53 ألف فلسطيني تحرمهم الأونروا من "عطاياها" وتَمتهِن كرامتهم

53 ألف فلسطيني تحرمهم الأونروا من "عطاياها" وتَمتهِن كرامتهم


21/05/2020

أحمد الحاج علي

أحمد الجلب، أب فلسطيني لأربعة أولاد. ولد في مخيم برج البراجنة قبل أكثر من ثلاثة عقود. هو عاطل عن العمل منذ عامين. فرح عندما سمع خبراً أن الأونروا سوف تدفع لكل لاجئ فلسطيني في لبنان مئة ألف ليرة لبنانية.

مأساة عائلية مزمنة
لكن فرحته نغصها تفصيل قاتل: يُستثنى من ذلك العطاء من لا يملكون أوراقاً ثبوتية، ويبلغ عددهم اليوم حوالى 15 ألفاً، وأحمد واحد منهم.
جاء والد أحمد إلى لبنان من غزة، أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت عام 1982. اخترق الحصار وقاتل الإسرائيليين. مكث في العاصمة اللبنانية، بلا أوراق ثبوتية. بعد سنوات، تزوّج من سلوى أبو ستة. أنجب منها ابنتين وولداً. الأم ماتت نتيجة عجز عن تأمين تكلفة علاجها، ومات زوجها بعد أشهر، بجلطة قلبية مفاجئة. تربى الأطفال في كنف جدّهم، بلا أوراق ثبوتية.

مأساة لم تحلها وكالة الأونروا. والسلطات اللبنانية لم تلبِّ نداء المؤسسات الإنسانية لتعطيهم أوراقاً يثبتون بها شخصياتهم. ورث أحمد وأختاه المأساة، فلا يستفيدون اليوم من تقديمات الأونروا الاجتماعية، ولا من تقديمات المؤسسات الدولية، عدا عن وجوه أخرى للكارثة الإنسانية التي حلت بهم.

نص قرار وكالة الأونروا الأخير، حرَم أيضاً 25 ألف لاجئ غير مسجلين في سجلاتها، وهم مسجلون في دائرة الشؤون السياسية في لبنان، ويُعرفون بـ (NR Not Registered). هؤلاء فاتهم التسجيل قبل سبعين عاماً لأسباب مختلفة: هناك من رأى في التسجيل تنازلاً عن حق العودة. لكن والد محمد ميعاري، فاته التسجيل في أوائل الخمسينيات نتيجة تسلله الدائم إلى بلدته شعب، لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال، حسب شهادته لـ "المدن". لذا حُرم زهير ميعاري وأولاده وأحفاده من التسجيل في الأونروا، ومن التقديمات الاجتماعية.

فلسطينيو سوريا
الفئة الثالثة التي وقع عليها الحرمان هي الفلسطينيون القادمون من سوريا، ويُقدّر عددهم بحوالى 28 ألفاً. ويقول عضو تجمع لجان فلسطينيي سوريا في لبنان رامي منصور لـ"المدن" إن "الأونروا تتجاهل تماماً معاناة هذه الفئة من الفلسطينيين. وهذا يثير في نفوسنا الشكوك حول الأهداف السياسية للتمادي في حرماننا. الكل يعرف أن بدل السكن الذي يمنحوننا إياه لا يكفي شيئاً. هناك الطعام والتكاليف الأخرى، إضافة إلى التكاليف الصحية. فكيف يجري تجاهل كل هذه المعطيات، ولصالح من حرماننا من المساعدات المالية الأخيرة؟". 

الأونروا التي وجّهت اللاجئين الفلسطينيين إلى تسلّم الأموال من مراكز Bob finance، أحدثت خطوتها فوضى كبيرة. فقد شهدت هذه المراكز توافد أعداد كبيرة من الفلسطينيين، في خرق لإجراءات "التعبئة العامة" والسلامة المعلنة، من دون تنظيم مسبق من وكالة الأونروا، أو وجود مندوبين في المراكز الكثيرة.

عبّر الفلسطينيون عن اعتراضات واسعة، وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملات ضد الأونروا، نتيجة ما اعتبروه غياب التنظيم، والمعاملة السيئة في فروع تسلّم الأموال، وتوقف البرنامج في عدد من المراكز، والتذرّع بعدم وجود أموال كافية في بعضها، إضافة إلى مأساة بعض المرضى المنتظرين في صفوف طويلة. يُضاف إلى ذلك عدم رد الوكالة على اتصالات المستفسرين، الذين حاولوا التواصل على الأرقام الهاتفية التي نشرتها الأونروا.

رئيس الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي، يقول لـ "المدن": واضح تماماً أن الأونروا لم تدرس المشكلة. وينتقد هويدي طريقة التوزيع، وحرمان فئات فلسطينية عديدة "تشكل مجتمعاً عديده حوالى 112 ألفاً. وهذا ظلم كبير". ويشدد على ضرورة أن تستشير الأونروا المؤسسات واللجان الشعبية، ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، والفصائل الفلسطينية. وأضاف: "الأونروا تفرّدت بقرارها، ولم تستشر أحداً في آليات التوزيع".

ويؤكد هويدي أن عدد المستفيدين غير معروف حتى اللحظة. ودعا الأونروا "إلى إعادة النظر بهذه القرارات، وانظر بموضوعية لما جرى. وإعادة تقييم عاجل وسريع لطريقة التوزيع التي حصلت، وهي فوضوية وتمتهن كرامة اللاجئ. ونقترح التوزيع في مراكز الأونروا، كما كان يجري في الماضي، لتوفر في ميزانيتها".

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) دعت أيضاً إلى أن توزع الأونروا المساعدات في مراكز أكثر من مركز BOB  Omt  - WU لتخفيف الازدحام، والمحافظة على التباعد الاجتماعي منعاً لنقل عدوى كورونا.

حثّت صامد المجتمع المدني واللجان الشعبية والأهلية إلى تحمل مسؤولياتهم ومساعدة الناس على تنظيم أمورهم بشكل يحفظ كرامتهم وصحتهم.

أما "دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية" فدعت الأونروا إلى الاستجابة لشكاوى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، واعتبرت أن إنجاح عمليات التوزيع هي مسؤولية مشتركة بين الأونروا ومكاتب التحويلات المالية (Bob Finance) واللاجئين. ودعت "إلى العمل على حل الكثير من الإشكالات التي برزت، والتدقيق في مدى التزام الموظفين بالرد على تساؤلات اللاجئين، استناداً إلى الأرقام التي عممتها الأونروا مسبقاً".

يبدو أن هناك إجماعاً فلسطينياً على أن ما حدث اليوم غير مقبول إنسانياً وتنظيمياً، ويتطلّب إعادة تقييم. لكن اللافت هو غياب أي توضيح من جانب الأونروا، وغياب الشفافية الذي يتجلى بغياب الأرقام. أرقام المستتفيدين والمستثنين.

عن "المدن"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية