اللامركزية عقيدة إخوانية غذاؤها الفراغ والفوضى

اللامركزية عقيدة إخوانية غذاؤها الفراغ والفوضى


20/08/2019

بهاء العوام

إنه موسم العودة إلى الحياة السياسية في المنطقة العربية. هكذا تقرأ جماعات الإخوان المرحلة الراهنة. الفرصة سانحة في الجزائر وليبيا والسودان وتونس وسوريا بسبب الفراغ أو الفوضى في هذه الدول، أما في دول أخرى مثل تركيا وقطر ومصر والمغرب، فيمكن أن تمارس أذرع التنظيم أدوارا مساعدة في تلك العودة.

الحديث عن تمدد الإخوان في المنطقة لا يقارب المبالغة. وفي الوقت ذاته لا يحتمل التفخيم ليصنع منهم قوة لا تقهر. هم بكل بساطة تيار سياسي لا يعرف حدودا في استغلال الدين لصالح أهدافه، توسع في بلاد لم تعرف بعد الاستعمار القديم أنظمة ديمقراطية ودساتير تتيح للناس المشاركة السياسية في الحكم.

الاستغلال اللاأخلاقي للدين، سهل على الإخوان التكيف وفقا للبيئة التي يعيشون فيها. كل حزب ينتمي إلى التنظيم بشكل مباشر أو غير مباشر يكتسي ما يلائم الدولة التي يعمل فيها. و”الغاية تبرر الوسيلة” هي القاعدة الأولى التي تستند عليها أحزاب وتيارات الإخوان حول العالم وليس في المنطقة العربية فقط.

غاية الإخوان هي أن يحكموا حيث ينشطون ولكل جماعة أن تختار الوسائل اللازمة لذلك. لا حرج في طريق الوصول إلى الحكم سواء شقت بالدم أو عبر التحالف مع الشيطان. المهم أن تؤدّي جميع الطرق إلى السيطرة على المكان والأشخاص. في الحي والمنطقة والمدينة والمؤسسة والمدرسة والجامعة وكل تجمع.

الأحزاب الإخوانية تصوغ أدواتها على مقاس الدول التي تنشط فيها؛ ثمة لامركزية يفرضها اختلاف البيئات ولكنها لا تمس نزعة الفكر الإخواني إلى الحكم في أي زمان ومكان، حتى ولو في حافلة للشرطة تقل معتقلين من نشطاء تظاهروا ضد نظام حسني مبارك في مصر عام 2011، كما شاهدنا في فيلم “اشتباك”.

في الفيلم الذي أنتج عام 2016 كان الإخوان أكثرية بين المعتقلين في حافلة الشرطة. اختاروا زعيما لهم وبدأوا ببسط نفوذهم في الحافلة بالقوة إلى أن سيطروا عليها وتوجهوا بها إلى مناطق تجمعات “ثوار” الإخوان، فهوجمت وقتل كل من فيها بمن فيهم أفراد الجماعة الذين سطوا على الحافلة وقادوها إلى حتفها.

النهاية المأساوية هي مآلات تجارب الإخوان في الحكم دائما، والإدارة التعسفية العقيمة للأمكنة التي يسيطرون عليها، سواء عبر صناديق الاقتراع أو بالتحالف مع العسكر، هي الميزة الأساسية لحكمهم. مشكلة الإخوان هي في الفكرة والتطبيق معا، فكرة أنانية إقصائية كاذبة تترجم بأدوات انتهازية وأساليب ملتوية.

أبشع صور انتهازية الإخوان تتجلى في تربصهم بالثورات الشعبية لاستغلالها وقطف ثمارها. يدعون أنهم جزء من الحراك ويحق لهم ما يحق لغيرهم، رغم أنهم وحدهم، دون غيرهم، يبحثون في التغيير دوما عن مصلحتهم الخاصة وليست مصلحة البلاد التي ثار من أجلها الناس وواجهوا فيها أنظمة استبدادية فاسدة.

ولا يضير الإخوان أن تتناقض أداوت أحزابهم في ما بينهم، أو تتناقض مع منطلقات الفكر الإخواني الأصلي. لا ضير أن يركب حزب إخواني موجة المدنية في البلاد إن كانت ستحط به على شاطئ السلطة، ولا بأس من دعم مرشح علماني لرئاسة البرلمان أو الجمهورية أو الحكومة، إن كانوا سيقودون المكان عبره.

في تونس مثلا ترى حزب النهضة منفتحا على مدنية الدولة، أما إخوان سوريا فيتلعثمون عند استخدام هذه المفردة للحديث حول مستقبل البلاد. حركة مجتمع السلم في الجزائر تؤيد الجيش في حوار “وطني” مبهم الأهداف. أما في السودان فيحارب الإخوان المجلس العسكري بحجة أنه لا يحاورهم، قيادي منهم قال ذلك وعلى الملأ عبر شاشة تتكلم بلسان إخوان العالم.

في ليبيا وسوريا، يتحالف الإخوان مع قطر وتركيا ويستعدون لفرصة الانقضاض على السلطة. لم يفلح الإخوان في قطف ثمار الحراك الشعبي مباشرة لأن التدخلات الخارجية قادت الدولتين إلى حروب أهلية، فانضم الإخوان إلى هذه الحروب وحرصوا على استمرار اشتعالها، تحت شعار: إن لم تكن السلطة لنا فلن يهنأ بها غيرنا.

يريد الإخوان تطبيق هذا الشعار في مصر ولا يملون المحاولة. السعي وراء السلطة عبر الدم لا يتعارض أبدا مع مبادئهم مهما حاولوا ادّعاء عكس ذلك. ربما يمكنهم الهروب من الإدانة الرسمية في الإرهاب الذي يُمارسونه في بعض الأماكن، ولكن دولا عديدة وضعتهم على رأس قوائم الإرهاب فيها وأطلقت الحرب عليهم.

ما يثير الاستغراب هو ذلك الوهم الذي تعيشه الدول الغربية في التفريق بين الإخوان والإرهاب. هو في الحقيقة ليس وهما بقدر ما هو تحالف شيطاني آخر نسجه الإخوان مع هذه الدول على مدار عقود طويلة. شروطه تغيرت خلال تلك السنوات طبعا، ولكن الثابت الوحيد هو أن يبقى الإخوان في خدمة مصالح هذه الدول بالمنطقة العربية أولا، ويحافظون على استقرار مجتمعات الغرب ثانيا.

لا يخالف التنظيم الدولي للإخوان قواعد اللعبة التي تمارسها أحزاب التنظيم عربيا، فالسلطة هي مبتغاه أيضا، ليس عبر البرلمان أو الحكومة، في الوقت الراهن على الأقل، وإنما عبر احتكار تمثيل المسلمين في هذه الدول واحتكار التفاوض باسمهم والتعبير عن توجهاتهم ومواقفهم من القضايا الداخلية والخارجية.

نجح الإخوان في بريطانيا والولايات المتحدة في تمثيل المسلمين لسنوات طويلة. كانوا يجلسون مع الحكومات المتعاقبة لهذه الدول للبحث في شؤون الجالية في البلاد. اليوم تغيرت المعادلة وظهرت تيارات إسلامية ترفض فكر الإخوان وتعتز بالانتماء إلى دول الغرب قبل أي انتماء آخر. من هذه التيارات وصل وزراء ومسؤولون إلى الحكم في تلك الدول، مثل وزير الخزينة البريطانية ساجد جاويد وعمدة لندن صادق خان.

أدركت الدول الغربية، وعلى رأسها بريطانيا، خطأ حساباتها تجاه الإخوان في العقد الأخير، وتكشف هذا الخطأ لشعوبها مع ولادة داعش من رحم الفكر الإخواني. استفاق البريطانيون فجأة على كتب التطرف لحسن البنا وسيد قطب فحظروها في سجونهم التي أنتجت متطرفين انضموا إلى صفوف الإرهاب لاحقا.

تراجعت قدرة الإخوان على التكيف الكاذب مع البيئة البريطانية. لم تعد اللامركزية سلاحا يمكن استغلاله في الغرب عموما. ثمة حالة مشابهة في المنطقة العربية، نضجت تماما في بعض الدول فحظرت تنظيم الإخوان، وتعيش مخاضا في دول أخرى تبحث شعوبها عن قطيعة مع ماضيها الاستبدادي بجميع مفرداته، وعلى رأسها الإخوان.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية