5 دروس تعلّمها متظاهرو "الموجة الثانية"... ما هي؟

الثورات العربية

5 دروس تعلّمها متظاهرو "الموجة الثانية"... ما هي؟


08/01/2020

مع العام الجديد 2020 يظل التساؤل عمّا تعلّمه المتظاهرون في بلدان الموجة الثانية من الاحتجاجات العربية في السودان والجزائر ولبنان والعراق، يكتسب أهميته وراهنيّته. وقد أفرد معهد "تشاتام هاوس" العريق مساحة لنقاش ذلك في تحليل كتبه جورج فهمي، قال فيه إنّ الموجة الثانية من الانتفاضات العربية التي بدأت في السودان في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2018، وامتدت، بشكل رئيسي، إلى الجزائر ولبنان والعراق في العام 2019، استندت إلى تجارب الماضي من التحولات السياسية خلال ما سمي "الربيع العربي" منذ بدايات العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بكل تفاعلاته وأخطائه وإنجازاته.

اقرأ أيضاً: قراءة في مرجعيات الموجة الثانية من الربيع العربي
لقد تعلم المتظاهرون في هذه الموجة الجديدة بالفعل خمسة دروس من التحولات السابقة.

الدرس الأول؛ هو أنّ الإطاحة برئيس النظام لا يعني أنّ النظام السياسي قد سقط. في ميدان التحرير في 11 شباط (فبراير) 2011 ، احتفل المتظاهرون المصريون بقرار الرئيس حسني مبارك التنحي وغادروا الساحة، معتقدين أنّ استقالته كانت كافية للسماح بحدوث انتقال ديمقراطي. في المقابل، في السودان والجزائر، استمر المتظاهرون في التظاهر بعد استقالة الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة، والإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير بقيادة الجيش.

وفقاً للدورة الخامسة من البارومتر العربي، يُنظر إلى الوضع الاقتصادي والفساد على أنّه التحدي الرئيسي للجزائريين والسودانيين واللبنانيين والعراقيين

لقد فهم المتظاهرون الدرس الذي مفاده أنّ النظام لا يوجد في رأس الدولة فحسب، بل أيضاً في القواعد التي تحكم المجال السياسي. وبناء على ذلك، يتطلب التغيير السياسي تغيير القواعد، وليس فقط أسماء المسؤولين عن تنفيذها.
الدرس الثاني؛ هو أنّ اللجوء إلى العنف هو أسرع طريقة لإنهاء أي أمل في التغيير الديمقراطي. قدم المتظاهرون الذين قرروا حمل السلاح إلى أنظمتهم الفرصة لإعادة صياغة الانتفاضات السياسية كحرب أهلية، كما كان الحال في سوريا. حتى عندما تنجح الجماعات المسلحة في إسقاط النظام، فإنّ وجودها يعرض للخطر المرحلة الانتقالية بعد ذلك، كما هو الحال في ليبيا؛ حيث تحكم الميليشيات الإسلاموية طرابلس.
وعلى الرغم من أنّ المتظاهرين في السودان والعراق واجهوا العنف والقمع الحكومي، فقد أصروا على نهجهم اللاعنفي. في السودان، ردّ المتظاهرون على المجزرة خارج القيادة العامة للقوات المسلحة في 3 حزيران (يونيو) 2019 من خلال تنظيم مظاهرة حاشدة في 30 من الشهر ذاته، والتي مارست ضغوطاً على الجيش لاستئناف المحادثات مع قوى الحرية والتغيير والجماهير.

المرحلة الانتقالية

الدرس الثالث؛ هو أنّه بمجرد سقوط النظام القديم، يجب أن تكون الفترة الانتقالية عملية جماعية توافقية لصنع القرار، تتمتع فيها المعارضة بحق النقض على الأقل. مثال تونس بعد 2011 هو نموذج لذلك. ضمت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، التي صاغت المسار المخطط للانتقال، ممثلين من مختلف الأطياف السياسية والمجتمع المدني.

اقرأ أيضاً: موجة ثانية من الثورات العربية
وعلى الرغم من أنّ القوات العسكرية في الجزائر والسودان لن تتوقف عن لعب دور سياسي في أي وقت قريب، فإنّ هذا لا يعني ممارسة السيطرة الكاملة على الفترة الانتقالية. يمكن للسودان تقديم مثال إيجابي في هذا الصدد، إذا نجح في تنفيذ اتفاق لتقاسم السلطة، الذي بموجبه سيحكم مجلس سيادي مدني - عسكري مشترك السودان خلال الفترة الانتقالية، الممتدة لثلاثة أعوام قبل إجراء انتخابات.

على عكس عام 2011، عندما تمتعت ثورات "الربيع" باهتمام دولي واسع النطاق فإنّ الموجة الثانية تحدث في بيئة معادية

الدرس الرابع؛ هو أنّ التحولات السياسية يجب أن تحقق الاتفاق على قواعد اللعبة قبل الشروع في الانتخابات. في مصر بعد عام 2011، ساهمت الانتخابات، التي أجريت على عَجل وبشكل متسرّع، في تقسيم المعارضة السياسية وزيادة الاستقطاب بشكل كبير في المجتمع.  في هذه الموجة الثانية، اعتبر المتظاهرون الانتخابات بمنزلة فخ يمكّن الأنظمة القديمة من إعادة إنتاج نفسها بأسماء جديدة.
في كل من الجزائر والسودان، قاوم المتظاهرون محاولات الجيش إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن. في السودان، أجّل الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتخابات إلى ما بعد نهاية فترة انتقالية مدتها ثلاثة أعوام من حكم التكنوقراط. في الجزائر، ما يزال المحتجون يخرجون إلى الشوارع كل يوم جمعة للتظاهر، مع أنّ الحكومة أجرت انتخابات رئاسية في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2019 فاز فيها عبد المجيد تبّون.

مأزق الاكتفاء بـ "صندوق الانتخاب"

الدرس الخامس والأخير، بحسب معهد "تشاتام هاوس"، هو أنّ الدعوة إلى التغيير في المنطقة تتجاوز الديمقراطية الانتخابية "صندوق الانتخاب"، وتمتد إلى إصلاحات اجتماعية اقتصادية عميقة وشاملة. يظهر كل من العراق ولبنان هذا بوضوح: لقد أجريت بالفعل انتخابات حرة ونزيهة، لكنها عملت فقط على تعزيز الأنظمة الطائفية الفاسدة.

أظهرت تجربة "الربيع العربي" للناس أنّ التدابير الديمقراطية ليست سوى وسيلة لتحقيق غاية

وفقًا للدورة الخامسة من البارومتر العربي، يُنظر إلى الوضع الاقتصادي والفساد على أنّه التحدي الرئيسي للجزائريين (62.2٪) والسودانيين (67.8٪) واللبنانيين (57.9٪) والعراقيين (50.2٪) ، بينما تعتبر الديمقراطية التحدي الرئيسي فقط لما نسبته 2.3 ٪، 3.9٪، 5 ٪ و 1.4 ٪ للجمهور في تلك البلدان على التوالي. لقد أظهرت تجربة "الربيع العربي" للناس أنّ التدابير الديمقراطية ليست سوى وسيلة لتحقيق غاية، وفقاً لـ"تشاتام هاوس".
وعلى عكس عام 2011، عندما تمتعت ثورات "الربيع العربي" باهتمام ودعم دولي واسع النطاق، فإنّ هذه الموجة الثانية تحدث في بيئة معادية، مع وجود إيراني (في العراق ولبنان) وروسي أقوى في المنطقة، ومناخ دولي غير مبال. لكن إذا كان المتظاهرون في العراق ولبنان يتمتعون بميزة فهي أنّهم يقومون بتكييف تكتيكاتهم بشكل واضح مع الدروس المستفادة من الموجة الأولى من الاحتجاجات العربية في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية