7 أسباب تجعل حراك الجزائر استثناءً

الجزائر

7 أسباب تجعل حراك الجزائر استثناءً


28/03/2019

تعدّدت التحليلات السياسية حول توصيف "الحراك الشعبي" في الجزائر، الذي انطلق في الثاني والعشرين من شباط (فبراير) الماضي ، بين من يعدّه موجة جديدة، أو امتداداً لموجات "الربيع العربي"، وبين من يعتقد أنّه شكل جديد ومستقل عمّا حدث في الدول العربية، في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، والذي خلّف تداعيات  كبيرة، أدت في بعض الحالات إلى ذوبان الأنظمة السياسية والإدارية، وقادت نحو اقتتال أهلي، وشرعت الباب واسعاً للانزلاق نحو الفوضى والإرهاب، فيما نجحت بعض التجارب في بناء أنظمة جديدة على أنقاض النظام الذي ثار عليه الشعب (تونس مثالاً).

بدت المظاهرات الجزائرية بمنتهى السلمية فلم تسجل مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة إلا في حدود ضيقة ونادرة

وبعيداً عن الثنائية الماثلة للتحليلات المتعددة، فإنّ ثمة مؤشرات تشي بأنّ "الحراك الجزائري" يمتلك عدة خصوصيات تجعله مختلفاً، إلى حدّ ما، عن بقية المظاهرات العارمة التي شهدتها كل من تونس، ومصر، وسوريا، وليبيا، واليمن.
"حفريات" رصدت سبعة أسباب تجعل ما يجري في الجزائر حراكاً استثنائياً، وهي:
أولاً: خصوصية المظاهرات الجزائرية؛ فأحد أهم النقاط التي تجعل ما يحدث في الجزائر مختلفاً، هي "التعريف النظري" المعتمد، سواء من قبل المتظاهرين أو النظام، فقد تمّت تسميته منذ البدء بـ "الحراك الشعبي"؛ حيث اتفق الطرفان المتعارضان بشكل تلقائي، على هذا الوصف، على عكس دول "الربيع العربي"، التي وقعت في فخّ التعريف المزدوج بين "ثورة"، كما يسميها المتظاهرون، وتوصيفات متفاوتة تنفي صفة الثورة عنها من قبل الأنظمة.

 "الحراك الجزائري" يمتلك عدة خصوصيات تجعله مختلفاً

في الجزائر؛ لم ينزع المتظاهرون نحو تضخيم فعلهم، لدرجة وصفه بالثورة، وذلك عائد لعدة اعتبارات تاريخية، تتعلق بقدسية المفهوم (الثورة) في الذاكرة الجمعية للجزائريين، وارتباطه بالثورة التحريرية ضدّ المستعمر الفرنسي (1954/1962)، التي ما تزال منظومتها السياسية والثقافية والمجتمعية راسخة تحكم وتضبط المفهوم العام للدولة، حكومةً ومعارضة، إلى جانب أسباب أخرى تتعلق بطبيعة الحراك نفسه، الذي قام في بدايته لتحقيق أهداف بعينها، قد لا يكون "مفهوم الثورة "مناسباً للوصف !
كما لم تجد أجهزة ومؤسسات النظام غضاضة في تقبل واستخدام التعريف، الذي أطلقه الشارع، في تناولها ومحاولات معالجتها للأزمة .

اقرأ أيضاً: إسلاميو الجزائر في سباق مع الزمن للحاق بالحراك الشعبي

ثانياً: انطلق الحراك الجزائري في بدايته متقشفاً، ليس في الوصف فحسب؛ بل أيضاً في المطالب؛ حيث بدت الجمعة الأولى (٢٢ شباط (فبراير)، تحمل مطلباً رئيسياً واحداً؛ هو سحب ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة! فيما قامت معظم المظاهرات في دول الربيع العربي محملة بآمال وأحلام كبرى تتعلق بإسقاط النظام، وبناء أنظمة جديدة على قواعد الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ...إلخ

اقرأ أيضاً: هكذا ردت الأحزاب الجزائرية على مقترح قائد الجيش

ثالثاً: تحديد الهدف الرئيس والموضوعي المتعلق بسحب ترشح بوتفليقة، قد سمح للعامة بالتفاعل مع دعوات التظاهر، منذ الجمعة الأولى؛ حيث نزلت أعداد غفيرة رأت أنّ المطلب موضوعي، وقابل للتحقق، سيما أنّه لم ينزع نحو الغلو والمطالبات المسرفة في الأحلام، كما أنّ موضوعية المطلب وتقشفه قد وضعا "النظام" في موقف حرج، إلى جانب تضاعف الأعداد في الجمعة التالية، فلم يكن أمامه إلا التجاوب بشكل عملي؛ حيث تم سحب ترشح بوتفليقة مع إعلان "خريطة طريق"، تتضمن تأجيل موعد الانتخابات لفترة لاحقة، والتبشير بندوة وطنية تشرك الجميع، وتشرف على تعديل الدستور، وتشكيل اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات في موعد تحدده "الندوة الوطنية"، وذلك لضمان الانتقال السلس والسلمي للسلطة (بحسب الخريطة التي اقترحها الرئيس)؛ هذا الاقتراح  الرسمي، وإن لم يجد  تجاوباً من قبل "الشارع الثوري"، الذي بدا أنه انتقل لسقف آخر من المطالب، فإنه يعد سابقة في عرف الأنظمة العربية، منذ بداية الربيع العربي، سواء في توقيته المبكر (أسبوعان بعد الحراك )، أو في إيجابية التعاطي النسبي، سواء في الإجراءات أو الخطاب .

اقرأ أيضاً: الجزائر: أزمة مركبة
رابعاً: بدت المظاهرات الجزائرية بمنتهى السلمية المطلوبة، فلم تسجل مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة، إلا في حدود ضيقة ونادرة؛ حيث التزم المتظاهرون بمسار حراكهم، وسلميته، ولم يقدموا على عمليات إحراق المقرات، أو الهجوم على هيئات نظامية، أو رشق قوات الأمن، بل صابروا على مطالبهم وشعاراتهم وأهازيجهم دون النزوع نحو العنف، أو الاستفزاز، كما التزمت الشرطة بحماية المتظاهرين، وتنفيذ خططها الأمنية الخاصة بحماية الأرواح والمنشآت العامة والخاصة، ولم تطلق النار، كما لم تسجل حالة وفاة واحدة طوال الجُمعات الماضية .

انتزع الحراك الجزائري، بيسر وقوة، اعتراف كافة أطياف العمل السياسي

خامساً: بدا "الحراك الجزائري" مجتمعياً مستقلاً، بعيداً عن التأطير والأدلجة؛ حيث تم رفض معظم رموز الأحزاب السياسية، حتى المعارضة منها، من المشاركة في التظاهرات أو محاولة أدلجتها، أو تطويعها، (تم طرد عدد من قادة الأحزاب والمرشحين المحتملين للرئاسة من الساحات)، على عكس مظاهرات الربيع العربي التي كانت تحتفي بانضمام أيّ أحزاب وفعاليات سياسية، وترى ذلك ضمانة أكيدة لانتصارها !

اقرأ أيضاً: الجزائر بين الإسلام والعصيان السلمي
في المقابل، غاب في "الحراك الجزائري" أيّ تأطير فعلي، من قبيل "ائتلافات شباب الثورة/ تنسيقيات الثورة، ...إلخ"، وبدا الحراك أفقياً يسير دون رموز أو رؤوس معروفة، يمكنها التحدث أو التفاوض باسمه، للدرجة التي لم يجد "المفوض غير الرسمي" لبوتفليقة (المبعوث الأممي السابق الأخضر الإبراهيمي) طرفاً يتفاوض معه باسم الحراك! وما تزال هذه المسألة هي العقدة في الأزمة، وهي ربما نقطة الضعف والقوة في آن واحد! فمن جهة يمثل غياب ممثلين للحراك ضمانة أكيدة لانتفاء إمكانية وقوع صفقات على حساب الحراك، ومن جهة أخرى قد يعد انعدام ممثلين، ونخب تمثل الحراك، تقود مسيرته، وتستشرف مآلاته نقطة ضعفه، كما هي نقطة قوته تماماً!

اقرأ أيضاً: الجزائر: الدائرة تضيق حول بوتفليقة.. ما الجديد؟
سادساً: انتزع الحراك الجزائري، بيسر وقوة، اعتراف كافة أطياف العمل السياسي، بما في ذلك مؤسسة الرئاسة، والجيش، وحتى أحزاب الموالاة التي رشحت بوتفليقة للرئاسة، بما في ذلك الحزبان الحاكمان (جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي)؛ اللذان أعلنا دعمهما للحراك الشعبي، رغم أنّهما المتسببان في خلق الأزمة عبر دعم ترشّح بوتفليقة، وهي النقطة التي أفاضت الكأس، فيما بقيت الأحزاب الحاكمة في دول "الربيع" تدافع عن خيارات الأنظمة إلى آخر لحظة، وتقوم بحملات تخوين المتظاهرين، حتى بعد سقوط أنظمتها.

اقرأ أيضاً: احتجاجات الجزائر ومخاوف تونس... أين تلتقي؟
سابعاً: تمكّن "الحراك الجزائري" حتى اللحظة من الإفلات من تأثير تيارات "الإسلام السياسي" الذي وقعت في فخه معظم ثورات "الربيع العربي"، وبدا حراكاً مدنياً ديمقراطياً، يرفض التدجين، وقد لوحظ القدر الكبير من الحساسية التي أبداها منتسبوه حيال بعض المحاولات اليائسة التي قام بها بعض المحسوبين على هذا التيار في الخارج، منهم المصري، وجدي غنيم، الذي نال حملات ردّ واسعة من شباب الحراك الجزائري، لمجرد تفكيره في إسداء نصائح غير مرغوب بها، تهدف إلى تطويع الحراك لصالح تياره الإخواني .
وبذات القدر نال عزمي بشارة هجوماً كبيراً من قبل منتسبي الحراك، عندما حاول جاهداً هو الآخر تطويع الحراك وتدجينه لصالح الجهات التي يعمل لها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية