أطفال داعش وثمن جرائم الآباء.. كيف يندمجون في المجتمع؟

أطفال داعش وثمن جرائم الآباء.. كيف يندمجون في المجتمع؟


09/07/2019

ترجمة: محمد الدخاخني


كان هذا هو الإنجاز الذي سعت إليه كارين نيتلتون على مدار خمسة أعوام: لقد نُقِل أخيراً أولاد خالد شرّوف، وهو مقاتل داعشيّ اشتُهِر بأفعاله الشّنيعة، من مخيّم سوريّ هذا الأسبوع إلى العراق وسيعودون قريباً إلى أستراليا.
ومنذ أن قامت ابنتها، زوجة السيد شروف، بأخذ أكبر أطفالها إلى الأراضي التي يسيطر عليها داعش في عام 2014، أخذت السيدة نيتلتون تبحث عنهم، وقامت، في نهاية المطاف، بثلاث رحلات إلى سوريا، وضغطت على الحكومة الأستراليّة حتى تقوم بإنقاذ الأطفال.

اقرأ أيضاً: "أطفال داعش".. سلاح التنظيم الإرهابي بعيد المدى
والآن بعد أن أصبح الأطفال -وهناك ستّة منهم، بين أطفال حديثي الولادة وصبْية تصل أعمارهم إلى  18 عاماً- في العراق، وعلى خطوة أقرب إلى مرحلة الإعادة إلى الوطن، تواجه الحكومة التحدي الكبير التالي في هذه القضيّة: كيفيّة إعادة إدماجهم في المجتمع الأستراليّ.

هؤلاء الأطفال الصّغار لم يروا الحياة الطبيعيّة لجزءٍ كبير من حياتهم
مع سقوط ما يسمّى بالخلافة التي أنشأها تنظيم داعش في سوريا والعراق، تواجه الحكومات في كافّة أنحاء العالم المعضلات الأخلاقيّة والسّياسيّة والأمنيّة نفسها التي تثير الآن نقاشاً كبيراً في أستراليا - في وقت يقبع فيه الآلاف من زوجات وأطفال مقاتلي داعش في مخيّمات سوريّة.

 

وفي حالة أطفال شرّوف -وهم جزء من عائلةٍ تصدّرت عناوين الصّحف العالميّة عندما جرى تصوير أحدهم، وهو صبيّ يُعتقد الآن أنّه ميّت، وهو يحمل رأساً مقطوعاً- قالت السّلطات الأستراليّة والأشخاص المقرّبون من العائلة إنّ هناك خططاً قائمة للمساعدة في إعادة إدماجهم وتقديم خدمات تُعنى بالصّحة العقليّة إذا لَزِم الأمر.
لكن خبراء مكافحة الرّدكلة شكّكوا في قدرة أستراليا على تقديم مساعدة كافية. كما قالوا إنّ إعادة إدماج الأطفال المعرّضين لوحشيّة تنظيم داعش وكراهيّته تُعدّ موضوعاً جديداً على العديد من البلدان، لكن الإرشادات والخبرات المتعلّقة بالقضيّة في أستراليا محدودة على نحو خاصّ.

خبراء: إعادة إدماج الأطفال المعرّضين لوحشيّة تنظيم داعش وكراهيّته تُعدّ موضوعاً جديداً على العديد من البلدان

تقول آن علي، وهي عضوة في حزب العمّال المعارض وأستاذة سابقة في مكافحة الإرهاب ومقرّها بيرث: "إنّ هؤلاء الأطفال الصّغار لم يروا الحياة الطبيعيّة لجزءٍ كبير من حياتهم؛ بل ربّما عاشوا أشياء يخافها الكبار".
وتضيف: "سيحتاجون إلى برنامج دعم شامل حقّاً لمساعدتهم على إعادة الاندماج. وهو أمر لم يسبق لنا القيام به".
إنّ التّفاصيل المعروفة عن تجربة الأطفال في سوريا قليلة جدّاً، ولكن الأكبر عمراً بينهم أظهروا باستمرار رغبتهم في العودة إلى أستراليا، وتقول جدّتهم، نيتلتون، إنّهم لا يُظهِرون أيّ علامات على الرّدكلة.
وتقول نيتلتون في مقابلة مع "النيويورك تايمز" هذا العام: "أطفالي مجرّد أطفال عاديّين. وعندما نعود إلى أستراليا، أريد أنّ أمنحهم حياة طبيعيّة قدر الإمكان".

اقرأ أيضاً: ألمانيا تُعيد "أطفال داعش".. وهذا هو البرنامج
ومن جانبه يقول رئيس الوزراء، سكوت موريسون، خلال خطابه حول قرار حكومته نقل الأطفال من المخيّم السّوريّ، إنّه بينما ارتكب والداهما "عملاً سيئاً" بنقلهما إلى منطقة حرب، "فلا يجب أن يُعاقب الأطفال على جرائم ارتكبها الآباء".

سكوت موريسون: لا يجب أن يُعاقب الأطفال على جرائم ارتكبها الآباء
ويقول مقرّبون من الأسرة، بمن فيهم محاميها، روبرت فان آلست، والدّكتور جمال ريفي، وهو طبيب من سيدني عمل على مكافحة النّزعة الرّاديكاليّة بين الشّباب الإسلاميّ في أستراليا، إنّ المسؤولين الحكوميّين وعدوا بمساعدة الأطفال على إعادة الاندماج.
بالإضافة إلى ذلك، وكما يقول فان آلست، عرضت جهات خاصّة تمويل عمليّة التّأهيل النّفسيّ - وإن كان يضيف: "ليس لدى الحكومة خطط محدّدة".
ويقول الدّكتور ريفي: "لقد قطعنا شوطاً طويلاً في وضع خطّة تلبّي تطلّعات المجتمع وتضمن سلامة وأمن بقيّة الأستراليّين"، مضيفاً أنّ التّعاون بين الحكومة والمجتمع الإسلاميّ الأستراليّ سيكون أمراً بالغ الأهميّة في هذا الشّأن.
واتّفق خبراء الصّحة العقليّة ومكافحة الرّدكلة على أنّ دعم المجتمع والأسرة - لا سيما الاستقرار الذي بإمكان جدّة الأطفال توفيره - هو أهم العوامل في عمليّة إعادة الإدماج. لكن البعض حذّر من أنّ أساليب التّلقين المتطورة التي يتبعها "داعش" تحتاج مواجهتها إلى برامج إعادة إدماج متطوّرة بالقدر نفسه.

آن علي: سيحتاج أطفال داعش إلى برنامج دعم شامل حقّاً لمساعدتهم على إعادة الاندماج وهو أمر لم يسبق لنا القيام به

يقول دانييل كوهلر، مدير المعهد الألمانيّ لدراسات الرّدكلة ومكافحة الرّدكلة في شتوتغارت، إنّ الجماعة المتشدّدة قامت بغسل أدمغة الأطفال وحشوها بتعاليم تنظر إلى القِيَم الغربيّة على أنّها شريرة، وجعلتهم ينخرطون في تدريبات قتاليّة، وفي بعض الحالات، أجبرتهم على حمل الأسلحة وارتكاب أعمال عنف.
ويقول الدّكتور كوهلر، الّذي عمل على حالات لمتطرّفين إسلامويّين ويمينيّين متطرّفين في أوروبا والولايات المتّحدة: "إنّ ما أرادوا فعله هو تربية الجيل القادم من مقاتلي داعش. وقد رُبّي هؤلاء اجتماعيّاً على فهم مختلف تماماً للصّواب والخطأ، والخير والشّرّ". ويضيف قائلاً إنّ ذلك كثيراً ما جعل الأطفال العائدين "أصعب" الحالات الّتي يجب معالجتها.
هذا، وقد اقترحت بعض الأبحاث في مجال مكافحة الرّدكلة أنّ الأطفال الصّغار الّذين يولدون أو يُنقلون إلى إقليم تسيطر عليه داعش يجب أن يُنظر إليهم في المقام الأوّل كضحايا، في حين قد تكون هناك حاجة إلى مُقَاربةٍ أكثر تعقيداً تجاه الأطفال الّذين بلغوا من العمر ما يكفي لفهم أيديولوجيا المتشدّدين أو الانخراط معها بشكل كامل.

اقرأ أيضاً: ألمانيا تحذر: نساء وأطفال داعش العائدون خطيرون
في أجزاء من أوروبا، جرى تطوير برامج وكتيّبات متخصّصة لمساعدة الخبراء على الإبحار في هذا المشهد الجديد. ومع ذلك، في أستراليا، كانت التّدخّلات تستند إلى حدّ كبير إلى السّجون، أو تُركّز على البالغين، أو على التّخلّص من الدّعاية الإرهابيّة عبر الإنترنت، كما يقول الدّكتور كوهلر وخبراء آخرون.


ويقول علي قدري، المتحدّث باسم المجلس الإسلاميّ في كوينزلاند، "ليس لدينا أيّ برامج"، ويضيف قائلاً إنّه قد ساعد على إعادة إدماج سيّدتين رُحلتا إلى أستراليا بعد أن حاولتا الانضمام إلى داعش في عام 2015.

هناك حاجة لمُقاربة أكثر تعقيداً تجاه الأطفال الذين بلغوا من العمر ما يكفي لفهم أيديولوجيا المتشددين

ولم يستجب وزير الشّؤون الدّاخليّة الأستراليّ لطلبات الحصول على تعليق، ويقول القائمون على برامج مكافحة الرّدكلة والصّدمات النّفسيّة الّذين اتّصلت بهم "النيويورك تايمز" إنّ العمل مع مثل هؤلاء الأطفال ليس ضمن مجال خبرتهم.
ويقول بعض أعضاء المجتمع الإسلاميّ والعاملين في مجال الصّحة العقليّة إنّه سيكون من الخطأ افتراض أنّ الأطفال متطرّفين أو يشكّلون تهديداً. كما يلاحظون أنّ أستراليا لديها خبرة واسعة في إعادة إدماج الأفراد العائدين من البلدان الّتي مزّقتها الحروب.
ويقولون إنّه لا ينبغي معاملة أطفال شرّوف وغيرهم من صغار العائدين من أراضي داعش -بينهم ثلاثة أطفال للمقاتل الدّاعشيّ ياسين رزفيتش نُقِلوا من المخيّم السّوريّ مع أبناء شرّوف يوم الأحد- كاستثناء.
وتقول فيونا جاين تشارلسون، وهي زميلة في مجال الصّحّة العقليّة العالميّة بجامعة كوينزلاند: "إنّنا كأُمّة قَبِلنا الكثير من الّلاجئين الّذين أتوا من خلفيّات مؤلِمة بالدّرجة نفسها". وكانت الدّراسة الأخيرة للدّكتورة تشارلسون، والّتي نُشِرت في مجلة "الّلانسيت" الطّبيّة، قد قيّمت شروط الصّحّة العقليّة بين الأشخاص الّذين يعيشون في مناطق الصّراع.
وتضيف الدّكتورة تشارلسون أنّ آلاف الأشخاص الّذين عانوا من عنف شديد وصدمات نفسيّة جرت رعايتهم بنجاح وأُعِيد إدماجهم في المجتمع الأستراليّ، وذلك على مدار عقود. وتختم قائلة: "لن أعتبر هذا أمراً مختلفاً".


المصدر: ليفيا ألبيك-ريبكا، النيويورك تايمز



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية