المقاتلون الأجانب، بين قبضة الأمن وإعادة الإدماج

المقاتلون الأجانب، بين قبضة الأمن وإعادة الإدماج


22/11/2017

مختارات حفريات

بعد تأكيدات مقتل "أبو بكر البغدادي"، والسقوط الفعلي  لتنظيم "داعش" الإرهابي، في الموصل، وفقدانه المستمر للأرض فى سوريا، بدأتْ قضية المقاتلين الأجانب تطرح نفسها على الساحة. فكيف يمكن للحكومة التّعامل مع  مثل هذه القضية ؟، هل فعلاً سيعودون إلى موطنهم أم يتوجهون إلى وجهة أخرى، فى ظل التشديدات الأمنية؟.

حجم وأبعاد الظاهره

قبل الشروع، فى الإجابة على هذه الأسئلة،  يجب أنْ نقف أولاً على حجم المشكلة وأبعادها. إنّ عدد المقاتلين الأجانب فى صفوف "داعش" ليس له نظير فى التاريخ الحديث. حيث  يقدر عدد المقاتلين الأجانب فى صفوف داعش بـ 22 ألفاً من 100 دولة تقريبا. فى أوروبا الغربية،  وحدها، يقدّر عدد المقاتلين الأجانب بـ 4 آلاف.وبهذا الرقم استطاع التنظيم الإرهابي أنْ يجذب أكبر عدد من المقاتلين الأجانب، إذا ما قورن بقدرة التنظيمات الإرهابية الأخرى، على مدى 10-20 سنة الماضية.  ربما يكون أقرب عدد لداعش هو  تدفق المقاتلين الأجانب للحرب فى أفغانستان ضد الروس، والذى يقدر بـ 22 ألفاً أيضاً، ولكنه كان على مدار ما يقرب من 12 عاما (1980-1992) بينما استطاع داعش أنْ يجذب هذا العدد على مدار 4 أعوام فقط. وفى السياق الأوروبي،تتصدر فرنسا تصديرها للمقاتلين الأجانب، بمقدار 1500 مقاتل، تليها بريطانيا وألمانيا بمقدار 700-800 لكل منهما تقريبا.

من هو المقاتل الأجنبي؟

من هو المقاتل الأجنبي؟ هو بكل بساطة :اشتراك شخص أجنبي "غير مواطن" في أعمال قتالية،أو يدرب أو يتلقى تدريبات على أعمال القتال، أو يقدم الدعم المادي أو المعنوي للتنظيمات الإرهابية أثناء نزاعات أو حروب أهلية.  ما الذى يدفع شخصاً يعيش فى دول أخرى، وخصوصاً أوروبا للذهاب إلى مناطق النزاع؟. والإجابة، أنّ هذه إحدى إشكاليات الفكر الإسلامي السياسي المتطرف مع الحداثه، ففكرة الوطن ليست موجودة على خريطة التفكير، بل إنّ الوطن نفسه خطر على فكرة الأمة التي لا تعترف بوطن أو حدود جغرافية، فدار الإسلام  هي دارهم، حتى لو لم يعد لهذا المصطح وجود فى الواقع المتغير والمتبدل باستمرار.والحل يملكونه أيضاً، يجب أنْ يغير الواقع ويتبدل حتى يعود الواقع القديم، وبناء عليه يجب إعلان الحرب، على من يقف أمام إعاده وبناء ذلك الواقع التاريخي الموهوم. وبفشل المشروع، وتقلصه وتبخر الوعود فى ظلال الخلافة، وتلقيها الهزائم تلو الأخرى، فإنّ الدول على موعد مع استقبال الآلاف من العائدين؟  فهل فعلاً سيعودون؟.

إمكانية العودة

هناك احتمالين للمقاتلين الأجانب، بعد انتهاء النزاع،.إمّا أنْ يستمر المقاتلون فى البحث عن أماكن نزاع أخرى، أماكن رخوة يمكن أن تكون الوجهة القادمة لهم، منها دول أفريقية،أو جنوب آسيوية، حيث مدينة مروي فى الفلبين، والتي سقطت فعلاً تحت حصار داعش، كما يمكن أنْ تكون أجزاء من أندونسيا أيضاً. أما الإحتمال الثانى، فهو العودة فعلاً إلى البلد الأصلي ومن ثم جلب المخاطر معهم.

مخاطرهم

جميع العائدين، من هذه التنظيمات، يمثّلون خطراً على الأمن القومي، نظراً إلى أنّ  لهم باعاً طويلاً فى الصفوف الأمامية، وفى أعمال القتال سيعودون إلى بلدانهم الأصلية، بخبره استخدام السلاح وتصنيعه من مواد بدائية.

كذلك دوافع العودة غير معلومة للوهلة الأولى، فربما يكون العائد يعمل ضمن شبكة دولية من أوامرها الرجوع وتنفيذ علميات إما فى بلده أو فى بلدان أخرى، ويمكن أنْ لا يكون ضمن شبكة ولكنه يعمل ويخطط للقيام بعلميات فردية، أو يكون توقف عن أعمال العنف، ولكن لا يزال متعاطفاً مع الأفكار الأيديولوجية للتنظيم، فينشرها بين أقرانه أو أسرته أو المجتمع المحلي، أو القيام بتدريب الأشخاص وتجنيدهم للقيام بعمليات إرهابية.

ولكن وفقا للدراسات الميدانية الحديثة، فإنّ نسبة العائدين شديدي الخطورة والتطرف لا تتجاوز 11% من نسبة العائدين الكلية. لكن، ما هي السياسات والخطط الموضوعة بشأن التعامل معهم.هل هناك استراتيجية واحدة يمكن الإعتماد عليها دون غيرها؟.

استراتيجيات التعامل مع العائدين

ليست هذه المرة الأولى للدول، ولا للمجتمع، في التعامل مع إرهابيين عائدين، بل كانت لهم تجارب سابقة، مثل العائدين من أفغانستان مثلاً، وفي الغالب تعتمد بعض الدول إما على الخطة الخشنة أو الناعمة:

الخطة الخشنة: عبارة عن تقديم الشخص العائد للمحاكمة وسجنه أو إحالته إلى برامج مكافحة التطرف والمراقبه الدقيقة أو تبادله للمحاكمة فى دول أخرى،أو نزع وثائق السفر،أو إسقاط الجنسية، خاصة من مزودجي الجنسية.

الخطة الناعمة: وتتضمن برامج إعاده الإدماج فى المجتمع وإعادة التوجيه، بعيداً عن الخبرات السابقة، وتقديم الرعاية النفسية، والدينية والإقتصادية، والمساعدة على إيجاد مسكن وفرص عمل، ومن ضمن ذلك البحث الدقيق فى خلفية العائد، و دوافع التحاقه بالتنظيم، فبعضهم ذهب لأسباب أيديولوجية،وبعضهم رغبة في المغامرة، وبعضهم حبا فى  الأعمال الخيرية ثم الإنزلاق بعدها فى أعمال القتال، وبعضهم استمر فى أعمال غير قتالية داخل التنظيم، وفرضت عليهم قيود بعدم الخروج حيث يعتبر الهروب "رِدّةً" ويعاقب عليه بالقتل. وبعضهم تساوره الشكوك فى أيديولوجيا التنظيم ومستعد للحوار.فهي تقدم البرامج المناسبة للشخص على حسب دوافعه.

الخطورة قائمة، ويجب على الدول تبني خطة متكاملة تدمج بين الخطة الناعمة والخشنة، فلكلّ من الخطتين قوتها وضعفها أيضاً. بناءً على ذلك يجب تقييم العائد، كلاً على حدة، ثم اختيار الخطة المناسبة للتعامل مع كل شخص. لا يجب أنْ يتم التعامل معهم جميعم على أنهم مجرمون، على طول الخط، حيث إنّ هذا الأسلوب يُعزّزُ مِن الشّعور بالمظلومية، ويدفع إلى الإتجاهات المتطرفة، كما أنّ الإلتزام بالخطة الناعمة فقط  يمكن أنْ يعرّض الأمن القومى لمخاطر كبيرة.

عن " Quilliam Bulletin"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية