هل ينجح "العسكر" في إدارة مرحلة انتقالية في السودان والجزائر؟

هل ينجح "العسكر" في إدارة مرحلة انتقالية في السودان والجزائر؟


16/06/2019

شكّلت المؤسسة العسكرية، بمستوياتها المختلفة، إلى جانب عناوين أخرى، من بينها: هامش الديمقراطية والحرية، ومدى رسوخهما في البلدان العربية، والعامل الدولي المتمثل بمواقف القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، أبرز معايير تقييم ثورات "الربيع العربي" في الدول العربية التي شهدت هذا "الربيع"، بما فيها دول شمال إفريقيا العربية، والسودان لاحقاً، وسوريا واليمن.

اقرأ أيضاً: كيف تقرأ النخب الإثيوبية مبادرة آبي أحمد في السودان؟

وإذا كانت الأوزان النسبية لمعيارَي: هامش الديمقراطية والحرية المتاحة قبل "الربيع"، والتدخل الإقليمي والدولي في "الربيع العربي"، تتفاوت من دولة إلى أخرى، بما يعكس تناقضات حادة وازدواجيات في المعايير التي حكمت تلك المواقف ومستوى التدخل، فإنّ المؤسسة العسكرية، بما فيها الأجهزة الأمنية كانت أحد أبرز العناوين في تقييم هذا "الربيع" أو ذاك، وقاسماً مشتركاً بين كافة الدول العربية التي شهدت "ربيعاً"، منذ العام 2011.

على القوى الإسلامية أن تدرك حجم التغيير الحاصل على المجتمعات العربية وأنّ ثقتها المسحوبة من العسكر تجري على الجميع

المؤسسة العسكرية في الدول العربية تستند إلى إرث تاريخي مرتبط بمقاومة الاستعمار؛ حيث تشكّلت الجيوش العربية من فصائل مقاومة، قوامها أبناء القبائل، وهي المؤسسة الوحيدة التي كانت قائمة ولها حضور خلال الاستعمار، ورغم إنشاء مؤسسات في هذه الدول على أنقاض الاستعمار، إلا أنّها بقيت هياكل تعكس مفهوم الدولة الحديثة، لكنّها، في الغالب، بمضمون يجسد مفاهيم المؤسسة العسكرية؛ "وزارات، قضاء، مؤسسات مجتمع مدني من أحزاب ونقابات عمالية، ...إلخ".

إلا أنّ دور المؤسسة العسكرية يتفاوت من دولة إلى أخرى، تبعاً لطبيعة النظام السياسي قبل "الربيع" وموروثه العسكري، والذي يعكس تفاوتاً نسبياً بين الأنظمة السياسية العربية؛ فسلطة الجيش محدودة في تونس، ولا يشكّل أكثر من خمْس القوى العسكرية والأمنية، وتشكّل القوى الأمنية أكثر من أربعة أخماس المؤسسة العسكرية، فيما لم تعرف ليبيا "الجماهيرية" مفهوم القوات المسلحة والجيش الوطني، وكان واضحاً أنّ هناك تشكيلات عسكرية تُعرف بالكتائب، تشكّلت على أسس متنوعة، لكنّها ليست وطنية، وهي أشبه ما تكون بيمليشيات وعصابات وجيوش قبائل، أما في اليمن وسوريا؛ فرغم الصفة الوطنية لجيوشها، إلّا أنّها جيوش قبائل "الشمال" في اليمن، وجيوش "الطائفة" في سوريا، وفي المقابل؛ فإنّ هذه المؤسسة عميقة بعمق الدولة في مصر والجزائر والسودان، ولها سلطة فاعلة في إدارة الدولة، مستمدة من فكرة الدولة ذاتها، وتشكّل عنواناً للسلطة، بمعزل عن رئاسة تلك السلطة.

اقرأ أيضاً: هل تنجح وساطة آبي أحمد بإخراج السودان من نفقه المظلم؟

تطورات مشهد "الربيع العربي" في السودان والجزائر، تعكس الصورة الأكثر مصداقية حول قوة ودور المؤسسة العسكرية في البلدين؛ فالصراع في البلدين تقوده هذه المؤسسة العسكرية، بوصفها الطرف الأقوى، مقابل قوى "الشارع" المتشابكة من قوى تقليدية "يسار ويمين وقوميين"، وقوى مستقلة ناشئة يمثلها شباب غاضب، استفاد وتأثر بمعطيات الانفتاح التي وفّرتها تطورات التقدم التكنولوجي، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، وسئمت من استشراء الفساد وعدم تحقيق نتائج تذكر في مقاربات الإصلاح السياسي والاقتصادي، وكان قمّة هرم التحديات؛ الإصرار على ترشيح رئيس غير قادر على الحكم "بوتفليقة" لولاية خامسة، ووعود ضخمة بإصلاحات جديدة، لرئيس قضى في الحكم أكثر من ثلاثين عاماً "البشير".

تعكس تطورات مشهد الربيع العربي في السودان والجزائر الصورة الأكثر مصداقية حول قوة ودور المؤسسة العسكرية في البلدين

المقاربات الإصلاحية تقوم، اليوم، بين الطرفين على قاسم مشترك؛ هو مرحلة انتقالية يتم خلالها الإعداد لانتقال سلمي لسلطة دائمة، ولكلّ طرف وجهة نظره في كيفية إدارة هذه المرحلة، والوصول إلى مخرجاتها؛ فالمؤسسة العسكرية في البلدين ترى في التغيير إجراءات شكلية، جوهرها تغييب رأس النظام، وإيداع  بعض رموزه في السجن، على خلفية اتهامات بقضايا فساد، ووعود بانتخابات ومجالس نيابية وسلطات قضائية مستقلة، مع الحفاظ على جوهر فكر النظام الراحل ورموزه الباقين، وأنّه لا يمكن إجراء تغييرات عميقة كما يطالب الشارع برحيل النظام "كلّه"، خوفاً من حالة فوضى، وتحوّل الدولتين إلى دولتين فاشلتين، خاصة أنّ قوى يمينية، هي الأكثر تنظيماً وقوة، يمكن أن تصل إلى السلطة، "تم الإعلان في السودان عن إفشال محاولة انقلابية يقودها ضباط إسلاميون"، وتكتسب هذه المقاربة دعماً من قوى إقليمية ودولية تخشى تكرار سيناريوهات "العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا".

وفي المقابل؛ إنّ قوى الشارع في البلدين تتفاوت في طروحاتها بين مقاربة "لا لحكم العسكر"، وإنّه تمّ تجريب الحكم العسكري منذ عشرات السنين، وقد آن الأوان لحكم مدني.

ومقاربة أخرى ترى أنّ التغيير المنشود لا يمكن إنجازه إلا بتدرّج وبمشاركة العسكر، الذين يقفون على مؤسسة تمارس الحكم بكلّ تفاصيله منذ عشرات السنين.

اقرأ أيضاً: بعد فض اعتصام القيادة.. ما مصير الحراك السوداني؟

رغم تعدّد المبادرات التي تطرح في السودان للوساطة بين المجلس العسكري وقوى التغيير، إلا أنّ المبادرة التي تضمنت تشكيل هذا المجلس مناصفة بين العسكريين والمدنيين، كان يمكن أن تكون حلاً مقبولاً، ورغم أنّ الحلول المستقبلية قد لا تبتعد عن هذه المقاربة، إلا أنّ من الأهمية بمكان أن يدرك العسكر اليوم؛ أنّه لا مناص من الذهاب إلى حلول جادة، توازي بين الإصلاحات السياسية والاقتصادية ومكافحة الفساد، والاستفادة ليس من تجارب دول عربية؛ بل من دول إفريقية مجاورة، استطاعت بعد أعوام من حروب أهلية طاحنة الخروج من عنق الزجاجة "رواندا"، كما أنّ على قوى التغيير، خاصة الإسلامية، أن تدرك حجم التغيير الذي طرأ على المجتمعات العربية، وأنّ ثقتها المسحوبة من العسكر تجري عليهم وعلى قوى اليسار بالتساوي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية