"داعش" وإستراتيجية الاختفاء وتكوين البؤر في العراق (2-2)

العراق وداعش

"داعش" وإستراتيجية الاختفاء وتكوين البؤر في العراق (2-2)


25/03/2018

بعد ثلاثة أشهر على إعلان الانتصار على "داعش" في العراق، تشير خريطة العنف في البلاد عن نشاط مسلح متنام عند ضواحي المدن التي احتلها التنظيم سابقاً وتحديداً في الموصل وصلاح الدين وكركوك والأنبار، وغالبية هذه الضواحي مطلة على مناطق جغرافية صعبة، بعضها وعرة تكتنفها سهول وهضاب في صلاح الدين وديالى، وأخرى صحراوية شاسعة كما هو الحال في الأنبار، وفق ما يتحدث تحليل نشرته صحيفة "الحياة" اللندنية في (5/3/2018).

المدن العراقية المحررة تحت دائرة الخطر

وأضافت "الحياة" أنّ قوات الأمن العراقية أعلنت على مدى الأسابيع الماضية الشروع في عمليات عسكرية عند ضواحي ديالى وشمال صلاح الدين وجنوب كركوك غالباً ما تعود من دون العثور على مسلحين تمكنوا من إثارة الفوضى وإطلاق قنابل الهاون على تجمعات مأهولة.

وتضيف الصحيفة: ما تزال المدن المحررة تحت دائرة الخطر؛ إذ إنّ قوات الأمن العراقية ركزت خططها على استعادة مراكز المدن ولكنها تجاهلت الضواحي والمناطق المفتوحة لأسباب عسكرية؛ إذ إن قوات الجيش ليست مؤهلة لتأمين هذه المناطق على مدى العقد الماضي؛ لصعوبة توفير قوات أمنية برية كافية لتحقيق ذلك، وغياب العنصر الاستخباراتي والوسائل المتطورة في مراقبة هذه المناطق.

تشير خريطة العنف في البلاد عن نشاط مسلح متنام عند ضواحي المدن التي احتلها التنظيم سابقاً

وتلفت "الحياة" الأنظار إلى أنّ "داعش" يدرك هذه الحقيقة، وبدأ بعد خسارته الموصل الانتقال إلى إستراتيجية تكوين البؤر في المناطق النائية التي تحوي ترسانة عسكرية دفنها هناك، ولا يمر أسبوع من دون أن تعلن الحكومة العراقية العثور على أسلحة فيها، بينما لجأ مقاتلوه إلى التخفي قرب تجمعات البدو والقرى مستفيداً من السهول والهضاب الطبيعية المنتشرة عند ضواحي المدن الشمالية والغربية مع شن هجمات ضمن مفارز صغيرة لا يتجاوز أفرادها العشرة لإبقاء الخطر قائماً على مراكز المدن.

نحو مليوني نازح مازالوا خارج مدنهم

تكتيك المراوغة

ودرجت التنظيمات الإرهابية، تتابع "الحياة"، على استخدام هذه الإستراتيجية ذات النفس الطويل للتملص من المواجهة المباشرة والاستعانة بتكتيك المراوغة عبر ضرب أهداف محددة مثل؛ الطرق السريعة الرابطة بين المدن ومهاجمة قوات الأمن المنتشرة عند الأرياف والقرى الواقعة في ضواحي العاصمة بغداد بانتظار فرصة سانحة لتوسيع هجماته وربما احتلال المدن من جديد، فيما تبدو خطط الجيش عاجزة عن مواجهة هذا التكتيك حتى اليوم.

الخطر الآخر هو الخشية من استمرار معاناة سكان البلدات المحررة وتصاعدها فما يزال نحو مليوني نازح خارج مدنهم

وبعد أيام قليلة من إعلان الحكومة العراقية استعادة السيطرة على أهم معاقل "داعش" في مدينتي الموصل وتلعفر شمال البلاد في آب (أغسطس) الماضي، تمكّن إرهابيون من تنفيذ هجوم دامٍ عند أطراف محافظة ذي قار جنوب البلاد أوقع 74 قتيلاً و93 جريحاً استهدف مطعمين ونقطة تفتيش يمرّ خلالها المسافرون بين مدن الجنوب للاستراحة.

الأفكار المتطرفة تعتاش على الخلافات المجتمعية

وتذكر "الحياة" أنه بعد دخول قوات الجيش العراقي و"الحشد الشعبي" إلى مدينة كركوك في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي استطاع التنظيم تنفيذ تفجيرات في مركز المدينة وتنفيذ هجمات متقطعة عند ضواحيها، كما تزايدت عميات القتل والاغتيالات لخلق الفوضى من جديد مستفيداً من استمرار الأزمة السياسية بين بغداد وأربيل. فالمنهج الذي بدأه أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم "القاعدة" في العراق عام 2004 عبر القتل العشوائي واستهداف تجمعات السكان في مراكز المدن من دون السيطرة عليها مع تصاعد حدة الخلافات بين السياسيين الشيعة والسنة هو الذي مهد الطريق بعد عشر سنوات لتنظيم "داعش" لاحتلال المدن بسهولة في 2014؛ إذ إنّ للإرهابيين صبراً طويلاً في التخطيط، كما أنّ الأفكار المتطرفة تعتاش على الأزمات والخلافات السياسية والمجتمعية.

الخلايا النائمة

العنصر الآخر الذي يعتمد عليه "داعش" داخل مراكز المدن هو الخلايا النائمة، ومهمتها جمع المعلومات، والتغلغل في المؤسسات العسكرية والمدنية، والشروع في بناء مضافات لتخطيط وتنفيذ تفجيرات نوعية تستهدف جلب الأنظار وإثارة الفوضى.

وتذكر "الحياة" أنه عندما سقطت الموصل بيد "داعش" بعد انهيار ثلاث فرق عسكرية هناك، أشارت  المعلومات إلى أن عدد الإرهابيين الذين هاجموا المدينة لم يتعدّ العشرات، وهو ما أكده رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، معلناً عن نيته فتح تحقيق في أسباب انهيار الجيش حينذاك.

ولكن في الواقع أن الموصل سقطت عملياً بيد الإرهابيين قبل ذلك التاريخ بشهور؛ بفضل الخلايا النائمة التي زرعوها في المدينة، وكانت تقوم بمهمات جباية الأموال من التجار والأهالي مقابل الحفاظ على حياتهم، فضلاً عن استمالة مسؤولين وضباط فاسدين، وهذه الخلايا ساعدتهم في السيطرة على المدينة بسهولة، وهذا ما حصل في الأنبار وصلاح الدين.

الموصل سقطت عملياً بيد الإرهابيين بفضل الخلايا النائمة التي تم  زرعها في المدينة

وإذا كان "داعش" نجح في تجنيد المئات من السكان إلى جانبه قبل سيطرته على مدن كاملة، كيف الحال وقد احتل ثلاث بلدات رئيسة يقطنها سبعة ملايين شخص، ووفقاً لإحصاءات "المنظمة الدولية للهجرة"، فإنّ عدد السكان الذي نزحوا في حينها كان ثلاثة ملايين شخص، ما يعني أن أربعة ملايين شخص عاشوا في ظل "دولة الخلافة" لثلاثة أعوام كافية لتجنيد موالين لهم.

يعتمد "داعش" داخل مراكز المدن على الخلايا النائمة

النقمة على فشل الحكومة

ولكن الخطر الآخر هو الخشية من استمرار معاناة سكان البلدات المحررة وتصاعدها؛ إذ ما يزال نحو مليوني نازح خارج مدنهم، بينما يعاني العائدون دماراً طاول منازلهم والبنى التحتية الأساسية، فيما تفشل الحكومة في إعادة بنائها سريعاً بسبب الأزمة المالية، فضلاً عن سياسات خاطئة قد تدفع فئات اجتماعية ناقمة على السلطة إلى التمرد.

تقدّر أعداد عائلات داعش بنحو 100 ألف شخص ويحذّر من تحوّل الكثير منهم لجيل جديد من التنظيمات الإرهابية

بعد استعادة السيطرة على مدينة الموصل، قررت الحكومة إيواء عائلات التنظيم في مخيمات معزولة في صلاح الدين والأنبار والموصل، فيما تعرض آخرون لهدم منازلهم ومنعهم من العودة، وهو ما أكدته منظمة "هيومن رايتس ووتش"، وقالت إن عناصر من قوات الأمن و "الحشد الشعبي" قامت بتجريف منازل تعود إلى عائلات "داعش" بعد انتهاء المعارك ضد التنظيم بأشهر.

مخاطر عدم التعامل بمهنية مع عائلات "داعش"

وتنقل "الحياة" عن الخبير الأمني العراقي، هشام الهاشمي، قوله إنّ "أبرز التحديات التي تواجه الحكومة بعد التحرير هي التعامل بمهنية مع عائلات عناصر داعش، واختارت الحكومة عزلهم في معسكرات لا إنسانية وسكتت عن عقوبات ثأرية تعرضوا لها مثل هدم منازلهم والاغتيال ومنعهم من العودة إلى منازلهم".

ويقدّر الهاشمي أعداد عائلات "داعش" بنحو 100 ألف شخص، ويحذّر "من تحوّل الكثير منهم إلى جيل جديد من التنظيمات الإرهابية، وقد يكون القادم أكثر سوءاً من السابق".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية