9 حزيران 2018 يدخل التاريخ: ثلاثة وجوه للعولمة اليومية

العولمة

9 حزيران 2018 يدخل التاريخ: ثلاثة وجوه للعولمة اليومية


11/06/2018

يبدو أنّ تاريخ 9 حزيران (يونيو) 2018، سيدخل التاريخ، والتأريخ للسياسية العالمية والدولية والإقليمية في العالم ومنطقة الشرق الأوسط.

فقد سيطرت ثلاثة أحداث عالمية متفاوتة الأهمية في هذا اليوم على مسرح الأخبار العالمية لما تشكله من أهمية في صياغة السياسية العالمية اليوم.

ورغم أنّ هذه الأحداث العالمية تبدو، للوهلة الأولى، غير مترابطة؛ لأنها تأخذ شكل الأقلمة أو المجموعات المعزولة، إلا أنّها تنتهي في مصب واحد هو الترابط الشديد في بحر العولمة الواسع والعميق رغم ما فيه من رواسب من العلاقات الاستغلالية وغير المتكافئة.

قمة مكة لدعم الأردن

بعد أسبوع عاصف من الاحتجاجات الشعبية العنيفة التي شهدها الأردن بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمر بها حالياً بعد قرارات الحكومة رفع أسعار الوقود وفرض مشروع قانون أعدته الحكومة بشأن ضريبة الدخل، كجزء من برنامج إصلاح اقتصادي طلبه صندوق النقد الدولي، والتي انتهت بإسقاط حكومة هاني الملقي وتكليف عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة.

تحركت "سياسة الأقدام الثقيلة" التي تطلق على السياسية الخارجية السعودية؛ حيث دعا الملك سلمان بن عبد العزيز  إلى اجتماع استثنائي في مكة أمس يضم الإمارات والكويت والأردن لبحث سبل دعم الأردن اقتصادياً، بحسب بيان للديوان الملكي السعودي صدر أول من أمس.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية البيان الذي جاء فيه "تابع الملك الأزمة الاقتصادية في الأردن الشقيق وأجرى اتصالات مع الملك عبدالله الثاني ملك الأردن، والشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الإمارات العربية المتحدة وتم الاتفاق على عقد اجتماع يضم الدول الأربع لمناقشة "سبل دعم الأردن الشقيق للخروج من الأزمة الاقتصادية التي يمر بها".

قمة الدول السبع الكبرى في كندا

الحدث الأول اجتماع قمة الدول السبع الكبرى (المعروفة أيضاً باسم مجموعة السبع) أو "جي 7"  التي تضم كندا والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان وألمانيا، في بلدة لا مالباي في مقاطعة كيبيك بكندا.

ويجتمع زعماء الدول السبع، التي تمثل أكثر من 60% من صافي قيمة التجارة العالمية، سنوياً وهذا العام تصدر الاقتصاد والتجارة الدولية أجندة اجتماعات القمة خاصة بعد مواقف الرئيس الأمريكي ترامب السلبية من حرية التجارة . الأمر الذي دفع رئيس المجلس الأوروبي، دونالد تاسك، إلى القول بأنّ موقف الرئيس الأمريكي بشأن التجارة وتغير المناخ والقضية الإيرانية يشكل خطراً حقيقيّاً. مضيفاً أنّ ما يثير القلق هو حقيقة أنّ النظام الدولي المرتكز على حكم القانون يواجه مخاطر، والأغرب هو أنّ الذي يشكل هذا الخطر ليس المشتبه فيهم المعتادين، لكن مهندس (هذا النظام) وداعمه الرئيسي المقصود أمريكا- ترامب!

وعلى جدول القمة هذا العام خمس قضايا هي:  النمو الاقتصادي الشامل، والمساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، والتغير المناخي والمحيطات وتوفير الوظائف في المستقبل.

سيطرت ثلاثة أحداث عالمية متفاوتة الأهمية في هذا اليوم لما تشكله من أهمية في صياغة السياسية العالمية اليوم

ظهرت الخلافات بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وقادة مجموعة الدول الصناعية السبع جلية في قمتهم المنعقدة هذه الأيام في كندا؛ حيث طالب ترامب إعادة روسيا إلى مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، قائلاً: "أتعلمون، سواء كنت تحب هذا أو لا وربما لا يكون أمراً صحيحاً من الناحية السياسية، لكنْ أمامنا عالم نديره، وفي مجموعة السبع الكبرى، التي اعتدنا أن تكون الثمانية الكبرى، قد طردوا روسيا... عليهم أن يسمحوا لروسيا بالعودة مرة أخرى" وذلك بعد استبعادها بسبب ضمها شبه جزيرة القرم إلى أراضيها العام 2014.

وكانت المجموعة، تضم 8 دول منذ العام 1998، لكن الدول الأعضاء قررت عدم الحضور إلى القمة في سوتشي العام 2014، بسبب الأوضاع في القرم، والتقت في بروكسل دون روسيا. وغالبية قادة الدول السبع الكبرى يعتقدون بأنّ قرار استبعاد روسيا من المجموعة العام 2014 كان قراراً صحيحاً آنذاك وحتى اليوم. وأكدت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، أنّ أعضاء الاتحاد الأوروبي المشاركين في القمة متفقون على أنّه ينبغي ألا يحدث ذلك.

المثير في الأمر؛ أنّ موسكو تبدو غير مبالية بشأن العودة مرة أخرى. فعلى سبيل المثال؛ قال بوتين في حديث نشره موقع "فيستي الروسي": "يمكننا النظر بطرق مختلفة إلى قرارات الولايات المتحدة ورئيسها، وهناك الكثير من الأشياء التي تستحق النقد. ولكن توجد نقطة سبق وتحدثت عنها بالفعل وهي أنّ ترامب ينفّذ وعوده الانتخابية. أحد الوعود، كان تحسين العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. وآمل أن يتحقق ذلك أيضاً، وأنا أرى الآن أنّ الكرة في ملعب الجانب الأمريكي".

 تاسك: موقف ترامب بشأن التجارة وتغير المناخ والقضية الإيرانية يشكل خطراً حقيقيّاً

وقال متحدث باسم الكرملين إنّ بلاده متهمة بـ "صياغات أخرى" بعيدة عن مجموعة السبع الكبرى. وقال لافروف في مقابلة مع قناة "روسيا 1" بثت أول من أمس، إنّ "شركاء روسيا الغربيين هم من اتخذوا قرار إيقاف مشاركة روسيا في مجموعة السبعة.

وأنّ الجانب الروسي "يعمل جيداً في إطار صيغ أخرى، بما فيها منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس، ومجموعة (جي20) التي يشاطر أعضاؤها مواقف روسيا. وتبدو واعدة ومهمة أكثر من مجموعة السبع.

يذكر أنّ الكرملين كان قد أعلن أول من أمس أنّ اتصالاً هاتفياً جرى بين بوتين والرئيس الأمريكي ترامب، بحثا خلاله إمكانية عقد لقاء بينهما في العاصمة النمساوية فيينا.

ما يثير القلق هو حقيقة أنّ النظام الدولي المرتكز على حكم القانون يواجه مخاطر

وتحدثت وسائل إعلام مؤخراً بأنّ النمسا أبلغت الولايات المتحدة عن استعدادها لاحتضان لقاء قمة بين الرئيسين؛ فلاديمير بوتين ودونالد ترامب على أراضيها.

يبدو أنّ هذا أسلوب مقصود من دونالد ترامب لصرف الانتباه عن حرب التصريحات المتبادلة مع بقية قادة مجموعة السبع بشأن أجندة الاقتصاد والتجارة والسياسات الحمائية.

ربما لا تعجب ترامب فكرة المجموعة كلية، فقد كان آخر من وصل، وأول من غادر ما يعني أنّه سيفوت بعضاً من المواضيع التي ستناقشها القمة،  متجهاً إلى ساحة دولية أخرى في سنغافورة لعقد "قمته التاريخية" مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جون أون.

قمة منظمة شنغهاي

بالتزامن مع قمة الدول السبع في كندا عقدت القمة الثامنة عشرة لمنظمة شنغهاي للتعاون أيضاً في نفس التاريخ 9 حزيران (يونيو) 2018، في مدينة كينغداو الساحلية في شرق الصين. في ظروف استثنائية، فتجمع قادة روسيا وإيران والصين تزامناً مع ارتفاع حدة التوترات التجارية بين بكين وواشنطن من جهة، ومع الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي ورغبة طهران بطلب دعم بكين وموسكو لها لإنقاذ الاتفاق من جهة أخرى. وتضم منظمة شنغهاي للتعاون من بين أعضائها أربع جمهوريات سوفييتية سابقة من آسيا الوسطى هي؛ أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان وعضوين جديدين هما؛ الهند وباكستان.

النمسا أبلغت الولايات المتحدة عن استعدادها لاحتضان لقاء قمة بين الرئيسين بوتين وترامب على أراضيها

وتعتبر موسكو وبكين منظمة شنغهاي للتعاون وسيلة للتصدي للنفوذ الأمريكي ولحلف شمال الأطلسي؛ فالمنظمة التي أنشئت في عام 2001 من أجل حل المشكلات الحدودية، لم تعد في الظل، وفق تعبير بوتين في تصريح أدلى به للتلفزيون الصيني.

روحاني هو ثاني رئيس إيراني يشارك في قمة منظمة شنغهاي؛ حيث تحظى إيران بوضع مراقب. وجاء لطلب دعم بكين وموسكو لإنقاذ الاتفاق النووي والوقوف في وجه التهديدات الأمريكية والتحرشات الإسرائيلية المستمرة، والصراع مع السعودية.

من جهتها؛ تسعى الصين الى الاستفادة من القمة للدفع بمشروعها الكبير للبنى التحتية "طرق الحرير الجديدة"، في وقت لا تزال تحت تهديد فرض رسوم جمركية أمريكية، ما سيشكل مقدمة لاحتمال شن حرب تجارية مع أمريكا.

قد تبدو هذه الأحداث العالمية الثلاثة أعلاه منفصلة الدلالة لغير المهتم بكيفية عمل آليات سيرورة العولمة حالياً. لكنها مترابطة ومتشابكة في العمق وتؤثر في بعضها البعض خاصة في المجالين؛ السياسي والاقتصادي.

الأردن يعاني من أزمة اقتصادية سياسية قد تدفعه للبحث عن حلفاء مثل؛ إيران وروسيا

مثال بسيط على ذلك؛ إنّ مصالح أمريكا مرتبطة بمصالح السعودية والإمارات بموضوع محاصرة  إيران وروسيا والصين.

الأردن يعاني من أزمة اقتصادية سياسية خانقة قد تدفعه للبحث عن حلفاء يرحبون به مثل؛ إيران وروسيا. لذلك يبدو أنّ من مصلحة السعودية والإمارات قطع الطريق على أي محاولة من إيران لكسب الأردن إلى طرفها.

وفي النهاية هذا يصب في مصلحة أمريكا في صراعها مع إيران وروسيا والصين، التي ترى أنّه من مصلحتها التحالف ضد أمريكا.

أما أوروبا فترى أنّه من المفيد لها التحالف حتى ضد أمريكا وروسيا في المجال الاقتصادي، وفي الوقت الذي لاتزال تدعم فيه الاتفاق النووي مع ايران التي تتحالف مع روسيا والصين، إلا أنّها تعارض بشدة عودة روسيا إلى مجموعة السبع. 

المحصلة؛ أنّ كل العناصر التي تدخل النظام العالمي الحالي مترابطة، حتى وإن بدا هذا النظام، أحياناً، جزراً معزولة وخاضعاً للصراعات، إلا أنّه في النهاية بفعل سيرورة العولمة يخضع إلى آليات ترغمه وتدفعه إلى التعاون والتشابك أكثر من التفتت.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية