الأطفال في التنظيمات الإسلامية.. حراسة كوابيس الظلامية!

الأطفال في التنظيمات الإسلامية.. حراسة كوابيس الظلامية!


19/05/2020

تمرّ ظاهرة الإسلاميين اليوم أمام أعيننا، وتشكّل جزءاً كبيراً من الحاضر، ومن المتوقع أن تشكّل جزءاً كبيراً أيضاً في المستقبل، ولأنّ المستقبل ملك أبنائنا، وجب علينا أن نحاول فهم هذه الظاهرة، لهذا من الضروري أن نعرف كيف تنشأ هذه الجماعات، ولماذا تنمو، وعلى أي شيء تتغذى، وما مصير أفرادها، وأين تذهب أفكارها، وهل ستظهر مرة أخرى أم لا؟

من المعروف أنّ جميع التنظيمات السرية الأيديولوجية، ومنهم الإسلاميون، حريصون على توريث فكرتهم لجيل تالٍ لهم، ويتخيّرون من خلصائهم من يصلح حارساً للفكرة، أميناً عليها، فالخوف من القضاء على فكرتهم واندثار تنظيمهم، هاجس يؤرق قادة التنظيمات الإسلامية، ومن ثمّ يدفعهم إلى التشبث بالبقاء، ومعركة البقاء تمثل تحدياً كبيراً لهم، يكرسون جهودهم للانتصار فيها، وأولى خطواتهم للانتصار في معركة البقاء ضمان فئات مختلفة تتشرب فكرتهم، لهذا يهدفون بإصرار لضمّ أعداد كبيرة من الشباب، وحديثي السنّ، لتكون الظهير (العمري) لتنظيمهم، والضمانة الأولى في حمل وتوريث الفكرة، والخطوة الثانية هي التربية المقصودة، فتراهم يلقنون هؤلاء الشباب أو الأطفال أفكارهم، ويغرسون فيهم الانتماء للتنظيم وللفكرة، لا فرق في هذا بين الإخوان المسلمين، أو السلفيين، أو حتى داعش، الكل مهموم بقضية التوريث، والكلّ اتفق أن يحملها لمن بعده، عبر تلقينها لمن بعدهم للشباب والأطفال، ففي السلفية التنظيمية يوجد قسم للطلاب وللأشبال، وفي الإخوان المسلمين قسم كبير للطلاب وللأشبال، أما داعش فتسمّي قسم تربية الأطفال "أشبال الخلافة".

جميع التنظيمات السرية الأيديولوجية، ومنهم الإسلاميون، حريصون على توريث فكرتهم لجيل تالٍ لهم

ولعلّ محاول الإجابة عن أسئلة مثل: لماذا يلجأ الإسلاميون جميعاً إلى تكوين قسم للأشبال؟ أو كيف تتم تربية هؤلاء الأشبال؟ أو ما مستقبل كلّ من تلقّى تربية على أيدي هذه التنظيمات؟ تكشف لنا هذا الجانب المخفي عن الأعين، أما لماذا الاهتمام بجذب وتجنيد الأطفال تحديداً؛ هذا يرجع إلى أنّهم أسهل في القيادة، وأنّهم أكثر حفظاً للمواقف، ويمكن تكوين عقدة الولاء والبراء لديهم بشكل مباشر، وهم يصلحون أن يكونوا الرصيد الاحتياطي، الكامن في المجتمع، والجاهز للتعبير عن نفسه في غضون سنوات قليلة، وحتى هؤلاء الأطفال الذين لا يستمرّون في الانضمام والعضوية، لا يمكن أن يتخلّوا عن ذكرياتهم الجميلة مع قادتهم، فأسلوب التعامل مع هذه الفئة يتطلب، أولاً، اختيار شخص محبوب هادئ رصين، يستميل قلوب الأطفال، ثانياً: قادر على أن يشغل أوقات فراغهم دائماً، وقادر على أن يثير حماستهم، ويثقوا في صدق كلّ كلمة ينطق بها، يشعرهم هذا المسؤول أنّهم مهمّون جداً، وأنّهم كبار في التنظيم، عبر مصاحبتهم للقادة في بعض العمليات، أو القيام بعمليات قتل الأسرى، بالتالي، تضيع منهم الرهبة من أعمال الكبار مثل؛ تنظيم داعش، أو يجعلونهم يؤذّنون للصلاة في حضور الشيوخ الكبار، وربّما يجعلون منهم من يؤمّونهم في الصلاة (السلفيين)، أو يتقدمون صفوف المسيرات والهتاف، ولعلّ مسيرات أشبال الإخوان في "رابعة" أكبر دليل على ذلك، وفي حمل الرسائل إلى الشخصيات الخطيرة، وفي شحذ همم الكبار، ويقومون بتوزيع المنشورات الخطيرة، ويجعلونهم يتبنون خطاباً أكبر من سنّهم، مما يرضي كثيراً من الأطفال، فيشعرون بتميزهم، وبأنّهم أكبر من أقرانهم (الإخوان المسلمين).

هذه الإستراتيجية في التعامل مع الأطفال، يستخدمها كلّ الإسلاميين، يختلفون فقط في طريقة التوظيف، وهذا عائد لدور كلّ تنظيم في الظاهرة الإسلامية، أنّ تقديم نموذج الطفل الكبير أو (مشروع شهيد)، أو (الطفل المقاتل)، أو (الطفل الإمام)، داخل التنظيم، يجعل من الطبيعي لهذا الطفل أن يتوحّد مع الفكر الذي شعر فيه بأهميته، وتظلّ موجودة بداخله، يؤمن بها، ويحرسها، فالأشبال الذي تربّوا وسط  التيار السلفي (سواء أبناء أعضاء في التيار السلفي أو من المقربين لهم)، عبر تلقّيهم وعياً دينياً خاصاً وممنهجاً في مدارس السلفيين غير الرسمية، حتماً سيلتحق بهم عدد غير قليل بعد نضوجهم؛ ففي هذه المساجد تلقّوا أفكار السلفيين دون تشدّد، حتى لا ينفروا من صحبتهم، وقدّموا لهم كافة الإغراءات التي تسمح لهم بالبقاء إلى جوار مسؤوليهم، ساعدهم في هذا أنّهم دون المُساءلة الشرعية، فهم غير مطالبين بإطالة اللحى، وقصّ الشارب، أو تقصير الثوب، أما الأطفال الذين شاركوا آباءهم في تجمّع "رابعة"، أو في المسيرات، تكونت لديهم خبرة شخصية قوية في التمرد، وتكسرت أمام أعينهم الرهبة من الدماء، وتولّدت لديهم الرغبة في الانتقام، لهذا سيسعى هذا الجيل ليكرّر التجربة في المستقبل، وتزداد هذه الرغبة في حالة يكون فيها أحد أقارب الطفل (الشبل) مصاب، أو مقتول في إحدى عمليات الفضّ ضدّ الإخوان، ولعلّ كلمات الحقد والرغبة في الانتقام والثأر، لم تعد كامنة تماماً، فتظهر كثيراً في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي لن تظلّ حبيسة الفضاء الإلكتروني، سيأتي اليوم الذي تخرج فيه لتطلب الدم، سواء بعمليات فردية، أو بالانضمام إلى "داعش"، أو ربما الاستمرار في التنظيم إلى النهاية، أمّا من سينهي علاقته بالإسلاميين ويتركهم، من هؤلاء الأطفال، دون أن يكون له وعاء فكري جديد ينتمي إليه، فهم أول من تكون لديه الجاهزية للانضمام إلى الإخوان ثانية، أو على الأقل هم على قائمة الضمّ للجماعة؛ لأنّهم معرَّضون للوقوع فريسة للتجنيد، أو التوظيف، في الحد الأدنى من درجاته، في أية فترة من فترات حياتهم المختلفة؛ لأنّ الأطفال، ببراءتهم المعروفة وإيمانهم النقي، يجعلهم لا يتخلّون عن فكرة آمنوا بها وصدقوها في طفولتهم، أو على الأقل سيستمرون بحمل الودّ والاحترام لهم، ويتعاطفون معهم دائماً، ويغلقون عقولهم عن تصديق أيّة حقيقة ضدّهم، ما يمثّل شرخاً في حائط المجتمع، أمّا الأطفال الذين تلقّوا وعيهم في داعش، أو الجماعات القتالية المسلحة، فوضعهم أشدّ تعقيداً، فتنظيم داعش لا يكتفي بالتربية الدينية وحفظ القرآن؛ بل يشرك الأطفال في العمليات القتالية، ويدربهم على حمل السلاح؛ بل يكافئهم بأن يسمح للمتميزين بتنفيذ عمليات الإعدام للكفرة بنفسهم، وأجيال "داعش" أكثر خطورة، وأكثر ميلاً للعنف؛ ففي سوريا وحدها أكثر من ألف ومئتي طفل انتموا إلى أشبال الخلافة، خلال عام 2015، وفي الموصل بلغت أعدادهم 900 طفل، كما كانوا يتفاخرون على مواقعهم بقدرتهم على تجنيد 4500 طفل، خلال عام، في نينوى وحدها، من غير أبناء التنظيم، فهل سيتمكن هؤلاء من التخلص من الرعب ونسيان مناظر الدماء التي كانوا طرفاً فيها، أو التخلص من خبرتهم في استخدام الأسلحة أو تجرئهم على القتل، أو الفكاك من أسر الفكرة التي تلقوها وهم صغار؟!

تنظيم داعش لا يكتفي بالتربية الدينية وحفظ القرآن؛ بل يشرك الأطفال في العمليات القتالية، ويدربهم على حمل السلاح

على كل الأحوال، إنّ وجود أطفال في التنظيمات الإسلامية، يجعل الحلم طازجاً دائماً، وجاهزاً للتطبيق، فهذه الأفكار التي تلقوها وهم صبية، ستلازمهم لفترة طويلة، بهذا يضمن الإسلاميون أنّ بذورهم ستكون منتشرة في المجتمع، وتسمح لهم بالعودة مرة أخرى، ولعلّ تجربتهم في الانكسار، والعودة ثانية أكسبتهم خبرة في التعامل مع مثل هذه الانكسارات عبر أطفالهم، أما الذين سيستمرون في التنظيم، فهم أبعد ما يكونون عن المراجعات، فالوفاء لمن قتل في ساحات الوغى يمنعهم من مجرد التفكير في صحة وصدق ما كانوا عليه، قد يكون انتماء الأطفال إلى تنظيم الإخوان أو السلفيين، لا يشكّل خطراً ظاهراً للمجتمع، إلّا أنّه يصبح خطراً واضحاً للعيان، إذا كان الانتماء لصالح تنظيم داعش، والملتحقين بداعش من شباب الإخوان والسلفيين، يكشف إلى أيّ مدى يمكن أن تسبّب علميات التجنيد المبكرة إلى تحوّل الطفل البريء، من مشروع مواطن متحضّر، إلى مشروع إرهابي جاهز، والله اعلم.

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية