كيف يمكن قراءة إعادة العلاقات العربية مع سوريا؟

كيف يمكن قراءة إعادة العلاقات العربية مع سوريا؟


03/01/2019

لم تكن اندفاعة الكثير من الدول العربية لإعادة علاقاتها الدبلوماسية مع الحكومة السورية موضع استغراب في كثير من الأوساط العربية والدولية؛ إذ إنّ التطورات التي شهدتها القضية السورية، منذ أواسط العام 2015، أكدت وبما لا يدع مجالاً للشكّ؛ أنّ توافقاً دولياً، قبل أن يكون إقليمياً، خلص إلى أنّه لا مجال للعالم إلا التكيف مع سوريا جديدة، بقيادة النظام السوري، بعد أن أصبح هذا العالم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التكيف مع النظام السوري مع تغييرات عميقة من داخله، تسهم فيها المجموعة الدولية، وهو ما يتم العمل عليه حالياً، من خلال اللجنة الدستورية المكلفة بإعداد دستور جديد لسوريا، ويبرز هنا الموقف الروسي، بما يعكس مستوى من القطبية الدولية الجديدة مع الولايات المتحدة. أو أن يلتهم تنظيما "داعش" و"القاعدة" سوريا، مع مواجهة استحقاقات ذلك، وهو ما كان خطاً أحمر بالنسبة إلى الدول المجاورة، في ظلّ سيناريوهات متوقعة، تتراوح بين صورتي أفغانستان أو الصومال؛ أي سيكون العالم أمام سوريا شبه فاشلة أو فاشلة.

المجموعة الخليجية تتوافق فيما بينها وبقيادة السعودية ومعها الإمارات والبحرين والكويت على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا

لا شكّ في أنّ الاندفاعة العربية باتجاه إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، تأتي انسجاماً وانعكاساً لتوافقات دولية، عبّرت عنها تصريحات متكررة للقيادات الأمريكية والروسية، إضافة إلى قيادات أوروبية،  في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، غير أنّ أهمّها كان ما تمخّضت عنه القمة بين الرئيسين؛ الأمريكي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، في قمة هلسنكي؛ التي عقدت في أوائل تموز (يونيو) العام 2018؛ حيث أكّدت تلك القمة، بما لا يدع مجالاً للشكّ، توافقاً (أمريكياً روسياً) على بقاء الأسد في قيادة سوريا، على الأقل في مرحلة انتقالية، تعقبها انتخابات ديمقراطية، بإشراف أممي، مع ضمان روسي لمتطلبات الأمن القومي الإسرائيلي، بما في ذلك تخفيض مستوى التهديد الإيراني، وهو ما تمّ إنجازه خلال معارك تحرير الجنوب السوري، والضربات "النوعية" التي ما تزال تنفذها إسرائيل حتى اليوم ضدّ أهداف إيرانية في سوريا، وبتواطؤ من روسيا.

اقرأ أيضاً: لماذا أعادت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق؟
الدول المجاورة لسوريا، ممثلة بتركيا والأردن وإسرائيل، عبّرت وبمواقف إستراتيجية، كلّ ضمن حساباتها، عن وقوفها إلى جانب الدولة السورية، بإصرارها على تواجد الجيش العربي السوري على حدودها، وقد صدرت مطالبات إسرائيلية صريحة، خلال معارك تحرير الجنوب السوري، بأنّ إسرائيل لا تقبل على حدودها إلا بالجيش السوري، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأردن، الذي رفض إعادة فتح الحدود مع سوريا (معبر جابر - نصيب)، إلا بتواجد الجيش السوري على الحدود، بعد سيطرة فصائل المعارضة على المعبر الحدودي لأعوام، أما بالنسبة إلى تركيا؛ فلها موقف حاسم تجاه وحدة سوريا، رغم تقلّب مواقفها تجاه بقاء الأسد، على رأس السلطة في سوريا، ارتباطاً بتعاملها مع الملف السوري من زاوية مصالحها العليا، والأمن القومي التركي؛ فالذي يعني تركيا الحيلولة دون قيام "كيان" كردي، ولو بحكم ذاتي، خوفاً من امتداد ذلك لأكراد تركيا، الذين يشكّلون أكبر تجمّع كردي في الإقليم.

تستند المجموعة العربية في تفسير إعادة علاقاتها مع سوريا، إلى مواجهة التدخل التركي والإيراني في سوريا

من الواضح اليوم؛ أنّ المجموعة الخليجية تتوافق فيما بينها، وبقيادة المملكة العربية السعودية، ومعها الإمارات والبحرين والكويت، على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة السورية، فيما لم تلتزم سلطنة عُمان بقرار الجامعة العربية بقطع علاقاتها مع سوريا؛ بل كانت خلال الأزمة السورية إحدى أهم البوابات أمام الدولة السورية، ويبدو اليوم أنّ قطر هي الدولة الوحيدة التي تغرد خارج السرب الخليجي والعربي في إعادة العلاقات مع سوريا، في إطار حسابات قطرية خاصة، مرتبطة بخلافاتها مع دول الخليج، بعد الأزمة التي "تفجرت" منذ العام 2017، وتفاقمت بعد مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول، أواخر العام الماضي.

اقرأ أيضاً: هل تنسحب فرنسا من سوريا أيضاً؟
وبالتزامن؛ فإنّ الدول العربية في الشمال الإفريقي؛ مصر، الجزائر، تونس، المغرب، إضافة إلى السودان، تدفع باتجاه عودة هذه العلاقات مع الدولة السورية، وكانت زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، عنواناً لمقاربة عربية جديدة في الموقف من الدولة السورية.
تستند المجموعة العربية في تفسير إعادة علاقاتها مع سوريا، إلى مواجهة التدخل التركي والإيراني في سوريا، وبما يحدث توازناً، في ظلّ غياب عربي عن الأزمة السورية، ومواصلة مواجهة تنظيمي داعش والقاعدة، وهو ما يعني التوافق والانسجام مع الرؤية الأمريكية بالنسبة إلى سوريا، رغم ما تطرحه هذه المقاربة من تساؤلات وتشكيك في أوساط معارضة، بحجة "خيانة" الدم السوري والثورة السورية، خاصة أنّ إيران والإرهاب موجودان في سوريا منذ بداية الأزمة السورية، قبل أكثر من سبعة أعوام.

اقرأ أيضاً: هل أدرجت سوريا أردوغان على قائمة الإرهاب؟
عودة العلاقات العربية مع سوريا مرتبطة بثلاثة أبعاد رئيسة، وهي:
أولاً:
القناعة بأنّ سوريا ما قبل العام 2011 لم تعد قائمة، وهو ما يتطلب تغييراً في بنية ومضمون السلطة السورية والمعارضة، التي أثبتت أنّ معارضة "الفنادق" لم تتمكن من طرح نفسها بديلاً للنظام، في ظلّ تعدّد مرجعيات هذه المعارضة وخلافاتها، كما أنّ مقاربات "النظام" في ممارسة الحكم لا يمكن مواصلتها إلى ما لا نهاية.

اقرأ أيضاً: بقايا "داعش" في العراق وسوريا... الخطورة مستمرة
ثانياً:
لا يمكن تجاوز حقيقة أنّ إعادة العلاقات مع سوريا غير بعيدة عن أجواء التهدئة بين إيران والمملكة العربية السعودية، والتي برزت مؤشراتها في الاتفاق بين الفرقاء اليمنيين، رغم ما يعتور هذا الاتفاق من ملاحظات وصعوبات إجرائية، وكذلك توجهات تشكيل الحكومة في لبنان، والتي لا يتم تشكليها عادة إلا بتوافق إيراني سعودي، وصل درجة تنازل حزب الله عن الثلث المعطل.
ثالثاً: إعادة العلاقات مع سوريا، تطرح تساؤلات فيما إذا كانت مقدمة من النظام الرسمي العربي، لإعادة سيف القذافي لحكم ليبيا، وأحمد علي عبد الله صالح لحكم اليمن؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية