تركيا تواصل تصدير الإرهاب وتعيد زراعة "القاعدة" في اليمن

اليمن

تركيا تواصل تصدير الإرهاب وتعيد زراعة "القاعدة" في اليمن


29/07/2019

نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية؛ أنّ أكثر من 400 مسلّحٍ، جميعهم من جنسيّات أجنبيّة، يتبعون تنظيم القاعدة الإرهابيّ، تمّ نقلهم من إدلب، عبر بلدَتي أطمة وسرمدا الحدوديّتَيْن إلى الأراضي التركيّة، ومنها إلى الصومال، ثمّ اليمن، مشيرةً إلى أنّ هؤلاء المسلّحين وفدوا على شكل مجموعات صغيرة، يتراوح عدد أفرادها بين 8 و15 شخصاً.

اقرأ أيضاً: السجون السرية بتعز اليمنية.. ملف أسود يفضح جرائم الإخوان
كما نقلت مصادر إعلاميّة، عن أوساط المسلّحين السوريّين في المنطقة، ما وصفته بـ "المعلومات المؤكَّدة" عن استجلاب هؤلاء، ونقلهم إلى الجمهوريّة اليمنيّة، برعاية إحدى الدول الإقليميّة، وأنّ نقل الجماعات المسلّحة الإرهابيّة من سوريا إلى اليمن كانت مجرّد شكوكٍ، لكنّها تأكّدت، وتبيّن أنّه تمّ نقلهم في وقت سابق، وعلى دفعات، في عامَي 2017 و2018، وأنّ المنقولين جرى استخدامهم للقتال ضدّ قوات التحالف في جبهات عسكرية؛ في كلّ من تعز والجبهات الحدودية.

ذكر تقرير للأمم المتحدة أنّ جهود الإمارات لتدريب واستبقاء قوات محلّية تابعة لها في اليمن دفع إلى تقهقر "القاعدة"

وتنطلق تركيا في رؤيتها الجديدة من أنّ تنظيم القاعدة في الجزيرة العربيّة وبلاد المغرب الإسلاميّ يشكّل الحاضنة الرئيسية لموجة حركة الإرهاب في سوريا، وهو ما يحكم تحركاتها الجديدة، التي بدأتها بنقل عناصر من "جبهة النصرة"، وغيرها من التنظيمات، القريبة فكرياً وأيديولوجياً من جماعة الإخوان، إلى ليبيا واليمن.
وتتركز القاعدة باليمن في المحافظات المجاورة لـ "شبوة" و"أبين"؛ حيث زادت رقعة نشاطها فيهما، نظراً إلى الدّعم الآتي لعناصر قيادية في التنظيم؛ بسبب غياب، أو عدم جاهزية، مؤسّسات الدّولة، بسبب الحرب مع الحوثيّ، وهذا ما ذكره تقرير للأمم المتحدة، في رسالة مؤرَّخة في 16 تموز (يوليو) 2018، بشأن تنظيم داعش والقاعدة، وما يرتبط بهما من أفراد وجماعات ومؤسّسات وكيانات، تحت عنوان "التقرير الثاني والعشرون لفريق الدعم التحليليّ ورصد الجزاءات عملاً بالقرارين (1526/ 2004)، و(2253/ 2015).
 نقلهم في وقت سابق وعلى دفعات في عامَي 2017 و2018

نقل المقاتلين... من الشكوك إلى اليقين
يقول الباحث السعودي خالد المجرشي، في تصريح خاص بـ"حفريات" إنّ مهمّة تركيا في اليمن تأتي في سياق نقل المقاتلين والجماعات المسلحة المتطرفة من سوريا إلى اليمن، بشكل سلس وهادئ، ودون إثارة الانتباه، كي لا تقع أطراف الخطّة في دائرة الاتهام أمام المجتمع الدوليّ والأمم المتحدة ولجنة الخبراء الأمميّين.
وأكّد أنّ حسين حمود العزي، رئيس مكتب العلاقات السياسية والخارجية في الجماعة الانقلابيّة، ونائب وزير الخارجيّة في حكومة الحوثيين، والمسؤولين عن الملف الاقتصادي؛ صالح شعبان، وحسن الصعدي، وضيف الله الشامي؛ هم المسؤولون عن التنسيق في ملفّ نقل المسلّحين من سوريا لليمن، خاصّة في المناطق الريفية؛ حيث تتّسم المجتمعات بطابع قبليّ، وتعمل بشكل شبه مستقلّ عن الدّولة.

اقرأ أيضاً: آخر مستجدات اليمن.. هذا ما فعله التحالف
وسارت خطة نقل المقاتلين من إدلب إلى ليبيا واليمن وفق إستراتيجية القاعدة؛ التي تحوّلت من المركزية إلى اللامركزية، بحسب دراسة ديفيد جارتينستين روو، الذي أوضح أنّ الشبكة العنكبوتية للتنظيم أصبحت الآن لصالح مدرّبين يشكلون خلايا صغيرة، تقوم بشنّ هجمات محددة، ثمّ تتفكّك سريعاً، إضافة إلى خلق معسكرات متنقلة إقليمياً؛ حيث لا يسهل اصطياد المشاركين فيها، وكذا نموذج الأذرع، والجبهة الأيديولوجية، الذي ناصره في مستهلّ الأمر الإستراتيجي الجهادي المشهور؛ أبو مصعب السوري.

اقرأ أيضاً: ماذا وراء إعادة انتشار الإمارات في اليمن؟ غريفيث يوضح
من جانبه، قال هاني سليمان، الباحث في المركز العربي للبحوث، لـ "حفريات" إنّ عملية نقل المقاتلين من القاعدة لليمن تأتي في سياق التغيّر في الإستراتيجية التركية تجاه عدد من الملفات، وهذا ينبع من الضربات المتتالية التي تعرض لها رجب طيب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية، في الفترة الأخيرة، مثل تراجع قيمة العملة التركية، ومؤشرات تراجع الاقتصاد، الذي مهّد لخسارة بلدية إسطنبول، التي تمثل رمزيّة كبرى للحزب، علاوة على عدم الرضا الشعبي، والسّخط إزاء سياسته، وحالة التهميش والقمع الأخيرة، والتي باتت تضيق منها تيارات مختلفة داخل الحزب نفسه، بما يهدّد بانشقاقات داخليّة، وكلّ تلك العوامل انعكست أيضاً في إدارة الملفات المتنوعة خارجيّاً؛ حيث بات من الواضح أنّ تركيا غير قادرة على إدارة الوضع في سوريا وإدلب، وأنّ التفكير في تصدير الإرهاب لمحطات أخرى، تستطيع تحقيق بعض الضغوطات في المحيط الإقليمي والدولي، بات لزاماً عليها لتحقيق مكاسب نوعية ومساومة وابتزاز المجتمع الدوليّ.

أبو مصعب السوري
أما عن كيفية نقل الإرهابيين من إدلب؛ فقد كان من خلال إنشاء قاعدة عسكرية في الصومال؛ حيث تكون المحطّة الأساسية والداعم الرئيس لها، بعد تحركات أنقرة لإبعاد الإرهابيين عن أراضيها، خاصة إرهابيّي إدلب، وتوطينهم في اليمن، خاصّة في ظلّ التنسيق الكبير في الفترة الأخيرة بين تركيا وإيران، الذي وصل إلى حالة غزلٍ سياسيٍّ في لقاء وزير الخارجية الإيرانيّ، جواد ظريف، مع نظيره التركي، شاويش أوغلو، منذ أسابيع، وكان الحديث حول رفض تركيا للعقوبات الاقتصادية على طهران، وتوصيفها إدراج أمريكا للحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية بأنّه "قرار خاطئ وغير مدروس"، علاوة على التقارب الثلاثيّ، التركيّ الإيرانيّ القطريّ، في سياق أزمة الخليج، وهو ما يمهّد بتقارب بين الحوثيين والعناصر الإرهابية القادمة من إدلب، في ظلّ تعميق الوضع غير المستقرّ في اليمن، وبما يسهم في ازدياد الضغط على السعودية، في ظلّ مركزيّة اليمن التاريخيّة في ذاكرة تنظيم القاعدة، الذي شكّل التنظيم في اليمن وشبه الجزيرة العربيّة.

تميل تركيا لدعم الحوثيين في الداخل اليمني مع بعض التنظيمات الدينية السنّية المتطرفة على حساب مشروع الاستقرار

ويضيف هاني سليمان؛ أنّ من أهمّ المحدّدات التركيّة لتلك التحرّكات المفاجئة؛ خسارة كثير من التنظيمات الإرهابيّة مواقعها داخل سوريا، وانحسارها في إدلب، ما دفعها إلى نقل بعض مقاتليها إلى الأراضي اليمنية، عبر الصومال، والليبية (عبر خطوط حركة الوفاق في طرابلس ومصراتة)، علاوة على نقل عناصر متطرفة من دول أخرى، مثل: مالي وموريتانيا والنيجر، إضافة إلى مجموعات من جماعة بوكو حرام إلى ليبيا، كنوع من "تصدير التوتر والإرهاب".
من جانبه، أبلغ "حفريات" الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، منير أديب، أنّ دلالة نقل الإرهابيين إلى اليمن تتّسق مع مشروع تركيا، الداعم لجماعات العنف والتطرف؛ فالمنطقة تشهد مشروعَين؛ أحدهما داعم للاستقرار، والآخر داعم للعنف والتطرف، ولعلّ المشروع الثاني تتبناه تركيا اتساقاً مع رؤيتها في إقامة خلافة إسلامية، تتربع "تركيا أردوغان" على عرشها، كما كانت، وإنّ نقل المتطرفين من إدلب يحمل دلالتين؛ إحداهما مرتبطة بفكرة توفير الحماية، والاحتضان للتنظيمات المتطرفة في منطقة الصراع في سوريا، والأخرى تعقّد المشهد في اليمن؛ حيث تميل تركيا لدعم الحوثيين في الداخل اليمني مع بعض التنظيمات الدينية السنّية المتطرفة على حساب مشروع الاستقرار، مطالباً بضرورة وقوف المجتمع الدولي أمام محاولات دعم الإرهاب في المنطقة، ومنها مشهد نقل هؤلاء الإرهابيين للجنوب الليبي؛ حيث منطقة الكفرة وغيرها، أو نقلهم لليمن، مع ضرورة دعم المجتمع الدولي للاستقرار، ودعم الدور السعودي والإماراتي الذي يقف أمام مشروع دعم الإرهاب والتطرف والدول الداعمة له، مع ضرورة بحث تصوّرات لها علاقة بالتعامل مع المتطرفين (مخلفات داعش) بعد سقوط مملكته.

اقرأ أيضاً: الإمارات تخفّف آلام اليمنيين..
الدكتور جاسم محمد، مدير المركز الأوروبيّ لمكافحة الإرهاب، اعتبر في تصريح لـ"حفريات" أنّ "القاعدة في اليمن هي الأخطر، وهي البديل عن التنظيم المركزي، ونقل تركيا لمقاتلين من إدلب إلى اليمن، يأتي ضمن سياسة تدوير الإرهاب التي ينتهجها أردوغان، وفي ظنّي أنّ اليمن تعدّ بيئة خصبة ومناسبة للتحرّك التركيّ، من خلال أنّها كانت ركيزة انطلاق أساسية لتنظيم القاعدة، الذي ما يزال يحتفظ هناك ببصمة كبيرة في سياق عدم الاستقرار، كما أنّ اليمن بوابة الربط بين التنظيم في أفريقيا والجماعات الأخرى".

أبو ظبي على خطّ المواجهة
تواجه الإمارات، مع باقي دول التحالف، الخطّة التركيّة لنقل الإرهابيين، وذكر تقرير الأمم المتحدة؛ أنّ جهود الإمارات لتجنيد وتدريب واستبقاء قوات محلّية تابعة لها في اليمن، مثل: قوات الحزام الأمنيّ في عدن وأبين ولحج، وقوات النّخبة في حضرموت وشبوة والمهرة، دفع إلى تقهقر القاعدة.
وخاضت هذه القوات، إلى جانب وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لجهاز الأمن في عدن، اشتباكات عسكرية مباشرة مع القاعدة، وسعت إلى منع عودة ظهور التنظيم في المناطق التي تمّ إخراجه منها، وتحصيل موافقة القبائل على هذا الترتيب الأمنيّ الجديد، ومساعدة المقاتلين المحليين في إخراج الإرهابيين من مختلف المناطق، من خلال إعادة بناء البنية التحتية للقادة المحليّين، كما قدّمت دعماً لجمع المعلومات الاستخباراتية للتحالف الدولي والحلفاء الإقليميين، ووفّرت وظائف ومنافذ للشبان العاطلين عن العمل، وهذه الأشياء هي الديموغرافيا الرئيسية التي تستقطب القاعدة مجنّديها منها.

اقرأ أيضاً: الجيش اليمني يدكّ معاقل الحوثيين في صعدة وحجة.. آخر انتصاراته‎
وفي شباط (فبراير) 2017؛ شنّت القوات اليمنية، المدعومة إماراتياً، عمليتين ضدّ القاعدة؛ في المناطق الواقعة غرب المكلا، والمناطق الجنوبيّة من محافظة شبوة، وأجزاء من أبين، وأعقبت ذلك حملات في مديرية دوعن في عمق حضرموت، في شهر أيار (مايو)، ومديرية عزان في محافظة شبوة، في شهر آب (أغسطس)، ومديرية المحفد، آخر معقل للقاعدة في محافظة أبين، في تشرين الثاني (نوفمبر)، وكانت استعادة المدن الرئيسية في شبوة، بحلول آب (أغسطس) 2017؛ إذ سيطرت القوات التابعة للحكومة على جميع مناطق المحافظة، للمرة الأولى منذ أعوام.
ووفق ما ورد في دراسة لمركز صنعاء للأبحاث والدراسات، نشرت في أواخر العام الماضي، فقد استمرت القوات المحلية المدعومة إماراتياً في تنفيذ حملات مكافحة الإرهاب، خلال عام 2018، واستهدفت جيوب القاعدة في أبين وشبوة وحضرموت، وعلى وجه الخصوص، في مديرية مودية بمحافظة أبين؛ حيث أطلقت قوات الحزام الأمني، المدعومة إماراتياً، عملية "الانتقام الساحق"، في كانون الأول (ديسمبر) 2018، فيما كانت قوات النخبة المدعومة إماراتياً تنفذ عمليات ضدّ القاعدة في مديرية الصعيد بشبوة، ومناطق غرب حضرموت.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن قراءة "إعادة انتشار" القوات الإماراتية في اليمن؟
بحلول نهاية العام الماضي؛ عانى التنظيم من اجتياح العديد من مناطقه الآمنة سابقاً من خلال جهود مكافحة الإرهاب المستمرة المدعومة إماراتياً، ولا سيما مديريات دوعن بحضرموت، وعزان بشبوة، والمحفد بأبين، وإن كانت المجموعة قد واصلت بعض العمليات انطلاقاً من المناطق القريبة والخلايا النائمة.


عقب ذلك؛ تراجع مقاتلو القاعدة إلى محافظتي البيضاء وأبين وأجزاء نائية من مأرب، بالتزامن مع تجنّبهم المواجهة المباشرة لتقدم الحكومة اليمنية أو قوات التحالف بشكل عام، إلّا أنّ الفروع المحلية للتنظيم كانت تنفّذ بانتظام هجمات تستهدف الأمن والبنية التحتية العسكرية والأفراد اليمنيين، فعلى سبيل المثال؛ أعلن مسؤوليته عن محاولة اغتيال نائب وزير الشؤون الداخلية، علي ناصر لخشع، في كمين بمحافظة أبين، ما أسفر عن مقتل نجل لخشع.
لكنّ القاعدة فقدت عدداً كبيراً من الشخصيات القيادية خلال الأعوام الأخيرة، وعلى سبيل المثال؛ قائده ناصر الوحيشي، والزعيم الديني إبراهيم الربيش، والخبير الإستراتيجي ونائب القائد العام ناصر بن علي العنسي، والمسؤول الديني البارز حارث بن غازي النظاري، وأدّى مقتل الوحيشي إلى تولي قاسم الريمي زمام قيادة التنظيم.

اقرأ أيضاً: ظاهرة العبودية الحديثة.. آخر انتهاكات الحوثيين في اليمن
رغم هذا التقهقر والخسائر الإستراتيجية؛ تحدّث تقرير الأمم المتحدة، سالف الذكر؛ عن أنّ التركيز العملياتيّ للتنظيم تحوّل، خلال العام الماضي، إلى قوات التحالف العربيّ، مثل الهجوم الانتحاري المعقد على مكتب الحزام الأمني في محافظة أبين، في حزيران (يونيو) 2018، ثم مقتل ثلاثة من أفراد قوات النخبة الشبوانية في هجوم بعبوات ناسفة في التوقيت نفسه.
وازدادت وتيرة هذه الهجمات إلى حدّ ما، مع نهاية عام 2018 وحتى أوائل عام 2019، وتركزت إلى حدّ كبير على محافظة أبين؛ حيث تنخرط القوات المدعومة إماراتياً في عملية طرد القاعدة من مناطق مديرية مودية شمال أبين، ما دفع مراقبين إلى التكهّن بشأن تلقي التنظيم دعماً مالياً مباشراً، ومساعدة لوجستية متمثلة في مزيد من المقاتلين الذين وصلوا من إدلب لليمن، عن طريق البحر، وهذا ما أكده لـ"حفريات" الباحث السعودي خالد المجرشي.
ولا تحكم تركيا قواعد ثابتة، فهي توظف التنظيمات لتحقيق أطماعها، وسبق أن باعت تلك الميليشيات على طاولة مفاوضات سوتشي وجنيف. وحتى ملف اللاجئين التي حاولت إخراجه على أنّه ملفّ إنسانيّ دينيّ، يعكس وجه تركيا الأبيض، تديره سياسيّاً لتحقيق ضغوط ومكاسب معيّنة، وتظلّ تلك الميليشيّات وعناصر القاعدة مجرّد أوراق فقط.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية