31 فيلماً مصرياً بشرت بالتغيير.. ما هي؟

31 فيلماً مصرياً بشرت بالتغيير.. ما هي؟


27/12/2020

محمد الحمامصي

شهدت الأفلام المصرية في السنوات الأخيرة تراجعا ملحوظا عن معالجة القضايا الوطنية والمجتمعية، حيث يلاحظ المتابع خلو المشهد من أفلام يمكن أن تمثل مرآة صادقة أو نقدا ورصدا للتغيير الذي جرى ولا ينفك يجري في واقع المجتمع.

على مدار تاريخها لعبت السينما المصرية دورا تنويريا كاشفا وراصدا لعلل الواقع السياسي والمجتمعي، وواجهت مظاهر الفساد والتواطؤ في دوائر الحكم وصنع القرار، وأيقظت الوعي الجماهيري وفتح العيون على السلبيات، لكن في السنوات الأخيرة ولأسباب كثيرة ربما في مقدمتها الرقابة السياسية الحاكمة لكل شيء يضيء فساد ما يجري، وفي ظل ضعف التمويل الذي أصبح مشروطا وفي قبضة تجار لا همّ لهم إلا الربح، كان تراجع السينما حادا وملفتا.

الناقد السينمائي وليد رشاد يؤكد في كتابه “السينما والثورة” أن السينما المصرية وجّهت نقدا لاذعا للسلبيات السياسية والمجتمعية تارة بالتلميح وتارة بالتصريح والتجريح أحيانا، وممّا لا شك فيه أن الرسالة التنويرية التي حملها فنانو السينما الجادون والمجيدون قد أسهمت في تربية الوعي داخل عقل المشاهد المصري والعربي.

ويرى أنه كثيرا ما رصدت عدسات الكاميرات العربية مظاهر الفساد والتواطؤ والعفن الذي سيطر على دوائر الحكم في بلادنا، وراحت تفضح تآمر حكام ظنوا أنفسهم مخلدين على شعوبهم المقهورة، واستحقت السينما المصرية عندما صنعت أفلاما توقظ الوعي لدى الجماهير وتفتح أعينهم على حقيقة ما يجري أن تكون النواة أو اللبنة الأولى لثورات الربيع العربي ويمكن أن نعتبرها وقود الثورة.

من التلميح إلى الوضوح

يقدم رشاد في كتابه لأعمال تتعرض لفترة حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، والذي آلت إليه السلطة بعد حادث المنصة الشهير، وبالتدريج بدأ في التسلط والتوحش حتى ابتلع مستقبل كل المصريين، وقد تعاملت السينما العريقة في مصر مع هذا التوحش منذ البداية بالتلميح حتى وصلت إلى التصريح بالنهاية.

ويؤكد أن السينما عندما تعاملت مع الواقع في بداية عصر مبارك كانت تتناوله بشكل هادئ وحذر، ولكنها قامت برصد نقاط تحوّل في العقلية الحاكمة، مثال ذلك في فيلم “سواق الأتوبيس” حيث إشارة حذرة إلى إصرار النظام على إهمال من خاضوا حرب أكتوبر، فنرى البطل والذي عانى كل الإهمال وتوالت عليه المشكلات وهو الذي كان أحد أولئك المحاربين القدامى، والذي بات لا يقوى على المواجهة بعدما كان يواجه الأعداء بكل شجاعة دفاعا عن الوطن، ولكن الواقع المر جعل منه شخصا سلبيا.

وتحت الضغوط والالتزامات الأسرية يضطر إلى العمل منذ مطلع الفجر وحتى ساعات متأخرة من الليل ليستطيع فقط تدبير احتياجات أسرته، وأصبح بسلبيته تلك ولامبالاته عاجزا لا يقوى حتى على حماية ركاب الأتوبيس الذي يقوده بمنطق “الأنا مالي” والذي تفشى في تلك الفترة. فنسمع في حوار الفيلم كلمات “يا عم وانا مالي” أو “أنا راجل صاحب عيال” وغيرها من الكلمات التي يتعلل بها البعض عندما يكون عليهم واجب التصدي للمخاطر.

ويضيف رشاد أن “الرؤية الدرامية للفيلم تواجه هذه السلبية التي فرضتها ظروف ستجعل البطل يتغير ويعود من جديد ليحارب كما حارب في أكتوبر، وهي معركة أكثر ضراوة، حيث أعداء الداخل دائما ما يكونون أخطر من أعداء الخارج، وهذا ما لاحظناه كلنا في الفترة الأخيرة ما بعد ثورة يناير وسط الجدل المحتدم حول ما بات يعرف بالطرف الثالث في مصر، أليس هذا هو الطرف الثاث؟”.

ويتابع بأن الفيلم على أية حال جعل الشخصية الرئيسية “سواق الأتوبيس” يعود إلى القتال في مشهد غاية في القوة عندما استشعر الخطر الذي يحدق بكل المكتسبات التي تحققت عبر نصر أكتوبر الذي شارك فيه. وفي مشهد النهاية يتخلى البطل عن سلبيته التي رأيناها في المشاهد الأولى، ويطارد لصا من الأتوبيس إلى الشارع ويقوم بالسيطرة عليه، وهو يصيح في وجهه بالجملة الشهيرة في الفيلم “يا ولاد الكلب” والتي اعتمد عليها المؤلف ليوضح حجم معاناة مصر من أولئك الفاسدين.

ويشير رشاد إلى أنه في مرحلة لاحقة وفي التسعينات وعندما استفحل طغيان النظام وبات أكثر فسادا لم تقف السينما موقف المتفرج، ولكن قامت بتطوير أسلوبها في المواجهة من جديد، وراحت توضح ما حدث في الفترة التي مضت وفي حاضرها أيضا.  مثلا في فيلم “زمن حاتم زهران” أصرت الكاميرا على رصد التغيير الذي طرأ عبر سنوات تلت حرب أكتوبر، وكيف أن الوريث رجل غير متسق مع ذاته مع أنه يبدو ساحرا في أسلوبه، ولكن إذا اقتربت منه على الفور تلحظ هذا الخلل وعدم القناعة بالذات والتي تدفعه إلى السيطرة على كل من حوله والدليل، الذي قدمته الدراما على اهتزاز هذا الرجل الأسطوري شقيق حاتم زهران هو أنه عقيم لا يستطيع الإنجاب في إشارة واضحة إلى عقم النظام الحاكم.

 هذا الخلل الذي يدفعه نحو الهاوية بسبب النقص الذي يعانيه في شخصيته والقصور الذي يعانيه في فكره الذي يدفعه نحو انتهاج الرأسمالية الشرسة بغير قلب ويدوس على كل البشر في جموحه الجنوني.

ويرى الناقد أن السينما استمرت في الكشف عن الحقيقة في زمن التسعينات مبشرة بأن التغيير سيأتي حتما، ويقول إنه مع الانتقال للقرن الحادي والعشرين دخلت الصناعة العريقة وقد تجدد شبابها على يد مجموعة كبيرة من الفنانين الشبان الجدد، والذين اعتمدوا أسلوبا أكثر وضوحا هذه المرة في الوقت الذي استشرى فيه الفساد أكثر وأكثر وتزاوج رأس المال والسلطة بأسلوب لم يعرفه العالم من قبل.

وعلى الفور تعاملت السينما مع هذا الوضع بكل وضوح ومكاشفة وتحدثت في أفلامها عما عرف ببرنامج الخصخصة، ذلك البرنامج المشبوه الذي ابتدعه مبارك واستولى به مع حاشيته على ثروات المصريين، ورأينا عملا كفيلم “حسن طياره” والذي يقدم شخصية محام شاب شريف قرر التصدي لرجل أعمال فاسد استولى على أحد مصانع القطاع العام وشرد مئات العاملين فيه، وغيره من الأعمال التي كانت أكثر صراحة من ذي قبل.

أفلام من ثلاث حقب

اختار رشاد لكتابه واحدا وثلاثين فيلما، كانت السينما المصرية قد قدمتها على مدار ثلاثين عاما، وقسمها إلى ثلاثة فصول كل فصل يحمل مجموعة من الأعمال التي أنتجتها السينما في حقبة زمنية واحدة.

وبدأ الناقد بتناول أفلام منها “حتى لا يطير الدخان” الذي يكشف فساد الصفوة الذين خرجوا عن المألوف وفسدوا بكل ما تحمله الكلمة من معنى حتى أصبحوا أسياد الشعب وحكامه، وفيلم “الصعاليك” الذي أشار إلى فساد النظام حيث كانت بداية موضة شراكة رجال الأعمال برجال السلطة ما أسهم في تراجع البلاد اقتصاديا.

كما تطرق إلى فيلم “التوت والنبوت” المأخوذ عن إحدى حكايات الحرافيش لنجيب محفوظ والذي عرض في عام 1986 وأخرجه نيازي مصطفى، فقد آثر الابتعاد عن التصريح بفساد شخصيات الحاضر وعاد بنا إلى زمن الفتوات، حيث يبعث برسالة من الماضي عن حلم بإقامة دولة العدل التي يحمي فيها النظام الشعب ويحافظ على أمنه وسلمه. وفيلم “كركون في الشارع” الذي ناقش مشكلة السكن التي كانت قد بلغت ذروتها بالإضافة إلى عجز أبناء الطبقة المتوسطة عن تأمين احتياجاتهم الأساسية التي تتمثل في ملاذ آمن وبسيط لهم.

وفي الحقبة التالية التي تناولها في الفصل الثاني، يرى رشاد أنها قدمت أفلاما متميزة حلل وناقش منها سبعة أفلام، منها فيلم “اللعب مع الكبار” للمخرج شريف عرفه، ويحكي عن رجل عاطل ناهز الأربعين من العمر توصل عن طريق صديقه مهندس الاتصالات بسنترال رمسيس إلى معلومات خطيرة عن عمليات فساد، يتوجه الرجل إلى أحد ضباط أمن الدولة الشرفاء ليخبره بما توصل إليه، ويتدخل الضابط لإنقاذ الموقف لكن يظل الأمر لغزا بالنسبة إلى هذا الضابط ولا يعني انكشاف السر أو اللغز سوى كارثة على الجميع تؤكد قدرة ونفوذ من يعبثون بأمن الوطن.

ونجد أيضا فيلم “الهروب” للمخرج عاطف الطيب الذي عالج موضوع فساد وزارة الداخلية والخشونة المفرطة التي يتعامل بها الضباط مع المواطنين. وفيلم “طيور الظلام” الذي غاص في أعماق النظام كاشفا كيف يتلاعب الفاسدون ويتربح المسؤولون من وظائفهم ليجمعوا الثروات من دم الشعب المصري وكيف يتحايلون لإخفاء ثرواتهم، كما يتطرق إلى الصراع بين النظام والجماعات الإسلامية المتشددة، والذي بلغ ذروته في وقت إنتاج الفيلم الذي أوضح أنهم أيضا فاسدون لكنهم ينتظرون دورهم ليصلوا إلى الحكم باسم الدين.

ويتعرض أيضا رشاد إلى أفلام “الإرهاب والكباب” و”أميركا شيكا بيكا” و”المصير”، حيث رصدت الأفلام السبعة التغيير الذي جاء على أيدي منتجي الأفلام الجدد الذين فرضوا على السينما أسلوبا مختلفا في التناول سعيا نحو توعية الجماهير والتي ظلت السينما المصرية تمارسها كي تستطيع تحريك الجماهير للقيام بفعل شيء، حتى وإن لم يكن ثورة فليكن موقفا إيجابيا، لنصل إلى الألفية الجديدة مع ظهور جيل جديد أعاد إلى الصناعة حيويتها وشبابها لتفضي بثورة حقيقية أبهرت العالم أجمع.

هذه السينما كانت محور أفلام الفصل الثالث، حيث لفت رشاد إلى أنها “بدأت في التعامل مع مسألة الفساد بشكل أكثر وضوحا، وكان تحريضها للجماهير أكثر تأثيرا من خلال أفلام أكثر قربا لقلوب الشباب”. وقد رصد الفصل الثامن عشر أفلاما أنتجتها السينما المصرية في مطلع القرن الـ21، وجهت كلها ضربات مباشرة للنظام الحاكم وكلها انحازت إلى صفوف الجماهير وطالبت بالعدل والمساواة، بل وحركت الثورة المصرية وكانت بمثابة الوقود الحقيقي لها.

فن يفتح أعين الناس على حقيقة السلطة

من هذه الأفلام “أرض الخوف” لداود عبدالسيد الذي تعرض للإهمال الجسيم الذي سيطر على دوائر العمل الحكومي في عهد مبارك حيث تقارير الضابط الذي تم زرعه في عالم الإجرام مهملة لا تجد من يقرؤها سوى موسى موظف البريد، ومنذ العام 1981 فقد الضابط الاتصال بقيادته التي ظلت تتابعه مع تغيّر المسؤولين حيث يورث كل مسؤول السر الذي يخلفه حتى جاء مبارك ليهدم بابتعاده عن العمل لصالح الوطن ما جعل الضابط في موقف لا يحسد عليه في أرض الخوف وهو اسم العملية التي كلفته بها الدولة منذ عصر جمال عبدالناصر، وفي تلميحات واضحة أشار الفيلم إلى أن النظام تقريبا هو الذي سمح بدخول الكوكايين إلى مصر في مطلع الثمانينات.

ويتابع رشاد تحليل أفلام تلك المرحلة متوقفا مع أعمال منها “العاصفة” الذي تناول اشتراك الجيش المصري مع قوات حلف الناتو في الهجوم على الجيش العراقي في مطلع التسعينات في ما عرف بحرب “عاصفة الصحراء”، وفيلم “معالي الوزير” الذي قدم وزيرا فاسدا وصل إلى منصبه بالصدفة كما حدث مع مبارك الذي قادته الصدفة عقب اغتيال السادات إلى الحكم، وأفلام “عاوز حقي”، و”السفارة في العمارة”، و”وش إجرام”، و”ظاظا”، و”حين ميسرة”، و”دكان شحاته” و”واحد صفر” و”بنتين من مصر” و”عسل أسود”.

وهكذا استوفى رشاد في كتابه الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بتقديم الناقد وليد سيف جوانب تعكس صورة أقرب إلى التكامل عن دور الفيلم المصري في تناول حقوق الإنسان والكشف عن صور من انتهاك كرامته في السنوات التي سبقت قيام ثورة 25 يناير 2011.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية