خريطة الإرهاب في الشرق الأفريقي.. الدوافع والتحديات

خريطة الإرهاب في الشرق الأفريقي.. الدوافع والتحديات


31/01/2018

شهدت إفريقيا في العقد الأخير، تطورًا ملحوظًا في قضية الارهاب، متمثلاً في تزايد الحركات والجماعات، وارتفاع نسبة العمليات الإرهابية، من أقصى الساحل الإفريقي بالغرب إلى أقصى الساحل الإفريقي في الشرق، حيث انتشار معظم هذه الجماعات، وان كان لا يقتصر هذا الانتشار المرعب للإرهاب في القارة على منطقة بعينها، بل لا تخلو منطقة من مناطق القارة من وجود تهديد إرهابي، فهناك أكثر من 5000 إفريقي من جنسيات مختلفة ينشطون مع الجماعات الإرهابية في القارة وفي مناطق النزاعات المسلحة الأخرى، إذ تضم 64 منظمة وجماعة إرهابية ينتشر معظمها في شرقها. ومع ذلك يمكن القول إن قوَّة وفاعلية الجماعات الإرهابية في القارة تختلف من منطقة إلى أخرى، كما أن تداعياتها أيضًا تختلف من دولة إلى أخرى.
فظاهرة الإرهاب في إفريقيا، تتطور حسب تطور حركة التفاعلات السياسية والاقتصادية الكبرى في القارة، إذ تأثر تطور ظاهرة الإرهاب إلى حد بعيد بالموروث الاستعماري والنشأة الاصطناعية للدولة في إفريقيا، كما تداخل الإرهاب مع ظواهر وتطورات أخرى، مثل الحروب الثورية، والحروب الأهلية، والحروب بالوكالة وغير ذلك، بحيث كان الإرهاب أحد أشكال العنف المستخدم كجزء من تلك التطورات الكبرى في إفريقيا. وقبل الحديث تفصيلاً عن وضعية ومستقبل الإرهاب في منطقة شرق إفريقيا، لا بد من الإشارة إلى وضعية الإرهاب في القارة التي تعد من أكثر مناطق العالم معاناة من الإرهاب.
وللإرهاب انعكاساته على بلاد الشرق الإفريقي، بسبب تلك الصلة الوثيقة بين الإرهاب وأداء النظام السياسي، وتأتي الانعكاسات الأمنية التي تعتبر هي الأخطر على الإطلاق للعمليات الإرهابية بحكم ما تسببه من حالة انعدام الأمن، وإظهار عجز السلطة الأمنية في الدول المستهدفة عن التصدي للعمليات الإرهابية، وهو ما يتسبب بدوره في إحراج حكومات تلك الدول بشدة.
وتعتبر الانعكاسات الاقتصادية للعمليات الإرهابية من بين الانعكاسات الأكثر وضوحًا وتأثيرًا على الدول المستهدفة، بحكم ما تتركه تلك العمليات من آثار مباشرة على حركة الأفراد والأموال، فضلاً عن تأثيرها على المناخ الاستثماري بها، ويكون قطاع السياحة الأكثر تضررًا في الدول بالنظر إلى أن أغلب العمليات الإرهابية تستهدف السياح الأجانب والمناطق السياحية. كما تؤدي العمليات الإرهابية إلى توجيه مخصصات أكبر لأغراض الأمن والدفاع بما يمثل استقطاعًا من الموارد التي يمكن توجيهها نحو أغراض تنموية أخرى.

حركة الشباب.. الإرهاب المحلي في بلاد الشرق الإفريقي

ورغم عودة الاهتمام الإفريقي بقضايا مكافحة الإرهاب إلى فترة طويلة مضت، فإن هذا الاهتمام ظل يتطور ببطء شديد على الساحة الإفريقية، وهو ما ينطبق على منطقة شرق إفريقيا، التي شهدت تطورًا في ظاهرة الإرهاب إلى مستويات نوعية بالغة الخطورة. فالعمليات الإرهابية التي وقعت على أراضيها مؤخرًا، تشير إلى أن الإرهاب فيها ينقسم إلى قسمين: الأول يعتبر “إرهابًا وافدًا”، يسعى إلى استخدام الأراضي الإفريقية لتنفيذ مخططاته ضد دول خارج إفريقيا، وهو ما سمي بـ”الإرهاب الدولي”، والثاني هو “الإرهاب المحلي” الذي يجري في إطار الحروب الأهلية والصراعات الداخلية المسلحة في إفريقيا.
كما تعدُّ حركة الشباب الصومالية الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة، أخطر تهديد يواجه شرق إفريقيا، إذ استمرت سيطرة الحركة على مناطق واسعة في وسط وجنوب الصومال برغم وجود قوات الاتحاد الإفريقي على أراضيه. إذ تشير التوقعات إلى سيطرة هجمات حركة الشباب المتشددة في شرق إفريقيا، حيث ستستغل نقاط ضعف الحكومة الوليدة في الصومال، وصراعات القوات الموالية للحكومة. بالإضافة إلى شن هجمات معقدة في العاصمة، مقديشو، بعد أن استعادت العديد من المستوطنات التي كانت تحررت ثم تخلى عنها الاتحاد الإفريقي، ومع التركيز على الصومال ستستمر في تنفيذ هجمات انتقامية ضد الدول الإقليمية التي تقود عمليات ضدها في الصومال. كما ستكون كينيا أكثر عرضة للعمليات الإرهابية، وسيمتد التهديد أيضًا إلى إثيوبيا وأوغندا، ومن المحتمل أن تتوسع عملياتها إلى تنزانيا، مُستغلة في ذلك التهميش العرقي والديني من قبل الحكومة العلمانية.
ويرجع السبب في انتشار التنظيمات الإرهابية في منطقة شرق إفريقيا، إلى تضافر العديد من العوامل التي تشجع على إفراز تنظيمات متشددة، منها:
- تردِّي الأحوال المعيشية في الدول الإفريقية، علاوة على الطبيعة الداخلية: الاقتصادية والعرقية والقبلية.
- التدخل الأجنبي في شؤونها، نتيجة البنية الهشة للدول، وعدم الاستقرار السياسي.
- انتشار الجماعات التبشيرية بشكل كثيف، وتداخل الأفكار المتطرفة مع التركيبة التاريخية.
- سهولة التنقل بين الدول.
- الطبيعة الاقتصادية، والاجتماعية، وارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب.
- انتشار تجارة المخدرات، والاتجار بالبشر، وانتشار الأسلحة الخفيفة، والجرائم المنظمة عبر الحدود.
- تفشي العنف والحروب المسلحة.
سبل مواجهة التطرف في شرق إفريقيا

لم يعد المنهج الكلاسيكي لحفظ السلام ومواجهة التطرف في إفريقيا مناسبًا، نظرًا لتاريخ كل بلد، وتجربته وخصوصيته، فعلى الرغم مما اتخذته الكثير من الدول الإفريقية، من إجراءات في مجال مكافحة الإرهاب، عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، كإنشاء مراكز وطنية لمجابهة الجرائم العابرة للحدود، وسن تشريعات قانونية، وتشكيل عناصر أمنية لمناهضتها، فلا تزال خطورة هذا الأمر ترتبط بمحدودية قدرات معظم الدول الإفريقية من منظور القوى الشاملة للدولة، وبالتالي توجد العديد من التحديات المرتبطة بالإرهاب والجريمة المنظمة لا يمكن مواجهتها على المدى البعيد بالخيار العسكري والأمني وحده، ليتحتم على هذه الدول العمل وفق “استراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد” ، تقوم على التالي:
- إطلاق مشاريع تنموية، والإنصاف والعدالة الاجتماعية التي تمثل شرطًا أساسيًا لتحقيق الأمن والسلام.
- دمج المخاطر المرتبطة بالدول المفلسة التي تقع فريسة لجميع شبكات المافيا بسبب غياب سلطة الدولة.
- متابعة دائمة للتعليم والتكوين وخلق فرص العمل.
- التصدي ووقف دعم الحركات والضغط على الدول الداعمة لها، حيث الأنشطة الإرهابية يتم تمويلها دوليًا وليس محليًا.
- الحذر من خطر عودة مجموعات الشباب العائدة من أحضان المجموعات الإرهابية، إلى أوطانها الأصلية في إفريقيا.
- مراجعة الهيكل القاعدي لشبكة الإنترنت، باعتبارها مصدر التحريض على الإرهاب.
- اعتماد إجراءات موحدة لتبادل المعلومات الاستخباراتية، والبيانات والتجارب والمعارف لتحقيق الأمن والاستقرار.
- القضاء على النزاعات، عبر استراتيجية شاملة تتضمن منع انتشار الأسلحة الصغيرة والكبيرة، ووضع نظام إنذار مبكّر للمخاطر المحتملة.
وأخيرًا يجدر بنا القول، أن قضية الإرهاب في إفريقيا، حاملة لأبعاد خاصة تتجاوز التقارير الدولية التي وإن اقتربت من التفاصيل كثيرًا، إلا أنها تبتعد عن المعالجات الحقيقية لظاهرة الإرهاب، التي ظلت حتى سنوات قريبة ظاهرة دخيلة على الواقع الإفريقي. هذا الواقع يحمل الكثير من الأزمات والمشكلات التي توفر بيئة خصبة لنمو الأفكار المتطرفة وانتقالها بين مناطق مختلفة من القارة، ومن ثم يمكن القول إن ظاهرة الإرهاب في إفريقيا ترتبط بالأساس بالحروب الأهلية والصراعات الداخلية من ناحية، وبالإرهاب الذي تمارسه الجماعات الجهادية، وأبرزها تنظيم القاعدة من ناحية أخرى.
كما أعطت تحركات الجماعات الإرهابية بين ربوع القارة الإفريقية، فرصًا قيمة للقوى الخارجية للتدخل وفرض تصوراتها عن مواجهة الإرهاب في القارة، وشهدنا كيف تزعمت فرنسا التدخل الدولي في شمال مالي للحفاظ على مصالحها في منطقة الساحل الغنية بالموارد الطبيعية، وأهمها اليورانيوم الذي تعمل من خلاله المصانع الفرنسية. الأمر ذاته بالنسبة للولايات المتحدة التي تحاول الابتعاد عن التدخل العسكري الخارجي في الصراعات بعد خبرتها في أفغانستان والعراق، إلا أنها تعمل على استثمار التدخلات الدولية في القارة الإفريقية بما يزيد من حضورها ويحقق أهدافها.

عن"بوابة الحركات الإسلامية"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية