ما الجديد في تصريحات ولي العهد السعودي؟

السعودية

ما الجديد في تصريحات ولي العهد السعودي؟


05/04/2018

عكس الجدال المحتدم الذي رافق تصريحات ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لمجلة "ذي اتلانتك" الأمريكية الشهيرة، حجم الانقسام في الشارع العربي والإسلامي تجاه أولويات وقضايا المنطقة، وإدارة النزاعات والصراعات.

هذا الانقسام سابق لتصريحات ولي العهد السعودي، في ظلّ مقاربتين متناقضتين في المنطقة والإقليم، ترى الأولى أنّ الصراع الحقيقي مع إسرائيل، فيما تعتبر الثانية أنّ الصراع الأكبر مع إيران، والسعودية تبنّت المقاربة الثانية، وترى أنّ التهديد في الإقليم يمثله مثلث الشر؛ "إيران وإرهاب إيران وقطر والقاعدة في وثائق بن لادن داعش والقاعدة إضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين"، وقاسمهم المشترك استعادة الخلافة الإسلامية مع الاختلاف في التكتيكات والوسائل، ومن اللافت للنظر أنّ ولي العهد السعودي لم يضف تركيا إلى هذا المحور، في ظلّ تحالف الرئيس أردوغان مع الإسلام السياسي، وإستراتيجيته المعلنة بالعمل على استعادة الخلافة العثمانية.

الانقسام سابق للتصريحات في ظلّ مقاربتين متناقضتين الأولى ترى الصراح الأكبر مع إسرائيل والثانية تراه مع إيران

الجدال الناشئ على خلفية تصريحات بن سلمان مرتبط بعاملين أساسيين؛ الأول: إخراج التصريحات من سياقاتها واجتزائها من قبل أوساط إسرائيلية وإعلامية وسياسية عربية، خدمة لأجنداتها الهادفة للنيل من السعودية والتشكيك بمواقفها وسياستها وتوجهاتها، خاصة في ظلّ محوري للأزمة القطرية مع جيرانها إضافة لمصر، لذا جاءت غالبية المعالجات وردود الفعل على تلك التصريحات على طريقة "ولا تقربوا الصلاة" أما العامل الثاني فهو: الصور النمطية عن المملكة السعودية والقفز على حقيقة أنّ كافة محاور التصريحات جاءت إما استكمالاً وتأكيداً على سياسات سعودية، أو في إطار إعادة التموضع للمملكة في ظل نظام عالمي جديد، ودولة سعودية حداثية، تتناقض فيها الصور والتوجهات والسياسات للقيادة السعودية الجديدة، مع صور نمطية معهودة تاريخياً عن القيادات السعودية، هذا بالإضافة لصراحة غير معهودة ومكاشفة وغوص في أعماق المسكوت عنه، وإجابة على تساؤلات صعبة من قبل ولي العهد السعودي، حول أفق وحدود التغيير؛ الداخلي والخارجي، وشكل ومضمون السعودية الجديدة، بما في ذلك علاقتها مع الدين والقبيلة، ومغادرة الدولة، في ظلّ دسترتها وقوننتها لتوظيف هذين المربعين.

هذا الموقف تجاه عملية السلام وإسرائيل لا جديد فيه وهو امتداد لمواقف سعودية منذ مبادرة الملك فهد للسلام

فالموقف الذي قدمه بن سلمان تجاه عملية السلام وإسرائيل، من حيث الجوهر، لا جديد فيه، وهو امتداد لمواقف سعودية منذ مبادرة الملك فهد للسلام في فاس عام 1980 ومبادرة السلام العربية التي قدمها الملك عبدالله في قمة بيروت عام 2002، وكلاهما طرحتا سلاماً مشروطاً مع إسرائيل، بالانسحاب من الأراضي المحتلة ودولة فلسطينية عاصمتها القدس، وإضافة ولي العهد السعودي جملة "الحقوق التاريخية لليهود" لا تغير من حقيقة الاعتراف والتعامل مع إسرائيل شيئاً، سواء بالتاريخ او بالأمر الواقع، فالعرب وقبلهم الفلسطينيون، بما فيهم حركة حماس، باتوا يؤمنون بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران تعيش إلى جانب دولة إسرائيل بسلام وعيش مشترك، حتى أنّ طروحات تنمو في أوساط فلسطينية تطالب بدولة واحدة يتساوى فيها الجميع بالحقوق والواجبات.

كما أنّ مجمل زيارة بن سلمان إلى أمريكا مرتبط بتوثيق التحالف الإستراتيجي مع أمريكا، وفتح أفق للاستثمار المتبادل بين السعودية وأمريكا، ورغم التحليلات التي تذهب إلى أنّ تلك التصريحات تفتح الباب لعلاقات دبلوماسية بين السعودية وإسرائيل إلا أنّ مجمل التصريحات السعودية تؤكد أنّه لا علاقات مع إسرائيل إلا بعد إنجاز اتفاق سلام وحصول الفلسطينيين على حقوقهم، وما تزال تؤكد رفضها للقرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وأنه في حال إنجاز السلام، فيمكن أن تكون هناك علاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل، وهو ما نصّت عليه مبادرة السلام العربية.

التصريحات السعودية تؤكد أنّه لا علاقات مع إسرائيل إلا بعد إنجاز اتفاق سلام وحصول الفلسطينيين على حقوقهم

أما القول بأنّ السعودية تشكل محوراً في الإقليم بين معتدلين ومتشددين، فتلك وجهة نظر منحازة؛ لأن هذين المحورين تم تشكليهما نتيجة سياسات القيادة الإيرانية وصياغتها للصراع على أسس مذهبية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وربما الجديد في تصريحات بن سلمان أنّها تتضمن تحديداً لمرجعيات التحالف في الإقليم على أساس مقاومة المشروع الإيراني المذهبي ومشروعيْ القاعدة وداعش إضافة لمشروع الإخوان المسلمين، الذي يلتقي مع داعش والقاعدة بهدف إقامة الخلافة الإسلامية من خلال الوصول للحكم عبر صناديق الاقتراع، وتبرز هنا مسألة تشكيل إيران قاسماً مشتركاً بين إسرائيل وهذا التحالف، منذ توقيع الاتفاق النووي في عهد الإدارة الأمريكية السابقة، وأنّ إيران تتحمل مسؤولية ذلك عبر سياساتها بالتعاون مع القاعدة واختراق الدول العربية وما تردده أنّها تسيطر على أربع عواصم عربية، وأنّها بصدد إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية.

تصريحات ولي العهد السعودي تؤكد أنّنا اليوم أمام سعودية جديدة مختلفة، تغادر التوظيف التاريخي للقبيلة وجماعات الإسلام السياسي في إدارة صراعاتها، وتجترح تغييرات داخلية عميقة تجاه المرأة لن تقتصر على السماح لها بقيادة السيارة، وإنشاء مسارح ودور سينما، وتنخرط في النظام الدولي الذي يتشكل، وتترك مهمة توظيف جماعات الإسلام السياسي لكل من تركيا وإيران، مع ما يعنيه كل ذلك من تحالف بالضرورة مع جماعات إرهابية، تؤمن بأنّ هدفها النهائي استئناف الخلافة الإسلامية سزواء أكانت سنيّة أم شيعية.

الصفحة الرئيسية