عودة الإرهابيين من سوريا.. كيف سيتعامل الأردن مع هذا الملف؟

الإرهاب

عودة الإرهابيين من سوريا.. كيف سيتعامل الأردن مع هذا الملف؟


13/06/2019

لعل أول سؤال يتبادر إلى ذهن المتابعين لهذا الملف، هو: هل هناك مقاربة أردنية خاصة، ومحددة المعالم، وواضحة، ومعلن عنها، لكيفية التعامل مع هذا الملف؟
وبحسب المعلومات المتاحة يمكن الإجابة بالنفي.

اقرأ أيضاً: الأردن وعودة المقاتلين الأجانب.. اتجاهات وسيناريوهات خطيرة
وحتى لا يُظلم الأردن الرسمي في هذه الإجابة، يمكن الإشارة إلى أنّه ليس هناك أية مقاربات واضحة المعالم، ومحددة، لدى كافة الدول التي لديها مقاتلون مع التنظيمات الإرهابية في سوريا، خاصة مع تنظيم داعش، والبالغ عددها أكثر من 100 دولة في العالم.
إذاً؛ لا توجد أية مقاربة خاصة (معلنة) لدى الأردن، لكيفية التعامل مع ملف المقاتلين الإرهابيين الأردنيين، الذين ما يزالون يقاتلون، حتى الآن، مع تنظيمَي داعش والنصرة في سوريا، في حال عودتهم، وهناك عدد من الأسباب التي تقف وراء ذلك، وهي:
1-  أنّ ملف الإرهاب، والجماعات الإسلامية بشكل ٍعام، منوط تاريخياً بالاستخبارات الأردنية؛ وهذا يعني أنّ الملفّ يحظى بالسرية العالية والحساسية أمنياً، حتى وإن بدأت الاستخبارات تعاوناً وتشاركاً في المعلومات مع بقية الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة وبعض المؤسسات والوزارات المعنية في الأعوام الأخيرة.

ليس هناك مقاربات واضحة ومحددة لدى جميع الدول التي لديها مقاتلون مع التنظيمات الإرهابية في سوريا

2-  أنّ الجدل والنقاش حول هذا الملفّ يدار على نطاق ضيّق جداً، ولم يصبح قضية جماهيرية واسعة تهمّ الجمهور العام المنشغل حالياً بقضايا كثيرة ومتعددة، على رأسها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وقضايا سياسية تستهوي اهتمام الأردنيين، كصفقة القرن، على سبيل المثال.
3-  انشغال الأردن سياسياً على المستوى؛ الرسمي والشعبي بقضايا كبرى، مثل: الفوضى الدولية في الإقليم، وإرهاصات ما يشاع عن تسوية سياسية للقضية الفلسطينية عبر صفقة القرن.
4-  عدم تعرّض الأردن على المستوى الرسمي لضغوط دولية أو أممية لسرعة معالجة هذا الملف.
5-  عدم رغبة الأردن أن يجد نفسه، أمام محاكمات واسعة للإرهابيين العائدين، وينقل المشكلة إلى الداخل الأردني، بما يعنيه ذلك من إشكالات عديدة، وتكاليف مالية، وانكشاف أمام الرأي العالمي ووسائل الإعلام المختلفة، خاصة أنّهم لن يعودوا وحدهم؛ إذ إنّ أغلبهم تزوّج وأنجب، وبالتالي سيعود مع عائلة وأطفال.

لا إحصائيات رسمية أو دقيقة لعدد المقاتلين الإرهابيين الأردنيين في سوريا والعراق
6- استمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار في سوريا، الأمر الذي حال دون وجود ضغوط من النظام السوري على الأردن، لاستعادة مقاتليه، أو حتى التفاوض حولهم (أو عليهم).
على عكس الوضع في العراق مثلاً؛ حيث تقوم السلطات في العراق وإقليم كردستان حالياً بالتنسيق مع عدد من الدول الأوروبية، لمحاكمة مقاتليها، أو عائلاتهم، وإعادتهم؛ حيث قامت سلطات إقليم كردستان بإعادة 12 طفلاً فرنسياً، وطفلين هولنديين، بتاريخ 11 حزيران (يونيو) 2019، بالتنسيق مع السلطات الفرنسية.

حدود المشكلة وملامحها العامة
من الواضح عدم وجود إحصائية رسمية، أو إحصائية دقيقة، لمجموع عدد المقاتلين الإرهابيين الأردنيين في سوريا والعراق، بل إنّ هناك تعارضاً وتبايناً كبيراً بين الإحصائيات التي صدرت عن الحكومة في أوقاتٍ مختلفة من عمر الأزمة في سوريا، منذ العام 2011، وقد سبق أن أشرت إلى هذه المعضلة أكثر من مرة.

هناك شبه إجماع رسمي وشعبي حول "عدم الترحيب" بعودة أيّ من المقاتلين الإرهابيين من سوريا

على العموم؛ الرقم (شبه الرسمي) للمجموع الكلي لعدد الإرهابيين الأردنيين، والذي تتمسك به تصريحات المسؤولين الأردنيين؛ هو 1250 إرهابياً.
مع ضرورة الإشارة إلى أنّ قائد المنطقة العسكرية الشمالية في القوات المسلحة الأردنية، العميد الركن خالد المساعيد، أشار في تصريح صحفي، في منتصف شهر تموز (يوليو) 2018، إلى أنّ "أعداد المقاتلين من أصول أردنية، المنتشرين بالجنوب السوري، نحو ثلاثة آلاف عنصر"، لافتاً إلى أنّ "العناصر الإرهابية قامت بالتسلل نحو الداخل السوري شمالاً، أو إلى المناطق الحدودية".

اقرأ أيضاً: ما الركائز التي يستند إليها الأردن في موقفه من سوريا؟
لكنّ أرقام مراكز دراسات أمريكية وأوروبية ترفع الرقم إلى 4000! ويقال إنّه بقي منهم حوالي 850 إرهابياً، ومن المجموع الكلي قُتل 450 إرهابياً، فيما عاد 300 آخرون، معظمهم يقضي اليوم عقوبات بالسجن مع الأشغال الشاقة المؤقتة في سجن "الموقر" 1 و2، الخاص بسجناء التنظيمات الإرهابية.

مشكلة عودة الإرهابيين الأردنيين ستطفو على السطح في الأردن عاجلاً أم آجلاً
وهناك شبه إجماع في الأردن، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، حول "عدم الترحيب" بعودة أيّ من المقاتلين الإرهابيين من سوريا، على أساس قناعات راسخة، بحكم التجارب السابقة مع الجماعات الإرهابية، بأنّ هؤلاء سيكونون قنابل موقوتة بسبب تشبعهم بالأفكار التكفيرية وخبراتهم القتالية والتنظيمية التي راكموها في ساحات القتال.
حالياً، يلاحَظ أنّ الجدل، وعلى نطاق ضيق، منقسم بين حقوق الجنسية والقانون الدولي من جهة، ومبررات حماية الأمن الوطني والسلم المجتمعي من خطر الإرهابيين العائدين وعائلاتهم، الذين يحملون أفكاراً راديكالية، قد ينقلونها إلى مجتمعاتهم المحلية، المحافظة والمتدينة، من جهة أخرى.
ثمّ كيف سيتم التعامل مع أرامل وعائلات أردنيين يريدون العودة بعد أن قاتل أزواجهم وآباؤهم مع تنظيم داعش، وجبهة النصرة، وغيرهما من التنظيمات التكفيرية المتطرفة؟ كيف ستعود عائلات بأكملها، ووفق أيّ برنامج لإعادة التأهيل والإدماج؟ فيما لا يملك أفرادها أوراقاً ثبوتية بعد مقتل أزواج أو آباء لهم في المعارك.

اقرأ أيضاً: مواجهة التطرف العنيف في الأردن.. هل من جديد؟
ويكاد أن يكون من المستحيل الحصول على المعلومات حول هذا الملف في الأردن، لكن، بحسب بعض التقارير الصحفية والتسريبات التي تصدر على استحياء أحياناً من بعض المسؤولين؛ فإنّ الاستخبارات ستدرس حال كل مقاتل أردني على حدة، وهذا شبيه بتعامل بعض الدول الأوروبية، مثل؛ فرنسا وألمانيا، خاصة أنّ الأردن قانونياً لا يستطيع منع أيّ شخص يحمل الجنسية الأردنية من العودة إلى بلاده، بحسب أحكام الدستور.
وعليه؛ فإنّ العائدين المحتملين سيحالون أولاً، كما تم فعله في عدد من الحالات، إلى التحقيق والاستجواب لدى الاستخبارات ثم يتمّ تحويلهم إلى المحكمة بموجب قانون الإرهاب؛ حيث تتراوح الأحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة بحق مدانين بالترويج للجماعات الإرهابية أو الالتحاق بها، بين 3 إلى 5 أعوام، بينما تصل العقوبة إلى المؤبد أو الإعدام، إذا ثبت إقدام متهمين على قتل أشخاص أو تهريب سلاح للجماعات المسلحة.

اقرأ أيضاً: الأردن والسعودية والمسار الطويل
وبالنسبة إلى الأطفال الذين يرغبون بالعودة، فعليهم إثبات النسب عبر فحص الجينات، ما قد يستغرق شهوراً، إذا كانوا لا يحملون أيّة وثائق إثبات رسمية، ثم سيخضع الأطفال وأمهاتهم إلى متابعات أمنية حثيثة.
هذا يعني؛ أنّ أيّ إرهابي يرغب في العودة، سيواجه أحكاماً بالسجن بتهمة الانضمام إلى تنظيمات إرهابية، وهنا لن يكون من السهل محاكمة أيّ إرهابي عائد عن جريمة ارتكبها في سوريا أو العراق لصعوبة جمع الأدلة والبراهين من ساحات القتال.

الموقف الرسمي والشعبي المُعلن
يتلخص الموقف الرسمي الأردني المعلَن في وسائل الإعلام بالقول؛ إنّ ملف التعامل مع هؤلاء "الإرهابيين" وعائلاتهم "أمني عسكري بحت وليس إنسانياً"، وعليه يرفض الأردن عودة أيّ من الإرهابيين أو عائلاتهم الذين غادروا المملكة للمشاركة مع الجماعات الإرهابية؛ "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما.

أيّ إرهابي يرغب في العودة سيواجه أحكاماً بالسجن بتهمة الانضمام إلى تنظيمات إرهابية

وقد سبق أن أكدت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام، جمانة غنيمات، في 18 تموز (يوليو) 2018؛ أنّ "الحدود الأردنية السورية مغلقة، ولا يستطيع أحد العبور منها لأراضي المملكة"، مشيرة إلى أنّ "الأردن يستقبل كافة الأردنيين، لكن عبر المطارات والمنافذ الحدودية الرسمية".
وأنّ "من عبر من الأردنيين لسوريا خلال الأعوام الماضية (عن طريق) التهريب، لا يمكنه العودة إلا بالطرق الشرعية، وحينها يتم إحالته للقضاء للتعامل مع الجرائم التي ارتكبها".
في المقابل؛ طالب عضو مجلس النواب الأردني، حازم المجالي، في لقاء جمعه برئيس الوزراء، عمر الرزاز، في تموز (يوليو) 2018، بـ "السماح لهؤلاء المقاتلين وعائلاتهم بعبور الحدود الأردنية، أسوة بقادة المعارضة السورية الذين احتضنهم الأردن".
وقال المجالي؛ إنّه تلقى وعوداً من رئيس الوزراء بـ"حلّ هذه القضية بشكل إنساني بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والعسكرية"، مؤكداً أنّه "من غير المعقول ترك هؤلاء الأردنيين وعائلاتهم لآلة القتل السورية، التي لن ترحمهم، خاصة أنّ عددهم يصل لنحو 1500 شخص، بينهم نساء وأطفال".

اقرأ أيضاً: خطر الإرهاب وعودة المقاتلين الأجانب يتصدر المشهد.. كيف يمكن مواجهته؟
وأنّ الأردن مطالب بإدخالهم وتحويلهم لمحاكم أمن الدولة، والحاملون منهم للأفكار الإرهابية والتكفيرية والمسيئون للأردن يتم سجنهم، موضحاً أنّ "الكثير من المقاتلين غُرِّر بهم للالتحاق بالجماعات العسكرية."
من جانبه، ذكر نقيب المحامين الأردنيين، مازن إرشيدات، في تموز (يوليو) 2018: "في حال عودة هؤلاء المقاتلين للأردن فإنهم سيواجهون تهم "الإرهاب" من قبل محاكم أمن الدولة، وعقوبتها قد تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد".
ويلاحظ في الآونة الأخيرة؛ عودة ملف المقاتلين الأجانب إلى الواجهة خاصة بعد قيام العراق بمحاكمة وإعدام 6 من الجنسية الفرنسية ممن ينتمون لتنظيم داعش.

اقرأ أيضاً: عودة الجهاديين قنبلة موقوتة على أبواب تونس
ولذلك؛ يمكن أن يطرح الأردن مقاربة محاكمة جميع الإرهابيين الأردنيين في سوريا والمعتقلين لدى "قوات سوريا الديمقراطية"، الذين لا يُعرف عددهم حتى الآن، كما جرى في العراق؛ حيث تنزل المحاكم عقوبات مشدّدة، مثل؛ السجن المؤبد أو الإعدام، بحق آلاف المقاتلين الذين اعتقلوا هناك، خصوصاً بعد معركة تطهير الموصل العام 2018.
وهناك دعوات في أوروبا حالياً لاعتماد هذه المقاربة، رغم الخلافات الشديدة حالياً بين السلطات العراقية وهذه الدول، خاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
خلاصة القول: إنّ مشكلة عودة الإرهابيين الأردنيين ستطفو على السطح في الأردن، عاجلاً أم آجلاً، ومن نافلة القول الادّعاء بأنّه من الأفضل للأردن أن يجهّز ويرتّب أوراقه في هذا الملفّ قبل أن يُفرض عليه التعامل معه.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية