العمل الخيري الإخواني تجارة لم تفلس بعد في إندونيسيا

العمل الخيري الإخواني تجارة لم تفلس بعد في إندونيسيا


06/07/2019

منذ الوهلة الأولى التي وضع فيها حسن البنا لبنات مشروع جماعة الإخوان المسلمين، تمّ تركيز آليات لتمويل الجماعة ماديا، فكان العمل الخيري أحد أهم الأسلحة التي توسلها الإسلاميون للتغلغل في نسيج المجتمعات من منطلق وجوب تحقيق غايات التمكين.

لكن، في السنوات الأخيرة، اكتشفت شرائح واسعة لعدة شعوب تحايل الإخوان على تشريعات دولهم، بعدما زرعوا جمعيات خيرية هي أشبه بخلايا دعم وإسناد لمشروع الجماعة وكذلك لدعم جماعات مسلحة.

ورغم الصعوبات التي تعترض مشروع الإخوان في إعادة ترتيب بيته بلعب ورقة العمل الإنساني والإغاثي، فإن هذه التجارة ما زالت مزدهرة بشكل لافت في إندونيسيا وذلك لعدة مبررات يبقى أهمها خصوصيات مجتمع هذا البلد الآسيوي.

إن تغلغل الحركات الإسلامية في إندونيسيا التي رفعت لواء العلمانية في دستورها منذ عام 1945، يعود إلى عام 1912 حيث ظهرت أولى الجماعات تحت اسم الرابطة الإسلامية، ومنذ تلك الفترة راهنت بقية الحركات الإسلامية على نفس المآرب القائمة تحديدا على تجارة العمل الخيري رغم فقدان هذه الآلية الإخوانية لزخمها في بقية الدول المسلمة.

دوافع وخصوصيات
الخصوصيات التي أبقت على متاجرة الإسلاميين الإندونيسيين بالأنشطة الخيرية، سلطت عليها صحيفة “أسوشيتد برس” الأميركية في تقرير عنونته بـ”عند الكوارث، يتطوع الإسلاميون الإندونيسيون كأول من يقدمون المساعدة”.

ويستند التقرير إلى حادثة تعرّض لها رجل يدعى أنور رغاوا وهو صياد لم يجد ما يكفي من المساعدة الحكومية خلال نجاته من تسونامي منطقة سولاوسي المنكوبة، لكنه وجد في المقابل طرفا آخر قدم له يد العون وأهداه قاربا جديدا، وهو جبهة الدفاع عن الإسلام المتشددة التي تشتهر بأنشطتها العنيفة منذ نشأتها.

منذ إنشائها قبل عقدين، عملت الجبهة على تحقيق هدفها المتمثل في إدارة حياة 230 مليون مسلم في إندونيسيا على أسس الشريعة الإسلامية، كتصحيح لما تعتبره عيبا في دستور البلاد الصادر سنة 1945، والذي صنفها كدولة علمانية يتمتع شعبها بحرية دينية.

ورغم أن الحكومة توخت سياسة تجاهل هذه الجماعة، إلا أن هذه الأخيرة حققت انتصارات سياسية غير متوقعة خاصة بسبب نمو الإسلام الشرق أوسطي المحافظ في إندونيسيا.

ومن الأسلحة التي اعتمدتها جبهة الدفاع عن الإسلام، تشكيل ميليشيات تختص في العمل الخيري ومساعدة الفقراء والبحث عن الضحايا المدفونين تحت أنقاض الزلزال أو الكوارث الطبيعية الأخرى.

ويقول الباحثون إن الجبهة تشكلت في جاكرتا، حيث جمعت عناصر من الجيش الإندونيسي بعد سقوط الدكتاتور سوهارتو إثر اندلاع شرارة الانتفاضة الشعبية في البلد في مايو 1998. واستغل الجيش المجموعة التي أسسها كأداة لمواجهة الناشطين المؤيدين للديمقراطية والليبرالية. وبعد ذلك، أصبحت الجماعة قادرة على ممارسة أنشطتها دون مواجهة عواقب قانونية، لكن سمعتها ساءت بسبب عنف ميليشياتها كنهج لتحقيق أهدافها.

ويشغل مامان سوريادي عبدالرحمان منصب قائد ميليشيا جنود الدفاع الإسلامي التابعة للجبهة، وقال إن المنظمة تجمع مليون عضو، فيما أكد خبراء أن العدد أقل بكثير ولا يتجاوز عشرات الآلاف. ولا تقترح الجبهة أن تصبح إندونيسيا دولة خلافة، بل تقول إنها تريد تطبيق الشريعة الإسلامية على 9 من كل 10 مواطنين مسلمين.

وتنقل “أسوشيتد برس” عن عبدالرحمان قوله “هدفنا هو تحويل الإسلام إلى ديانة الأغلبية في إندونيسيا وإلى بلاد متدينة وخالية من أنواع الفجور، نريد بلدا إسلاميا يحمي الأمة من الظلم الاجتماعي، وليس دولة إسلامية”.

ومازالت الجماعة تعتمد القوة ضد ما تسميه “أمراض المجتمع” مثل الدعارة والمثلية الجنسية والاحتفال بالأعياد الغربية. وتقول إنها تفعل ذلك استجابة لطلب المجتمعات المحلية. وبذلك، تتبع الجبهة خطى المجموعات المحافظة الأخرى في إندونيسيا، بما في ذلك حزب التحرير الذي كان يسعى إلى إقامة دولة الخلافة قبل حظره خلال عام 2018.

نموذج الإخوان

اعتنقت الجبهة الدفاعية الإسلامية العمل الخيري لتملأ الفراغ الذي تركته الحكومة والمنظمات الإسلامية السائدة. وقال المحلل السياسي الإندونيسي التابع لكلية “إس راجاراتنام” للدراسات الدولية في سنغافورة، ألكسندر رايموند أريفيانتو، إن الجماعات الإندونيسية اتبعت منهج جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي كانت رائدة في الجمعيات الخيرية الإسلامية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي مما أجج شعبيتها.

كما اعتمدت حماس (في فلسطين) وحزب الله (في لبنان) على الخدمات والمساعدات الاجتماعية كوسيلة لكسب قلوب الشعوب وعقولهم. في المقابل، حدّد عبدالرحمان نقطة التحول في مسار الجبهة في استجابتها لكارثة تسونامي التي ضربت سواحل المحيط الهندي عام 2004 مخلفة أكثر من 100 ألف ضحية في إقليم آتشيه الإندونيسي.

وأشار إلى أن متساكني إقليم آتشيه، الذي يعد محافظا، لم يرحّبوا بالجبهة في بداية الأمر. لكن، الجماعة قررت أن تواصل بذل جهودها الإنسانية وفازت بقلوب الفئة المحافظة بعد استعادة ودفن الآلاف من الضحايا. وقال إن قبول الجبهة يتزايد بين فئات الشعب الإندونيسي. تسمى ذراع الجبهة الإنسانية “الهلال الأحمر الإندونيسي”، رغم أنها لا تنتمي إلى الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر.

كانت الجبهة موجودة خلال زلزال بالو والتسونامي لمدّ يد العون مع حدوث كل كارثة، حيث تبحث عن الضحايا، وتوزع المساعدات وتبني مساكن مؤقتة ومساجد جديدة. وأصبحت خدماتها الاجتماعية المنتظمة، مثل الرعاية الصحية المجانية، شريانا يبث الحياة في فقراء المدن.

وتحمل بعض المناطق مثل مقاطعة سولاوسي الوسطى سجلا من العنف الطائفي، وفتحت الإخفاقات الحكومية في مختلف زوايا البلاد المهمشة نافذة للمتشددين الذين أقنعوا السكان بأن الحل يكمن في الدين وليس في الحكومة.

وتقول جبهة الدفاع عن الإسلام إن الـ350 طنا من المساعدات التي قدمتها في بالو لا تعد سوى جزء بسيط مما ستمنحه إلى المنطقة في النهاية. وكان إيصالها للمساعدات سريعا وشاملا.

وبينما كان المسؤولون يحاولون إيجاد سبل للمساعدة، أرسلت الجبهة شاحنات من الأرز وغيرها من المساعدات إلى بوسو في جنوب شرق بالو. وسارع فريق البحث والإنقاذ التابع للجبهة إلى تمشيط منطقتين سكنيتين ابتلعهما الزلزال، ونجح في استخراج الجثث قبل قدوم وكالة البحث والإنقاذ التابعة للحكومة. وحين وصلت الوكالة الحكومية، واجهت غضب الأسر المنكوبة التي طالبتها بتفسير أسباب تأخّرها. ويرجع السبب إلى تركز جهود المسؤولين على الفنادق أولا.

وقال محمود خيم الدين، الذي يشغل منصب سكرتير الجبهة في سولاوسي الوسطى “كان اليوم الثامن الأسوأ، إذ انتشرت رائحة الجثث الكريهة، وبدأت التربة في التصلّب”.

وكان رد الحكومة على صور الجبهة غير ملائم، حيث وصفتها وزارة الإعلام بأنها مفبركة. ويبدو أنها لم تكن على علم بأن أعضاء الجبهة تدربوا على يد وكالة البحث والإنقاذ نفسها. ولم تقلل الجبهة من جهودها في بالو بعد الأيام الأولى التي تلت الكارثة.

كما كان النفوذ السياسي المتزايد للجبهة واضحا خلال سنتي 2016 و2017، عندما حشدت مئات الآلاف للاحتجاج على الحاكم المسيحي للعاصمة جاكرتا. وسقط الحاكم، وهو حليف للرئيس جوكو ويدودو، وسجن لسبب ديني.

وخلال انتخابات أبريل الرئاسية، دعمت الجبهة الجنرال السابق برابوو سوبيانتو. وفاز بأغلبية ساحقة في المقاطعات المحافظة. لكن، أعيد انتخاب ويدودو بعد فوزه بفضل ائتلاف من الناخبين المعتدلين والأقليات، لكنها عانت من انتكاسات أخرى، بعدما  فر زعيمها رزق شهاب إلى المملكة العربية السعودية عام 2017 خوفا من اعتقاله بتهم إباحية ادعى أنه بريء منها.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية