هل ينجح توجّه السلطة الفلسطينية إلى الأردن في الانفصال الاقتصادي عن إسرائيل؟

فلسطين

هل ينجح توجّه السلطة الفلسطينية إلى الأردن في الانفصال الاقتصادي عن إسرائيل؟


24/07/2019

في خطوة للانفصال الاقتصادي عن إسرائيل، رداً على قرارها بحجز أموال المقاصّة الفلسطينية، ولتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين؛ وقّعت الحكومتان الفلسطينية والأردنية، في 7 تموز (يوليو) الجاري، 3 مذكرات تفاهم في مجالات الطاقة والصحة والنقل، وفتح المجال لعلاج المرضى الفلسطينيين في المشافي الأردنية، كبديل عن المستشفيات الإسرائيلية، وإفساح المجال أمام تسويق البضائع الفلسطينية، وتحفيز الاستيراد من خلال الموانئ والمعابر الأردنية إلى فلسطين، إلا أنّ مختصّين شكّكوا في إمكانية نجاح هذه الاتفاقية في تحقيق الانفصال الاقتصادي الفلسطيني عن الجانب الإسرائيلي؛ لاعتماد الأسواق الفلسطينية على المنتجات الإسرائيلية، وارتباط الأراضي الفلسطينية بغلاف جمركي موحَّد مع الاحتلال، وفق ما نصّ عليه بروتوكول باريس الاقتصادي.

أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح بكر اشتية: الاحتلال هو العائق من خلال سيطرته على المنافذ وتحكّمه في التجارة الفلسطينية

ويعدّ بروتوكول باريس الاقتصادي، الموقَّع بين فلسطين وإسرائيل عام 1994، أحد ملاحق اتفاقية أوسلو، ويلزم السلطة الفلسطينية باستيراد أنواع محددة من السلع، وتقوم إسرائيل بجمع الضرائب على البضائع التي تمرّ عبر معابرها إلى الأراضي الفلسطينية، وتحوّلها شهرياً للحكومة الفلسطينية برام الله.
ووفق وزارة الاقتصاد في السلطة الفلسطينية؛ فإنّ حجم التبادل التجاري الفلسطيني الأردني بلغ 230 مليون دولار عام 2017، منها 153 مليون واردات سلعية من الأردن، أبرزها: الإسمنت، وأجهزة الهاتف، والطاقة الكهربائية، والمياه المعدنية، بينما بلغت الصادرات من السلع 77 مليون دولار أمريكي.

وقّعت الحكومتان الفلسطينية والأردنية 3 مذكرات تفاهم في مجالات الطاقة والصحة والنقل

وقرّر المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، في 5 آذار (مارس) عام 2015، تحديد العلاقة مع إسرائيل سياسياً واقتصادياً، ووقف التنسيق الأمني معها، والانفكاك عنها، وعاد ليتخذ القرار نفسه في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2018.
وبحسب سلطة الطاقة الفلسطينية؛ يستورد الفلسطينيون من إسرائيل 93% من الكهرباء المستهلكة، و85% من مياه الشرب، و100% من الوقود والغاز المنزلي.

لا انفصال اقتصادياً عن إسرائيل

أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، بكر إشتية، يقول لـ "حفريات": إنّ "الاحتلال الإسرائيلي ينظر إلى الاتفاقية الاقتصادية الموقَّعة بين الجانبين الفلسطيني والأردني على أنّها تتعارض مع بروتوكول باريس الاقتصادي، الذي وقّعه مع السلطة الفلسطينية عام 1994، ويحدد البروتوكول العلاقة التجارية مع الأردن ومصر بشكل خاص، ويلزم الفلسطينيين بعدم الخروج عن الغلاف الجمركي الموحّد مع إسرائيل، وبالتالي لا تُمكّن الاتفاقية الاقتصادية الجديدة مع الأردن السلطة الفلسطينية من الانفصال عن الجانب الإسرائيلي، تجارياً واقتصادياً، في ظلّ اعتماد الأسواق الفلسطينية على السلع والمنتجات الصهيونية مع سيطرة الاحتلال على المعابر والحدود الفلسطينية".

اقرأ أيضاً: هل ينقذ أثرياء القطاع الخاص السلطة الفلسطينية من الانهيار الاقتصادي؟

ويضيف: "أيّة خطوة فلسطينية من شأنها تحقيق الانفكاك الاقتصادي عن الجانب الإسرائيلي؛ هي خطوة إيجابية تعزز الاقتصاد الفلسطيني، وتعمل على زيادة جودة المنتجات والصناعات الفلسطينية، وتشجّع على التبادل التجاري مع الدول العربية والإقليمية، ولتحقيق ذلك يتوجب على السلطة الفلسطينية تعديل بعض بنود بروتوكول باريس؛ لزيادة ورفع حجم التبادل التجاري مع الأردن ومصر، لتلبية احتياجات التنمية الاقتصادية الفلسطينية، وبناء اقتصاد وطني قويّ يلبّي الطموحات الفلسطينية؛ حيث يصل مجموع التبادل الإجمالي الفلسطيني مع الأردن ومصر 6% فقط، في حين أنّ حجم التبادل التجاري مع إسرائيل يتجاوز 75%".

زيادة جودة المنتجات والصناعات الفلسطينية
ولفت إشتية إلى أنّ "السلطة الفلسطينية تهدف من وراء الاتفاقية الأخيرة إلى إحراج إسرائيل مع الجانب الأردني لإلزام الاحتلال بالقبول بها، مع العلاقات الدبلوماسية التي يتمتع بها البلدان، بعد توقيع اتفاقية السلام عام 1994، وهو ما قد يؤدي إلى عدم قيام إسرائيل بأيّ عمل من شأنه تعطيل هذه الاتفاقية خلال المرحلة المقبلة؛ حيث تبلغ مجموع الصادرات الفلسطينية إلى الجانب الإسرائيلي 80%، ولا تتجاوز 2% مع الأردن، وهذا يُظهر أنّ جميع الصادرات الفلسطينية تذهب إلى الاحتلال الإسرائيلي بتعاقدات بالباطن، يلجأ إليها المشغلون الإسرائيليون مع أصحاب بعض المصانع الفلسطينية لرخص العمالة الفلسطينية، وللتهرب من الضرائب، ولا تعد هذه الصادرات منتجات فلسطينية خالصة؛ بل هي صناعات مكمّلة للمنتجات الإسرائيلية".

سيطرة الاحتلال على المعابر الفلسطينية
وتعد سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على منافذ التجارة "السبب الرئيس لعدم استفادة السلطة الفلسطينية من الاتفاقيات الموقعة مع عدد من الدول العربية والأجنبية، حتى أصبحت الأراضي الفلسطينية أكبر مستهلك للمنتجات الإسرائيلية في العالم، ولن تتمكن السلطة الفلسطينية من الانفكاك الاقتصادي عن الجانب الإسرائيلي، دون وجود سيطرة فعلية من طرفها على المعابر الفلسطينية، وعلى جميع مناطق الضفة الغربية، التي تم تصنيفها وفق اتفاقية أوسلو (أ – ب - ج)، وهي في حاجة إلى بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي لتحقيق ذلك".

اقرأ أيضاً: الحواجز العسكرية الإسرائيلية.. توقف حتى ننتهك إنسانيتك!

وعن أبرز المشكلات والعراقيل التي تحول دون رفع معدل التبادل التجاري بين الأردن وبعض الدول العربية، يقول إشتية إنّ "الاحتلال الإسرائيلي يعدّ العائق الأهم من خلال سيطرته على المنافذ الفلسطينية كافة، وتحكّمه في حركة التجارة الفلسطينية، والمعضلة الأخرى تتمثل في ضعف جودة المنتجات الفلسطينية، وعدم مقدرتها على منافسة المنتجات المستوردة، وبالتالي فإنّ لجوء السلطة الفلسطينية لزيادة حجم استيرادها من السلع والمنتجات من بعض الدول العربية، دون القيام بتصدير عدد من السلع الفلسطينية لها، من شأنه أن يؤدّي إلى حدوث خلل وعجز كبيرَين في الميزان التجاري".

سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على منافذ التجارة

تحقيق مصالح الاحتلال الاقتصادية
بدوره، يرى المحلل الاقتصادي خليل حبيب؛ أنّ "سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على المعابر الفلسطينية يُسهم في عرقلة نجاح السلطة الفلسطينية في تنفيذ أيّة اتفاقيات تجارية مستقلة، مع أيّة دولة، سواء كانت عربية أو إقليمية أو أجنبية، في ظلّ إجبار بروتوكول باريس الجانب الفلسطيني على الالتزام ببنوده كاملة بما يحقق مصالح الاحتلال الاقتصادية، كما تتجاهل إسرائيل الوفاء بالتزاماتها تجاه السلطة كما نصّ عليه البروتوكول، والتي كان آخرها خصم أموال المقاصة الفلسطينية".

اقرأ أيضاً: لماذا تغيب فلسطين عن خرائط غوغل؟

وأوضح حبيب لـ "حفريات"؛ أنّ "إسرائيل تسيطر على الموارد المالية للسلطة الفلسطينية، والتي تتمّ جبايتها من الضرائب، وتشكّل نسبتها أكثر من 70%، إضافة إلى الاستيلاء على أموال الضمان الاجتماعي التي يدفعها العمال الفلسطينيون في إسرائيل، وباعتماد السلطة الفلسطينية على استيراد السلع والمنتجات من الدول المصدرة بالدرجة الأولى للسوق الإسرائيلية، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ فإنّ ذلك يبين أنّ الجانب الفلسطيني كان له دور كبير في بقاء الاقتصاد الفلسطيني رهينة لدى الاقتصاد الإسرائيلي".

الاتفاق التجاري مع المملكة الأردنية الهاشمية هو خطوة إيجابية

خطوة إيجابية
ولفت إلى أنّ "الاتفاق التجاري مع المملكة الأردنية الهاشمية هو خطوة إيجابية من شأنها أن تخدم المصالح الاقتصادية للبلدين؛ كون الأخيرة هي المنفذ الوحيد للتجارة مع عدد من الدول العربية، ومن بينها دول الخليج العربي، إلّا أنّ إسرائيل لن تترك هذا الاتفاق دون أن تضع العوائق في طريقه، طالما لا يتماشى مع أهدافها ومصالحها السياسية والاقتصادية".

المحلل الاقتصادي خليل حبيب: على السلطة الفلسطينية تكثيف جهودها الدبلوماسية لإعادة فتح بروتوكول باريس من جديد وتعديل بعض بنوده

ولتقليل اعتماد السلطة الفلسطينية على الاقتصاد الإسرائيلي، والاستفادة من الاتفاقيات الموقعة مع الأردن والدول الأخرى، دعا حبيب الجانب الفلسطيني إلى "تشجيع الصناعات المحلية وإعفائها من الرسوم الجمركية، والتأكد من مطابقتها للمعايير والمقاييس الدولية، لتستطيع منافسة المنتجات المستوردة، وتخفيض قيمة الضريبة المضافة على السلع المحلية، لتعزيز قدرتها على منافسة المنتجات الإسرائيلية، وضرورة افتتاح مكاتب تمثيل تجارية فلسطينية في عدد من الدول العربية والأجنبية".
وشدّد حبيب على "ضرورة ممارسة السلطة الفلسطينية لجهودها الدبلوماسية لإعادة فتح بروتوكول باريس من جديد، وتعديل بعض بنوده، التي أدت إلى تدهور وانهيار الاقتصاد الفلسطيني، من خلال ضمان تواجد تمثيل فلسطيني على المعابر الإسرائيلية، وتشجيع التبادل التجاري مع بعض الدول العربية والأجنبية، دون قيود أو عوائق إسرائيلية، ودعوة الجانب الفلسطيني لبحث القضايا الاقتصادية، وألّا تنصبّ جهوده على مناقشة القضايا السياسية فقط".

اقرأ أيضاً: الرفض الفلسطيني لصفقة القرن هل يدفع واشنطن للبحث عن قيادة بديلة؟
وصادقت الحكومة الإسرائيلية، في تشرين الأول (أكتوبر) 2013، على إقامة منطقة تبادل تجاري في الجانب الإسرائيلي من معبر "اللنبي"، الذي يربط بين الأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، بدعم هولندي، لتسهيل نقل الحاويات التجارية الفلسطينية وزيادتها بنسبة 30%، الأمر الذي عدّته الحكومة الإسرائيلية حينها مخططاً لتسهيل عبور البضائع التجارية بين السلطة الفلسطينية والأردن، ودعماً للاقتصاد الفلسطيني.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية