ألف"، ووقفوا غير عابئين بحرارة أو مطر أمام وزارة البيئة وتخطيط المدن؛ ليقدموا عرائض احتجاج على تنفيذ هذا المشروع.
لقد تركت الأزمة الاقتصادية الحالية تأثيراً عميقاً على قطاعات واسعة في المجتمع التركي؛ من بقاء نصف خريجي الجامعات عاطلين عن العمل، إلى ارتفاع نسبة الضرائب، التي تحصلها الدولة على السلع الاستهلاكية الرئيسة في حياة المواطن؛ من الخبز الذي يأكله إلى المياه، ومن الكهرباء، التي لا يخلو بيت منها إلى الوقود.
إن إصرار أردوغان على إيجاد مبرر "للنجاح" من خلال الحديث عن حتمية شق قناة من شأنها أن تؤدي إلى كارثة طبيعية وإنسانية، غير عابئ بالوضع الاقتصادي للمواطنين،  هو السبب في إثارة المعارضة المجتمعية ضد هذا المشروع الكارثي.


لا شك أن مشروع قناة إسطنبول لم يُظهر أن نظام الرجل الواحد هو أكبر عقبة أمام حياة آمنة وصحية فحسب، لكنه ذكّر الجميع كذلك بأن الذي سيدفع الثمن الحقيقي للحرمان من الديمقراطية هو الأجيال القادمة من أبنائنا وأحفادنا، وليس الجيل الحالي، وأظهر كذلك أن الديمقراطية والعدالة والسلام والحرية والمساواة لا يمكن أن تتحقق إلا عندما تطالب حشود المواطنين مجتمعة بحقوق المواطنة، وإجبارها السلطة الحاكمة على تحمل مسؤوليتها تجاه الشعب.
يقول مراد سفينج "لقد دخلنا العام الجديد على أمل أن تنقشع الغيوم من فوق رؤوسنا". ومن المستحيل أيضاً الاختلاف مع الصحفي سولي أوزال في قوله "ستُحدد تجربة السنوات العشرين الماضية طبيعة المواجهة بين الضغوط، التي لا يمكن لها أن تستمر، والطاقة الاجتماعية التي تشكلت حديثاً".
لقد شهد التاريخ العديد من النماذج على نظام الرجل الواحد، التي فقدت إحساسها بالواقع، لدرجة أنها اعتقدت أن صمت الشعب، الناشئ عن الخوف والقمع، يعني تأييدهم لتلك السياسة الرعناء. وكانت نهاية السواد الأعظم من هذه الأنظمة، التي جعلت الشعب يدفع ثمن أخطائهم، أنهم أُزيحوا من  صفحات التاريخ، بعد أن تكتل مواطنو هذه الدول  ضدهم، وطالبوا بحقوقهم..

عن "أحوال" التركية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية