أردوغان يتخلى عن اللاجئين السوريين والشرطة التركية تطاردهم في الشوارع

اللاجئون السوريون

أردوغان يتخلى عن اللاجئين السوريين والشرطة التركية تطاردهم في الشوارع


25/07/2019

في الحادي عشر من الشهر الجاري، اجتمع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بـ "هيئة القرار المركزي" في حزب "العدالة التنمية"، لتقييم نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة. وخلال الاجتماع؛ صرّح بأنّ حكومته ستتخذ خطوات جديدة فيما يخصّ اللاجئين السوريين في تركيا، تتضمن ثلاثة ملفات، هي: التشجيع على العودة إلى سوريا، وترحيل مرتكبي الجرائم، واقتطاع الضرائب في المشافي.

اقرأ أيضاً: تركيا تتخذ خطوات جديدة تجاه اللاجئين السوريين.. أبرزها
لم يتوقّع السوريون الموجودون أن تتمّ ترجمة هذه التصريحات بسرعة على أرض الواقع؛ إذ بعد الاجتماع الأخير بأيام قليلة، بدأت عناصر من قوات الشرطة والأمن في تركيا، تنتشر في الشوارع، وفي أماكن تجمعات السوريين، وشنّت حملة مداهمات للمحلات السورية، للتدقيق في إقامات السوريين، وتراخيص العمل، كما أنّها بدأت توقف السوريين في الشوارع، وتعتقلهم في حال وجدت أيّة مخالفة في الإقامة التي يحملونها، وتحتجزهم في مراكز الشرطة، ومن بعدها يجبرونهم على التوقيع على ورقة معينة، ومن ثم يجري ترحيلهم إلى الشمال السوري.

بعد الاجتماع الأخير بأيام قليلة بدأت عناصر من قوات الشرطة والأمن في تركيا تنتشر في الشوارع
أصابت هذه الحملة، والتي ما تزال مستمرة، الذعر في أوساط السوريين في تركيا، وأغلب المحلات السورية أغلقها أصحابها، واختبأوا في بيوتهم، خوفاً من الترحيل.

اللاجئون السوريون بالأساس عبارة عن ورقة بيد الحكومة في تركيا تلعب بهذه الورقة بحسب التغييرات السياسية في المنطقة

وكانت الفترة الأخيرة في تركيا قد شهدت توتراً سياسياً داخلياً، جعل شرائح متنوعة من المجتمع التركي، تنفر من وجود السوريين في تركيا، والتي تعود أسبابها لتردي الوضع الاقتصادي في تركيا، مما جعل وضع اللاجئين السوريين في تركيا يتحوّل إلى ورقة سياسية، استخدمتها الأحزاب المعارضة لتجذب الشارع التركي إليها في الانتخابات المحلية، التي جرت مؤخراً في تركيا، وخسارة حزب العدالة والتنمية لولايات في تركيا، على رأسها ولاية إسطنبول.
وفي حملة الترحيلات العشوائية للاجئين، والتي أتت هذه المرة بإرادة علنية، من خلال تصريحات أردوغان الأخيرة، التي وصفها كثير من المتابعين السوريين على مواقع السوشيال ميديا بـ "التهجير القسري"، ينتهي المشهد "الحميمي" الذي كان يروّج له الرئيس التركي إعلامياً، بخصوص اللاجئين السوريين في تركيا، والذي كان سابقاً يرفض وصف السوريين الموجودين في تركيا بـ "اللاجئين"؛ بل كان يفضّل وصفهم بـ "المهاجرين".

اقرأ أيضاً: ..وقطاع غزة أيضاً يضيق باللاجئين السوريين
وفي خضمّ ردود أفعال كثيرة من سوريين، تندّد بحملة الترحيلات، نشر ملهم الدروبي، وهو قيادي بارز في جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، منشوراً على الفيسبوك وتويتر، قال فيه: "استقبلت في بيتي ضيفاً وقمت بواجبي نحوه فترة طويلة، أعامله كما أبنائي، بل أحياناً أفضّله عليهم، لكنّه –للأسف- لا يحسن التصرف، جهلاً منه أو طمعاً من ذويه، وقد طال العهد وضاقت ذات يدي وهو لا حسّ ولا ذوق، بماذا تنصحوني أن أفعل؟"، وقد أثار هذا المنشور غضباً عارماً ضمن أوساط السوريين، وردّات فعل غاضبة على مواقع السوشيال ميديا؛ إذ فُهم من هذا الكلام الذي جاء على لسان أبرز قياديي الإخوان في سوريا، على أنّه مباركة وتأييد لحملة الترحيل، ومحاباة لحزب "العدالة والتنمية" بقيادة أردوغان، وأن يقف سوريّ ضدّ معاناة سوريين، قد فاقت توقعات سوريين كثر، وتساءل كثير من السوريين؛ هل يعدّ منشور ملهم الدروبي، ورأيه بما حدث، موقفاً رسمياً من الإخوان المسلمين؟

منشور ملهم الدروبي القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين في سوريا
وبعد انتظار موقف رسمي من جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، نشرت الأخيرة تصريحاً رسمياً على موقعها، جاء فيه: "نؤكّد أنّ التعبير عن الرأي الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا يتم من خلال البيانات والتصريحات الرسمية للجماعة، وأنّ ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي عن رأي الأخ ملهم الدروبي حول تنظيم أمور المهاجرين في تركيا، يعبّر عن رأي شخصي لا توافقه الجماعة عليه وتستنكره.

اقرأ أيضاً: تركيا ترحّل لاجئين سوريين لإثبات روايتها بمحاربة الإرهاب!
ونحن إذ نشكر تركيا على حسن ضيافتها للمهاجرين، فإنّنا نؤكّد أنّنا نتعاون مع الخيّرين من أبناء وطننا للتخفيف من معاناة المهاجرين السوريين وإيجاد الحلول المناسبة للحفاظ على حقوقهم وعلى أمن واستقرار هذا البلد المضياف".
لم يلقَ التصريح الأخير للإخوان ترحيباً واسعاً؛ إذ لم يُعد سوى تبرّؤ من منشور ملهم الدروبي، وقد استعمل الإخوان التوصيف نفسه الذي يستخدمه أردوغان "المهاجرين"، بينما على أرض الواقع، وفي تلك اللحظة تحديداً، كان السوريون في تركيا يعاملون معاملة أسوأ من معاملة "اللاجئين".
بطاقة "الكمليك"
أغلب من جرى ترحيلهم خارج تركيا في الأيام الأخيرة، كان بسبب، تأخّرهم في إصدار "بطاقة الحماية المؤقتة للاجئ"، والتي تعرف باسم "الكمليك".

اقرأ أيضاً: التوظيف التركي لقضية اللاجئين السوريين
فادي خليل (اسم مستعار) شاب سوري مقيم في إسطنبول، هو وزوجته وطفلته، يقول لـ "حفريات": "فيما يخصّ بطاقة الإقامة المؤقتة لحماية اللاجئ في تركيا، المعروفة بـ "الكمليك"، تفترض أن يكون هناك حجز مسبق للموعد "أون لاين"، هناك أناس كُثر يلجأون إلى مكاتب معينة لحجز موعد لتقديم طلب الحصول على بطاقة "الكمليك"، مقابل مبلغ مالي، وسعر الحجز بالمكاتب يرتفع وينخفض ما بين مكتب وآخر، وهناك تشديدات وتضييقات كبيرة للحصول على "الكمليك"، كما أنّ الحالة المزاجية للموظف، تلعب دوراً كبيراً في حصولك على الإقامة أو رفض طلبك.

لاجئون سوريون أثناء احتجازهم قبل الترحيل
من الممكن مثلاً أن تجد موظفاً يوجه لأحد المتقدمين لطلب "الكمليك" سيلاً من الشتائم والألفاظ النابية، ولا يمكن التنبّؤ بردّة فعله، ودائماً توجد حالة قلق عند كثير من السوريين في تركيا، بسبب موضوع الإقامة".
ويتابع فادي: "وقد زاد التشديد على موضوع الإقامات بشكل عام في الأيام الأخيرة في تركيا، فيجب عليك أن تشرح لماذا أنت مقيم في تركيا؟ وما مصدر دخلك؟ وهذه مشكلة أخرى؛ إذ إنّ أغلب السوريين الموجودين في تركيا لا يملكون "إذن عمل"، لأسباب كثيرة تتعلق بأنّ إذن العمل يكلف مبالغ كبيرة، ومؤخراً، أي منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، تم إيقاف أذونات العمل، بسبب القرارات الجديدة التي صدرت، وبسبب أنّهم رأوا أنّ هناك شركات وهمية كثيرة.

اقرأ أيضاً: دولة وحيدة في العالم لم تعزل اللاجئين بالمخيمات.. تعرف إليها
أما مشكلة "الكمليك"؛ فتتمثل في أنّ هناك كثيراً من السوريين، حصلوا على بطاقة الكمليك من ولايات تركية صغيرة، قريبة من الحدود السورية، وهذه الولايات لا توجد فيها فرص عمل، فيلجأ السوريون إلى إخراج بطاقة "الكمليك من تلك الولايات، وينتقلون للعيش في إسطنبول؛ لأنّ فرص العمل فيها متاحة أكثر.
يردف فادي: "التشديد الذي يحدث حالياً، هو أنّ كلّ شخص يحمل بطاقة كمليك ولاية غير إسطنبول. يفترض قانونياً، وضمن الإجراءات الجديدة، أن يعود للولاية التي جاء منها، لكنّ تعامل الشرطة وقوى الأمن التركية مع السوريين، هو الذي يتسبّب في إحداث المشاكل؛ فهناك كثير من السوريين، يحملون بطاقة "الكمليك" من أماكن أخرى غير إسطنبول، لكن بدلاً من إرجاعهم للولايات التي جاؤوا منها، تمّ ترحيلهم إلى سوريا.
ومن ناحية أخرى؛ هناك كثير من اللاجئين السوريين، يعانون ظروفاً معيشية صعبة، لم يستطيعوا استخراج بطاقة كمليك، وزوجتي من بين هؤلاء؛ فقد رفضوا منحها الإقامة، واليوم يرفضون منحها بطاقة "كمليك"، وينسحب ذلك على ابنتي؛ إذ إنّه لا يمكنها استخراج إقامة على إقامة والدها، أي إقامتي، بل يجب إصدار إقامة على إقامة والدتها، وخصوصاً إن كانت الإقامة "كمليك".

اقرأ أيضاً: "داعش" يستغل "الأطفال اللاجئين"
ويضيف: "هناك كثيرون غير قادرين على استخراج بطاقة كمليك، والإجراءات جاءت بشكل مفاجئ، كذلك القبض على الناس بالشوارع وفي أماكن عملهم بشكل عشوائي، فمن المفترض أن تعطي الحكومة للمخالفين فترة زمنية لإصلاح أمورهم القانونية، بالتزامن مع الإجراءات الجديدة.
هناك كثير من الناس لا يستطيعون الذهاب إلى محافظة إدلب، أو تلك المناطق التي يجري ترحيلهم إليها، لأسباب كثيرة، كما أنّ وضع الشمال السوري لا يخفى على أحد، كما أنّ الحكومة بالأصل أوقفت بطاقة "الكمليك"، وكي نستصدر بطاقة كمليك، عليك، رغماً عنك (كلاجئ سوري)، اتباع أساليب ملتوية، سواء عن طريق الذهاب إلى ولاية أخرى، أو عن طريق السماسرة، والمبلغ الذي يتقاضاه هؤلاء "يبدأ من 250 دولاراً وأنت طالع!"، وفق الولاية أو المنطقة التي تختارها.

اقرأ أيضاً: اللاجئون كضحايا لأنفسهم: في نقد النقد الطائفيّ!
ويرى فادي أنّ هذه التغييرات المفاجئة تعود أهم أسبابها إلى أنّ اللاجئين السوريين، بالأساس، عبارة عن ورقة بيد الحكومة في تركيا، تلعب بهذه الورقة بحسب التغييرات السياسية في المنطقة، سواء فيما يخصّ الداخل التركي، أو الخارج؛ كالضغط على الاتحاد الأوروبي، لافتاً إلى أنّ؛ نتائج الانتخابات الأخيرة أعطت الحزب الحاكم في تركيا (حزب العدالة والتنمية)، صفعة كبيرة، ولم تعد لديه الشعبية التي كانت من قبل، وأحد وسائل إرضاء الشارع التركي الذي انقلب عليه، هو التضييق على اللاجئين السوريين، وترحيل جزء منهم، وكأنه يقول للشارع: "السوريون زاعجينكم؟.. رح نرحل السوريين".

نبرة قومية
ويلفت فادي إلى مشكلة أخرى "تضاف إلى جملة المشاكل التي يواجهها السوريون في تركيا، وهي (نبرة القومية) التي ما تزال موجودة ضمن خطاب المجتمع في تركيا، هم ليسوا أوروبيين، ولا شرق أوسطيين، هم في منطقة وسطى، وهم يرفضون بالأساس وجود العربي في تركيا، عندما استقبلت تركيا السوريين في البداية، استقبلتهم بشكل إنساني، أما اليوم؛ فلم تعد مضطرة لذلك، لأسباب كثيرة، أبرزها الإجراءات الاقتصادية التي اتبعها أردوغان في الفترة الأخيرة.

حين يسأل اللاجئ على ماذا يوقّع يتم صفعه على وجهه وضربه مباشرة وخلال يومين يكون قد أصبح في إدلب

ويعتقد بأنّ ارتفاع الأسعار، وانهيار الليرة التركية مقابل الدولار، "زادا الخناق على الشعب التركي، إضافة إلى الاتفاقات الأخيرة مع روسيا، والمنطقة الآمنة التي تريد تركيا ترحيل السوريين عليها، والتهديدات الجديدة، فيما يخصّ الدخول إلى منطقة "تل أبيض" في سوريا، والمعارك المحتملة التي من الممكن أن تحدث هناك، كل هذه التغييرات السياسية والعسكرية، مرتبطة ببعضها البعض، ولا يمكن فصلها، باعتقادي".
أما زياد محمد (اسم مستعار)؛ فقد اعتُقل أخوه من محلّه لبيع المنتجات الغذائية، الذي يعمل به في منطقة "إسنيورت" في إسطنبول، وأُجبر على التوقيع على ورقة، وُرحِّل إلى إدلب.
يقول زياد لـ"حفريات": "الموضوع بسيط جداً، مثلما سمعتم من كلّ الناس، نحن يتمّ طردنا من تركيا بالإجبار، ورغم أنّه قيل في بعض الصحف والقنوات الإعلامية إنّ الترحيل توقّف، إلّا أنّ الترحيل ما يزال سارياً حتى هذه اللحظة".
ويتابع: "عناصر الشرطة دخلت عند أخي في مكان عمله، وسألوه: هل لديك بطاقة "كمليك"؟ أعطنا إياها؟ وحين اكتشفوا أنّ بطاقة "الكمليك" ليست تابعة لمحافظة إسطنبول، وضعوه في سيارة الترحيلات، وهناك أشخاص جرى ترحيلهم فقط؛ لأنّهم نسوا بطاقة "الكمليك" في المنزل، رغم أنّ بطاقة الكمليك التي يمتلكونها رسمية، ومن محافظة إسطنبول، ثمّ أدخلوهم إلى مركز الشرطة، وأجبروهم على التوقيع على ورقة مكتوبة باللغة التركية، وحين يسأل اللاجئ على ماذا يوقّع؟ يتم صفعه على وجهه وضربه مباشرة، وخلال يومين يكون قد أصبح في محافظة إدلب.
وأثناء حديثنا مع زياد، ذكر لنا أنّه في هذه اللحظة، جاءت سيارة شرطة تركية كبيرة، حمّلوها بشباب سوريين ورحّلوهم.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية