هكذا تحدّت ديما جحا الإعاقة والحرب والوصايا المحبطة

الاحتياجات الخاصة

هكذا تحدّت ديما جحا الإعاقة والحرب والوصايا المحبطة


03/07/2019

ديما الداهوك جحا؛ شابة سورية لم يمنعها الكرسي المتحرك من ملاحقة شغفها بالرياضة من بلدها إلى المهجر؛ إذ لفتت الانتباه لموهبتها، وقدراتها منذ وصولها الأراضي الكندية، في ربيع العام 2017، وكان رفيقها في هذه المسيرة شاب شاركها ذات الظروف والموهبة، أسامة جحا، الذي ستحمل اسم عائلته بعد الارتباط بها.

اقرأ أيضاً: 17 لاعباً من غزة يغيّرون قواعد كرة القدم
"حفريات" التقت ديما للحديث عن رحلتهما المشتركة في عالم التميز والإبداع الرياضي، منذ التقيا للمرة الأولى في مدينة حرستا السورية.

جاء اليوم الذي قلت فيه: عليّ أن أثبت لنفسي وللمجتمع أنني أستطيع أن أنتصر على إعاقتي (تصوير حفريات)

بوابة الرياضة للتغلب على الإعاقة
تقول ديما: مدينة حرستا إحدى ضواحي دمشق الشرقية الجميلة. وقد نشأتُ هناك، وكان اسمي قبل الزواج ديما الداهوك، لكن بعد الزواج صار ديما الداهوك جحا، وقد تعرضت لحادث سير وأنا في سنّ الثالثة من عمري، وتمّ نقلي للمستشفى. ولكنّ خطأً طبياً تسبّب لي هناك بشلل نصفي. وكانت المعاناة كبيرة في طفولتي وشبابي بسبب الإعاقة، وكانت رحلة عذاب بسبب نقص الإمكانيات والوسائل المساعدة عند كلّ ذوي الاحتياجات الخاصة، أما زوجي، أسامة، فقد أصيب بشلل الأطفال في سنّ مبكرة، وقد عانى كلانا بسبب صعوبة توفر التجهيزات، ونقص الأدوات، وعدم قدرة عائلتينا  على تحمل تكاليف العلاج.

ديما جحا شابة سورية لم يمنعها الكرسي المتحرك من ملاحقة شغفها بالرياضة من بلدها إلى المهجر

وحول كيفية التغلب على إعاقتهما من بوابة عالم الرياضة، تقول ديما: ظروفي المعيشية كانت صعبة؛ وازدادت مع إعاقتي ونظرة المجتمع المحبطة، لكنّني اجتهدت بالدراسة وتفوّقت. وجاء اليوم الذي قلت فيه: عليّ أن أثبت لنفسي وللمجتمع أنني أستطيع أن أنتصر على إعاقتي، وقد قال الكثيرون من الأقارب والمعارف حينذاك: "لن تنهي دراستك"، فأنهيتها، وقالوا: "لن تعملي بسبب إعاقتك"، فعملت بوزارة الصناعة السورية، وقالوا: "لن تستطيعي إكمال حياتك"، فانتسبت إلى نادٍ رياضي، وبدأت نجاحاتي الرياضية، وقد تمّ تتويجي ببطولات تنس الطاولة لعشرة أعوام في سوريا، كما شاركت ببطولات لرفع الأثقال وألعاب القوى، وقد كان زوجي بطل رفع أثقال وكرة سلة، حين قابلته للمرة الأولى.
ديما وزوجها أسامة

قلبان يجمعهما الإصرار
وعن ظروف التقائها بزوجها، أسامة جحا، قالت: المرة الأولى، كانت في النادي الرياضي بدمشق؛ حيث كنا نتدرب، وذلك بعد عودته من بطولة "إفرواسيوية" للكراسي المتحركة، وكان قد فاز بميداليتين بتلك البطولة، التي أقيمت في مصر. وقد عمل أسامة على تدريبي على رفع الأثقال، ومن ثم شاركت في بطولات في بلدي سوريا، وحصلت على جوائز في بطولة رفع الأثقال للسيدات.

مثّلت الحرب في سوريا التي بدأت العام 2011 تحدياً آخر للزوجين جحا استمر أربعة أعوام

وعن الحب، قالت ديما: نشأت قصة حب بيننا، ثم قررنا الزواج، وكان هناك معارضة من الأهل لاعتبارات دينية، وبسبب النظرة السلبية من المجتمع والمحبطة لذوي الاحتياجات الخاصة، خاصّة أنّ كلينا يستخدم الكراسي المتحركة للتنقل، لكننا لم نرضخ للنظرة التشاؤمية والمثبطة للمجتمع المحيط بنا.. تزوجنا، وكان ذلك أهم وأحلى القرارات التي اتخذناها؛ أدركت نعمة الله عليّ بأن رزقني زوجاً محباً وحنوناً ومعيناً لي في هذه الحياة.
"مع ذلك لم تتوقف تدخلات المجتمع والأسرة" تقول ديما؛ موضحة "حثّنا الجميع على عدم الإنجاب؛ لأنّني -أنا وزوجي أسامة- كنّا من ذوي الاحتياجات الخاصة، ونتنقل على كراسي متحركة. ولكنّنا لم نستمع لأحد، وعشنا كعائلة سعيدة، وأنجبنا ابننا الأول، محمد فارس، وبعد أربعة أعوام رزقنا بابننا الثاني، عبد الرحيم، والذي يعاني من متلازمة داون، وهنا زاد اللوم علينا لأنّنا أنجبنا طفلاً معاقاً، ولكنّ ذلك زادنا قوة وتصميماً على الحفاظ على عائلتنا.
أدركت نعمة الله عليّ بأن رزقني زوجاً محباً وحنوناً ومعيناً لي في هذه الحياة

تحديات الحرب والغربة
مثّلت الحرب في سوريا التي بدأت العام 2011 تحدياً آخر للزوجين جحا استمر "أربعة أعوام عجاف قاسية جداً" على حد وصفهما، تقول ديما عن تلك الفترة: صبرنا كثيراً على الصراع المسلح في مدينة دمشق. ومن ثم هاجرنا، العام 2015، إلى تركيا؛ لم نجد عملاً وعشنا حياة قاسية جداً، إذ قضينا ستة أشهر أنا وزوجي نتناوب التنقل على كرسي متحرك واحد، حتى جاءنا فاعل خير بعد ذلك بكرسيَّين جديدَين. 

اقرأ أيضاً: رضا عبدالسلام: رحلتي إلى إذاعة القرآن الكريم بدأت بتحايلي على الإعاقة
وتضيف ديما: تطوعت أنا وزوجي في تركيا لمساعدة أشخاص عندهم إعاقة، وذلك بتدريبهم على لعبتَي تنس الطاولة وكرة السلة، وكان لهذه النشاطات أكبر الأثر في رفع معنويات معاقين كثر حضروا تدريباتنا، وأحسسنا بأنّ جهودنا انتشلتهم من حالتهم النفسية المتردية في ذلك الوقت.
وعن ظروف هجرتهما إلى كندا، بينت ديما أنّ عائلتها تلقت العام 2016، اتصالاً من مفوضية الأمم المتحدة في تركيا، وعرضوا عليهما الهجرة إلى بلدٍ جديد، وقد وافقا على ذلك، وبعد عام من المقابلات، تمّ قبول ملفّهما الخاص بالهجرة إلى كندا، وذلك في شهر آذار (مارس) من العام 2017.

اقرأ أيضاً: الإعاقة الحركية لا تمنع ممارسة الكاراتيه في غزة
تقول ديما: "عندما وصلنا كندا واجهتنا بالبداية صعوبات كثيرة، مثل: تأمين بيت متلائم مع احتياجات المعاقين، ومزوّد بخدمات لذوي الكراسي المتحركة، وكذلك كانت هناك صعوبات بالتأقلم مع ثقافة وعادات ولغة وتقاليد وأنظمة جديدة بالنسبة إلينا، ولكننا -وبإصرار- استطعنا التغلب على هذه الصعوبات والمعيقات، وكان اندماجنا سريعاً في الحياة الكندية، وقد اخترنا العيش بمدينة هاملتون في مقاطعة أونتاريو.

رغم ما مرت به مع عائلتها لم تنس ديما ولعها وزوجها بالرياضة
رغم ما مرت به مع عائلتها لم تنس ديما ولعها وزوجها بالرياضة: "بعد وصولنا لكندا، العام 2017، بفترة قصيرة، قرّرت أن أعود لرياضتي المفضلة، وهي تنس الطاولة، وقد تواصلت مع مدرب كندي للبدء بالتدرب من جديد، وأخبرني بأنّ بطولة كندا القادمة ستكون بعد أربعة أشهر، وكان عليّ أن أستعدّ بسرعة لذلك اللقاء الرياضي، وكانت مشاركتي أنا وزوجي مهمة؛ حيث أحرزت ميدالية فضية باللقاء الفردي وذهبية بالزوجي.

شاركت ديما جحا عام 2019 في بطولة التنس لمقاطعة أونتاريو الكندية وأحرزت الميدالية الفضية

بعد عام من ذلك التاريخ طالبت ديما برفع تصنيفها كلاعبة تنس، وشاركت ببطولة متقدمة، على مستوى كندا، وأحرزت فضيَّتيْن، واحدة في اللقاء الفردي والأخرى بالزوجي، وقد كنت السيدة الوحيدة في البطولة التي شاركت على كرسيّ متحرك، وشارك زوجها في تلك البطولة، وأحرز ميدالية فضية، وشاركت هي، العام 2019، في بطولة التنس لمقاطعة أونتاريو الكندية، وأحرزت الميدالية الفضية.
الوصول إلى هذه النجاحات لم يكن سهلاً، كما تقول ديما، "لم تأخذ الاتحادات الرياضية الكندية مهاراتنا وقدراتنا الرياضية على محمل الجدّ، وكان دعمهم لنا ضعيفاً وهزيلاً؛ لذلك اضطررت أن أنفق من جيبي الخاص على مشاركاتي الرياضية الأولى"، وتستذكر ديما القائمين على المؤسسة السورية الكندية، الذين قدموا لها دعماً مادياً في الدورات الرياضية اللاحقة.
لم تتوقف تطلعات ديما عند هذا الحد؛ إذ تقدّمت للمشاركة بمسابقات عالمية لتنس الطاولة، لكن واجهت صعوبة في الحصول على تأشيرة دخول للدول المستضيفة للمسابقات؛ لأنّها ما تزال على قائمة اللاجئين في كندا، كما أنّ الاتحاد الكندي لتنس الطاولة لم يقدم لها الدعم الكافي على حد تعبيرها. 

اقرأ أيضاً: "هدف".. مطعم مغربي يدعم ذوي الاحتياجات الخاصة
"عدم المبالاة دفعني للتوجه للاتحاد الباراولومبي للحصول على الدعم منه، وكي يضمّني لفريق اللاجئين المشارك في المسابقات الدولية، وما أزال في انتظار ردّه بخصوص هذا الطلب. لم، ولن، يثنيني هذا التهميش من الاتحاد الكندي، والتغافل عن قدراتي وإمكاناتي الرياضية، عن تحقيق أهدافي الرياضية، والفوز بميداليات وببطولات عالمية ومحلية مهمّة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية