رحمة الله عز وجل وعذابه في تصور الإسلامويين

رحمة الله عز وجل وعذابه في تصور الإسلامويين


05/05/2020

 

لم يكتفِ الإسلامويون بتقديم تصوراتهم المتطرفة عن مفهومهم عن الدين الإسلامي، كدين بصفة عامة؛ بل قدّموا تصوراً متخيلاً في أذهانهم عن الإله الخالق، هذا التصور قاموا بترويجه في المجتمعات التي حلّوا فيها، زاعمين أنّه ما صوره الله عن نفسه، وأنّ هذا ما يجب أن يؤمن به الجميع.

 

عندما قدم شيوخ وواعظو التيار الإسلامي تصورهم عن الله، تبارك وتعالى،  اكتشفنا أنّه تصور مجتزأ، يختلف كثيراً عمّا وصف الله به نفسه، فالله يكرّر في القرآن الكريم صفته الأساسية، وهي (الغفور الرحيم)، عبر أكثر من مئة آية قرآنية، سواء بوصفه أنّه غافر الذنب، أو أنّه يغفر الذنوب جميعاً، أو أنّه لطيف بعباده، لكنّ الإسلاميين يؤكّدون على صفة أخرى، ذكرها الله استثناءً في عشرة مواضع فقط، وهي أنّه شديد العقاب، فقدموه على أنّه لن يفوّت خطأ من أخطاء البشر، وأنّه لهم بالمرصاد، ولأنّ من المسلمين من يرتكب بعض الذنوب الصغيرة؛ لذا فهو يحتاج من يقدّم له يد المعاونة، ولا يخوّفه من الله، يحتاج من يهون عليه ويحفزه للسير مستقيماً، لا الذي يحبطه ويذكره بمعاصيه، ويجلده صباحاً ومساء، على ذنب يسير.

لم يكتفِ الإسلامويون بتقديم تصوراتهم المتطرفة عن الدين الإسلامي بل قدّموا تصوراً متخيلاً في أذهانهم عن الإله الخالق

للأسف، هذا ما قام به الإسلاميون؛ فبقسوتهم وغلظتهم، حدّثوا الناس عن العقاب الذي ينتظرهم، وحجتهم في هذا حرصهم على ألّا يرتكب الناس المزيد من المعاصي، فأخفوا عن الناس أمر الله للجميع، بألّا يقنطوا من رحمته، كما في قوله عزّ وجلّ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)  (سورة الزمر-53)، أو قوله تعالى: (فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً) (النساء- آية99)، اختفت من على ألسن الوعاظ مثل هذه الآيات، وانتشرت آيات مثل: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(الأنفال- آية13)، فخاف الناس في عصر الإسلامويين من الله وكرهوا لقاءه، أنّ التكرار المستمر والتكريس المتعمد للتصور القاسي عن الله، جعل المتأثرين بالتيار الإسلامي في هلعٍ دائمٍ من لقاء الله، وفي رعب من فكرة الموت من الأساس؛ لأنّ الموت بعده حساب، والحساب سيكون عسيراً حتى على الأشياء البسيطة التافهة؟! أغلقوا كلّ أبواب المغفرة أمام الناس إلا باب الموت تحت رايتهم، ومع تنظيمهم، فهذا هو الطريق الوحيد لتكفير السيئات! ولأنّ كثيراً من المسلمين لم ولن ينضموا إلى تلك التنظيمات، أصبحت الآخرة عبئاً عليهم،  والحياة هي أملهم الوحيد، وجعلوا النّاس تسعى إلى التشبث بالحياة وبطول العمر، خوفاً وكراهية لملاقاة ربّ العباد، فدفعوا النّاس لليأس من الله ورحمته، وترسّخ في وجدانهم أنّه شديد العقاب، فهؤلاء لم يجدوا في (الله) تبارك وتعالى الرحمة  المتلازمة مع اسمه الأعظم، في قول كلّ المسلمين (بسم الله الرحمن الرحيم)، رغم أنّها موجودة في الكتاب الكريم، ونقرؤها كلّ يوم، وتبدأ بها كلّ حديث، والرحمن الرحيم الذي هو أرحم منّا بأنفسنا، الذي هو قد خلقنا وميّزنا على كثير من خلقه، وفضلنا تفضيلاً، لن يتتبعنا في كلّ صغيرة تافهة؛ بل سيتجاوز عن سيئاتنا وارتكاب بعض المخالفات، لقوله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران- آية 135)، ورغم ذلك لم ينتبهوا إلى مضمون الرحمة والتراحم، المقرون باسم الله، عزّ وجلّ؛ بل جعلونا لا نلتفت إلّا إلى صفات الشدّة والعذاب والقوة القاهرة، تلك الصفات التي وردت طارئة في القرآن لحالات خاصة، ولفئات بعينها، فجاءت الآيات للزجر أكثر مما هي للحقيقة، والمقصود بالزجر: الكفّ عن التمادي في انتهاك حقوق الآخرين، ومن هذه الفكرة القاسية جداً، حدّدوا الموضوعات التي تتناولها كتبهم ومقالاتهم وموضوعاتهم، فانتشرت الكتب التي تتحدث عن عذاب القبر ونعيمه، لأكثر من كاتب، وتلقفتها الأمة المسلمة، وتفشى فيهم الخوف من لقاء الله، ثمّ تلتها كتب أهوال يوم القيامة، مع ما تضمّنه من تصور رهيب مخيف للحظات يوم الحساب، ثمّ كتب التي تتحدث عن صفات المنافقين تخويفاً للمسلمين، ثم تحوّل التخويف إلى اتهام صريح بأنّ كثيراً من المسلمين فيهم صفات المنافقين، ثمّ جاءت موضوعات النار، وكيف سيهذّب الله عباده، وتفننوا في وصف النار وصفات أهل النار، حتّى ظنّ الإنسان أنّ الله لم يخلقه إلّا ليعذبه (حاشاه طبعاً).

أغلقوا كلّ أبواب المغفرة أمام الناس إلا باب الموت تحت رايتهم، ومع تنظيمهم، فهذا هو الطريق الوحيد لتكفير السيئات!

كلّ هذه الكتب، وتلك المقالات، وكثير من المحاضرات، هي التي شكلت التصور النهائي للإله عند المسلمين في العصر الحديث، فكمّ الخطب التي انساقت وراء تصور الإسلاميين، وكمّ المواعظ التي ملأت أدمغة العوام، ساهمت في نشر هذا التصور الزائف، وجعلت المسلمين لا يعرفون عن الله إلّا العذاب والعقاب والأهوال، رغم أنّ هناك وجهاً آخر حقيقياً وصف الله به نفسه أكثر، هذا الوجه الأكثر إشراقة موجود أيضاً في الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، هذا الوجه نحن بحاجة إليه، ليس لنرتكب الذنوب والمعاصي، إنّما ليسود الهدوء وراحة البال داخل روح المسلم، بدلاً من القلق والتوتر المصاحب له، نظراً إلى أنّه يتخيل (الله)، كما روّج له الإسلاميون، ويمتدّ التصور القاسي عن الله، عند أبناء الحركة الإسلامية إلى توظيف الإله نفسه لصالحهم، فهو مجيب لدعواتهم هم فقط، وغفلوا عن كون الله مجيب الدعاء للناس جميعاً، دون النظر إلى أسمائهم ولا ألوانهم ولا اتجاهاتهم، وكما نعلم أنّ الحركة الإسلامية في القرن العشرين، هي حركة سياسية بشكل واضح، إلّا أنّهم يقحمون الله في خلافاتهم مع الآخر، ولعلّ الأزمة السياسية التي أعقبت الإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي كشفت هذا، فالخلاف مع مرسي وجماعته، سياسي، ورفض لطريقة التعامل مع الملفات المختلفة، إلّا أنّ أنصار الإخوان هدّدوا الجميع بأنّ الله سيعاقب من لم يقف مع مرسي، واستخدم وجدي غنيم مصطلحات فقهية شرعية لوصف مخالفي مرسي، بأنّهم (كفّار)، والكارثة أنّ الكثير من أتباعهم كانوا يؤمنون بأنّ الله فعلاً سيتدخل ليعاقب المعارضين للإسلاميين! كل هذه التشوهات في التصور الصحيح عن الله، وعن تدخله في حياة الإنسان، نتج عن الاستسلام لتصوّر الإسلامويين المشوه، فحلّت القسوة وغابت الرحمة، ظهر التكبر، وخفتت روح التسامح، ظهر القهر واندثر العفو، شوهوا نموذج الإسلام الأول، ليتنا نستعيد ما قاله الله لنا في كتابة الكريم عن نفسه، بالوزن النسبي نفسه لكلّ اسم من أسمائه؛ فالله قال إنّه غفور رحيم في أكثر من تسعين موضعاً في القرآن، وقرابة الأربعين مرة، أكّد أنّه رحيم. ليتنا نؤلّف كتباً عن رحمة الله، لنغسل بها قسوتهم التي ألصقوها بالله الرحمن الرحيم.

أصدقائي؛ اذكروا الله الرحمن الرحيم للناس، بشّروا به ليعمّ السلام، ويعمّ التسامح، وتنتشر الرحمة، وأكثر من تذكير الناس بأنّ الله رحيم، وأنّه لا يريد أن يعاقبنا، اختموا كلماتكم بطوبى للرحماء، والرحماء يرحمهم الله، ليرحمنا ويرحمكم الله.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية