قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب

تنظيم القاعدة

قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب


04/07/2019

لم تسلم دول، مثل مصر والجزائر، من ضربات الجماعات الدينية المتطرفة، خصوصاً فترة التسعينيات من القرن العشرين، وكان لتلك الصدامات جذورها التاريخية، التي يمكن أن يتتبع المراقب من خلالها تاريخ صعود تلك الجماعات، بداية من منتصف الستينيات من القرن الماضي، والتي اتسعت قاعدتها منتصف السبعينيات، مروراً بفترة الثمانينيات والتسعينيات، التي انتهت بتوحيد جهود تلك الجماعات تحت غطاء واحد، وهو الجبهة العالمية الإسلامية لمحاربة اليهود والأمريكان، التيار الذي أصبح بعد ذلك بذرة تنظيم القاعدة.

اقرأ أيضاً: إيران إذ تتحالف مع "القاعدة".. هل بقي هناك شيطان أكبر؟
ورغم أنّ تلك الجماعات اعتمدت في تمويلها ودعمها على المجاهدين الأفغان العرب، السعوديين على وجه الأدق، الذين كان لهم حضور كبير في الحرب الأفغانية ضد السوفييت، إلا أنّ المملكة العربية السعودية، وعلى غير المتوقع، لم تعانِ من ضربات الإرهابيين، مثلما عانت مصر والجزائر، أو اليمن، علماً بأنّ أول تنظيم للقاعدة خارج أفغانستان كان في السعودية، بزعامة السعودي يوسف العييري، تحت مسمى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وذلك عام 2003، بحسب ما أشار "توماس هيغهامر" في كتابه "الجهاد في السعودية – قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب".
"الجهاد في السعودية – قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"

تنظيم القاعدة خارج أفغانستان
ويشير الباحث المصري الدكتور هاني نسيرة، في دراسه بعنوان، "تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية" المنشورة ضمن كتاب "الحركات الإسلامية في الوطن العربي" الصادر عن "مركز دراسات الوحدة العربية"، إلى أنّ "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب شغل حيزاً كبيراً من الاهتمام، كما تميز بسمات عدة من سواه من التنظيمات الفرعية للقاعدة، لكونه التنظيم الأول الذي أنشأته القاعدة خارج أفغانستان، وأنه نشأ بأمر مباشر من قائدها، أسامة بن لادن، وكانت جرثومته الرئيسية محاربين سابقين من السعوديين الأفغان، ممن لم ينقصهم التدريب، ولا الأداء التنظيمي، سواء في التجنيد أو في إدارة العمليات".

أول تنظيم للقاعدة خارج أفغانستان كان في السعودية تحت مسمى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب

وبدأ تبلور التنظيم تحديداً، وفق نسيرة، بعد تفجيرات الرياض عام 1995 والخُبر عام 1996 (التي قام بها بعض الشيعة السعوديين واتهم فيها السعوديون الأفغان) والتي أدت إلى حملات مداهمة حكومية قوية، أخمدت فورة الجهاديين في السعودية، وأدخلتها مرحلة السكون، ولكن تجدد نشاطها، كما ذكر نسيرة، بذهاب مجموعات جديدة من السعوديين إلى أفغانستان، بعد قيام حكومة طالبان واستقرار أسامة بن لادن هناك، كان في مقدمتهم العييري والمقرن، منضمين إلى معسكرات التدريب التابعة لابن لادن. وهو ما استمر حتى العام 2001، عبر نشاطهما في المملكة العربية السعودية فيما بعد، من أجل تأسيس تنظيم فرعي أول للقاعدة.
كان للحرب الأفغانية دورها الكبير في تأسيس تنظيم للقاعدة في الجزيرة، ويذكر هيغهامر في كتابه أنّ أول مشاركة سعودية في أفغانستان تمت من خلال رابطة العالم الإسلامي والإخوان المسلمين، لافتاً إلى أنّه وبالنظر إلى أنّ أعظم نفوذ امتلكه الإخوان المسلمون في السعودية كان في الحجاز، وخصوصاً في المدينة المنورة، فقد بدأت التعبئة للجهاد في أفغانستان هناك.
أسامة بن لادن

طهارة شبه الجزيرة العربية
ويلفت هيغهامر إلى أنّ المملكة العربية السعودية تحتل مكانة مركزية في التاريخ الفكري للجهاد العالمي؛ لأنها السبب الأصلي الذي صيغ هذا الاتجاه من أجله؛ ذلك أنّ الاحتلال (الأمريكي) لبلاد الحرمين غدا موضوعاً مركزياً في أغلب بيانات أسامة بن لادن، في النصف الثاني من عقد التسعينيات.

اقرأ أيضاً: "البروج المشيدة": رحلة في تطور الفكر السلفي وأصول تنظيم القاعدة
رأى بن لادن أنّ التواجد العسكري الأمريكي في المملكة العربية السعودية غير مقبول على الإطلاق لأسباب عديدة، أولها، كما أشار هيغهامر، أنّه يتعارض مع المستلزمات الدينية المتعلقة بطهارة شبه الجزيرة العربية وحرمة مكة المكرمة والمدينة المنورة، والسبب الثاني؛ هو أنّ الوجود العسكري الأجنبي غير مقبول سياسياً؛ لأنه يرقى إلى مستوى احتلال أراض إسلامية ذات سيادة، وهيمنة قوة غير مسلمة على الشعب السعودي، والثالث هو التبعات الاقتصادية البالغة الأثر لهذا الاحتلال؛ لأنه يسهّل استغلال الموراد النفطية، ويرغم الدولة السعودية على شراء أسلحة باهظة التكلفة. يقول هيغهامر: "ولا ريب إذاً في أنّ بن لادن رأى أنّ الاحتلال الأمريكي مصدر المشكلات والشرور كافة التي ابتلي بها المجتمع السعودي".

رأى بن لادن أنّ التواجد العسكري الأمريكي في المملكة العربية السعودية غير مقبول على الإطلاق

بالتشديد على المكانة الخاصة للمملكة العربية السعودية لدى الأمة الإسلامية، أظهر بن لادن بلا شك قدراً معيناً من الحس الوطني، والنزعة الإثنية، كما أوضح هيغهامر، "فقد فاخر بأنه لم يدنس المملكة العربية السعودية احتلال أجنبي طوال أربعة عشر قرناً، بخلاف باقي دول الشرق الأوسط، وأشار ضمناً إلى تمتع سكان شبه الجزيرة العربية بمكانة خاصة كونهم الأحفاد الأصليين للصحابة. ويضيف أنّ السعوديين تميزوا في استجابتهم للدعوة إلى الجهاد في الخارج، ولذلك يتوقع منهم خوض قتال أشد على أرضهم".
في عام 2002 بنى يوسف العييري منظمة وقام باستعدادت عسكرية مكثفة للحملة المستقبلية، وقام بتجميع الأسلحة الثقيلة والخفيفة، واستأجر المنازل الآمنة في مناطق مختلفة من البلاد، وأنشأ أيضاً معسكرات تدريب في الصحراء، ومعسكرات تدريب في أماكن مغلقة داخل المدن.
كان للحرب الأفغانية دورها الكبير في تأسيس تنظيم للقاعدة في الجزيرة

انهيار القاعدة في جزيرة العرب
وذكر نسيرة في دراسته أنّه في وقت محدد من ربيع 2003 أمرت القيادة العليا في تنظيم القاعدة بشن الهجمة الأولى رغم اعتراضات العييري الذي قيل إنّه أكد أنّ التنظيم ليس مستعداً بعد، لكنه رضخ لأمر أسامة بن لادن، وكان من أول ضحايا التنظيم، كما كانت هذه العملية إيذاناً بإعلانه.
يقول نسيرة: "وقد أثبت التاريخ أنّ العييري كان محقاً، بعد الهجوم الأكبر بالقنابل في 12 أيار (مايو) 2003، حيث بدأت حملة اعتقالات أدت إلى مقتل العييري نفسه، والعديد من زملائه الكبار في أيلول (سبتمبر) 2003، كما تفرق وتشتت التنظيم بصورة كبيرة بعد هذا التاريخ".

اقرأ أيضاً: بشهادة "القاعدة".. العنف خرج من رحم "الإخوان"
ويضيف نسيرة في بحثه: "وقد أثبتت الشرطة السعودية كفاءة نادرة في هذا السياق، فقد نجحت في القضاء على العييري وعلى كل خلفائه من زعماء التنظيم، كما قبضت على البعض الآخر، ولازال رهين سجونها، ومارست على كثير منهم عمليات لجان المناصحة التي تشرف عليها الداخلية السعودية لتصحيح أفكارهم".
ويعلل هيغهامر انهيار القاعدة في جزيرة العرب بعوامل ثلاثة تضافرت في إفشال مشروع الجهاد في الجزيرة العربية؛ الأول: قوة الدولة التي استطاعت بما تملكه من موارد غير محدودة وإستراتيجية فاعلة في مكافحة الإرهاب تعطيل الحملة العسكرية التي أطلقها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. والعامل الثاني: غياب الدعم الشعبي لمشروع التنظيم والاعتقاد العام بأنّ المسلحين ثوريون عازمون على إشاعة الفوضى. والعامل الثالث: حرب العراق التي شطرت الحركة الجهادية السعودية وأضعفت جهود التعبئة التي بذلها التنظيم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية