الانقسام الفلسطيني.. 12 عاماً على التبعات المنسية

فلسطين

الانقسام الفلسطيني.. 12 عاماً على التبعات المنسية


01/07/2019

في نهاية العام 2006، وعقب تشكيل حركة حماس بما يعرف بالقوة التنفيذية، بعد ترأسها للحكومة الفلسطينية العاشرة، كنتيجة مباشرة لفوزها بالانتخابات التشريعية، خاضت عملية اقتتال داخلي مع حركة فتح؛ إذ دارت بين عناصر الطرفين مواجهات واشتباكات مسلحة استمرت حتى شهر حزيران (يونيو) 2007، لتنتهي بالسيطرة العسكرية لحماس على المقرات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية وحركة فتح، وتفرّدها بإدارة القطاع.

اقرأ أيضاً: الانقسام وصفقة القرن ليسا قدراً على الشعب الفلسطيني
هذا الحدث المؤلم مزّق قطبي الوطن إلى شطرين؛ الأول الضفة وتديرها السلطة، وقطاع غزة التي تسيطر عليها حماس، وتسبب بأزمات عديدة تعرض لها كل فرد في المجتمع الفلسطيني، إلى جانب عزل القطاع عن العالم، ما انعكس على كل مجالات حياة الغزيين، فضلاً عن الآثار الثقافية والتبعات الاجتماعية والصحية على عشرات المنسيين من الجانبين ممن وقعوا ضحايا لما جرى وقلّما يذكرهم أحد.
اثنا عشر عاماً مضت على هذا الوضع الذي لا يطاق

تمزق النسيج الاجتماعي
اثنا عشر عاماً مضت على هذا الوضع الذي لا يطاق؛ فالكل في القطاع، هذه البقعة المكتظة، يمنّون النفس بتصالح الأشقاء المتناحرين بما يجلب الفرج ويرحمهم من جحيم انتظار فتح المعابر المغلقة، ويعيد إليهم أبسط شروط الحياة الطبيعية.
لكن ما يجهله كثيرون كيف أفرزت حالة الانقسام معضلة كبيرة تتمثل بضحايا الاقتتال المسلّح بين عناصر فتح وحماس، الذي دار في محيط المقرات الأمنية والشوارع العامة، فحسب دراسات المؤسسات الحقوقية الفلسطينية، أسفرت عملية الاقتتال الداخلي، عن مقتل 300 مسلّح من عناصر الطرفين، إلى جانب 22 مدنياً، و16 طفلاً، و5 نساء.

ما يجهله كثيرون كيف أفرزت حالة الانقسام معضلة كبيرة تتمثل بضحايا الاقتتال المسلّح من الجانبين

وعلى مدار 12 عاماً لم تتوصل الفصائل المتناحرة لاتفاق شامل ينهي حالة الانقسام، ويحقق المصالحة المجتمعية، لرد الحقوق لعائلات الضحايا، ما أصاب النسيج الاجتماعي الداخلي في مقتل، وعقّد العلاقات الاجتماعية بين العائلات، خاصة التي قتل أحد أفرادها خلال عملية الاشتباكات المسلّحة.
يقول مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، أمجد الشوا، إنّ "عملية الاقتتال الداخلي التي انتهت في شهر حزيران (يونيو) 2007 لم تتوقف عند السيطرة على المقرات الأمنية، وارتفاع عدد الضحايا، وعزل غزة عن العالم، وفصلها عن الضفة الغربية؛ بل امتدت تداعياتها الخطيرة على مدار الأعوام الماضية، والتي طالت جميع مناحي الحياة لشرائح المجتمع".

اقرأ أيضاً: حكومة فلسطينية جديدة .. هل تنهي الانقسام بين فتح وحماس؟
وأضاف، في حديثه لـ "حفريات"، أنّ استمرار حالة الانقسام دون التوصل إلى حلول شاملة، أثر على العلاقات الاجتماعية بين العائلات التي قتل أفرادها، ولم ترد لها حقوقها، مشيراً إلى أنّ ذلك يحدث انعكاسات خطيرة على وحدة النسيج المجتمعي، الذي طالما اعتز به الفلسطينيون كجزء من ثقافتهم.
 استمرار حالة الانقسام دون التوصل إلى حلول شاملة، أثر على العلاقات الاجتماعية

جراح ممتدة
ووفقاً للدراسات الحقوقية أصيب خلال المواجهات المسلحة 1470 فلسطينياً، من بينهم 45 مدنياً، 50% منهم أصيبوا بأضرار بليغة وإعاقات دائمة، بالإضافة إلى من بترت أطرافه.
ويوضح الشوا أنّ معاناة ضحايا الاقتتال من المصابين، خاصة من فقدوا أطرافهم، "لم تتوقف عند الجراح التي استقرت في أجسادهم، ليعيشوا مأساة قاسية من جانب آخر؛ حيث واجهوا صعوبة بالغة خلال السنوات الماضية في السفر للعلاج في مستشفيات القدس والضفة الغربية والأردن، عبر المعابر التي تتحكم إسرائيل بحركة فتحها وإغلاقها".

أزمات الانقسام لم تقتصر على ضحاياه وعائلاتهم بل امتدت لتطال المجالات الفنية والثقافية

أبو ماهر الراعي البالغ من العمر 50 عاماً، من مدينة الزهراء وسط قطاع غزة، أحد ضحايا الاقتتال؛ إذ يعيش مأساة ترافقه على مدار اليوم، بفعل الإصابة التي تعرض لها أثناء عملية الاقتتال المسلّح، خلال تواجده في محيط منزله؛ حيث بترت قدمه، وأصبح مقعداً لا يقدر على الحركة.
يقول الراعي لـ "حفريات": "قبل الإصابة كنت أتحرك بحرية في أي وقت، وأعيل أسرتي، موفراً لهم كل احتياجاتهم، ولكن اليوم أصبحت مقعداً لا أتمكن حتى من إعانة نفسي، فعملية تناحر الفصائل على مقرات أمنية وحكم زائل أفقدني طرفاً مهماً في جسدي، وحرموني القدرة على الحركة".
وإلى جانب معاناة الراعي نتيجة بتر قدمه، فإنه يواجه مأساة أخرى متمثلة في عدم مقدرته على السفر لإجراء العمليات الجراحية، وتلقي العلاج اللازم في الخارج، والذي لا يتوفر في مستشفيات غزة، وذلك بفعل فرض الحصار وإغلاق معابر القطاع التي تسيطر عليها إسرائيل، كنتيجة مباشرة لحالة الانقسام.
ويشير الراعي إلى أنّه يحتاج إلى عمليات جراحية كبرى في ساقه المبتورة وهي النتوءات العظمية واللحمية.
انعكاس على الفن والثقافة
أزمات الانقسام لم تقتصر على ضحاياه، وعائلاتهم، بل امتدت لتطال كافة الشرائح، وتشمل جميع مجالات الحياة ومن ضمنها الفنية والثقافية رغم محدوديتها لقلة الإمكانيات.

اقرأ أيضاً: اتهامات جديدة لإيران بتكريس الانقسام الفلسطيني..كيف؟
المشاهد الفنية من أدب وشعر ومسرح تأثرت بطبيعة الحال بحالة الانقسام والحصار، وانعكس التشرذم بين الفصائل المتناحرة على الفن والأدب وموضوعاته.
يقول المخرج الفلسطيني الشاب عمر العيماوي لـ "حفريات" إنّ "خشبة المسرح والمشاهد الفنية في غزة شهدت إنتاج العديد من الأعمال التي تحاكي الويلات التي تجرع مرارتها الفلسطينيون، منها، مسرحية خارج الصندوق، التي تعالج قضايا المرأة الغزية، ومسرحية "روميو وجولييت في غزة"، التي تروي قصةَ حب بين شاب من غزة وفتاة من الضفة، نشأت في واقع الانقسام الفلسطيني المرير.

المخرج الفلسطيني عمر العيماوي
ومن أكثر الأعمال المسرحية التي حظيت بإعجاب الجمهور، بحسب العيماوي، ولامست هموم الكل الفلسطيني في غزة، مسرحية آخر العنقود، وهي عبارة عن فكرة اجتماعية سياسية عرضت بطريقة كوميدية، حيث تسلط الضوء على المشكلات كافة التي يعانيها سكان غزة؛ كالبطالة والعنوسة وقلة الدخل المادي، وغيرها من الأزمات المتراكمة.

العيماوي: فنانو غزة حملوا على عاتقهم مسؤولية كبيرة فهم يمثلون صوت المجتمع وأمله المنتظر

ويشير  العيماوي إلى أنّ الفنانين في غزة حملوا على عاتقهم مسؤولية كبيرة؛ "فهم يمثلون صوت المجتمع وأمله المنتظر، فيما تعلق عليهم آمال كبيرة في تعميق حالة الحداثة والتجديد المفقودة في غزة منذ 10 أعوام بفعل أزمات الحصار والانقسام".
يذكر أنّ العيماوي أخرج العديد من الأعمال الفنية التي تناولت تداعيات استمرار حالة الانقسام على شرائح المجتمع الفلسطيني؛ ففي عام 2015 أخرج فيلماً وثائقياً بعنوان "أولياء الدم"، الذي يتناول قضية ضحايا الاشتباكات المسلحة بين فتح وحماس من قتلى ومصابين، وعدم تنفيذ طرفي الانقسام ملف المصالحة المجتمعية الذي يكفل حقوق الضحايا.
وفي العام 2018 أخرج فيديو كليب بعنوان "كلاكيت آخر مرة"، والذي يجسد معاناة الفلسطينيين نتيجة فشل فصائل الانقسام من الاتفاق، رغم جولات المصالحة التي دارت على مدار 12 عاماً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية