مدرب بساق واحدة يعلّم السباحة لمبتوري الأطراف في غزة

غزة

مدرب بساق واحدة يعلّم السباحة لمبتوري الأطراف في غزة


20/08/2019

داخل منتجع الهدى السياحي، غرب مدينة غزة، وفي مشهد أقرب للخيال منه للحقيقة، يجتمع 40 شاباً من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين فقدوا أطرافهم السفلية خلال الاعتداءات الإسرائيلية على سكان قطاع غزة، يتلقون تمارين اللياقة البدينة، استعداداً للنزول إلى بركة السباحة، لممارسة الرياضة التي حرموا من ممارستها قسراً.

الجريح عنان النجار: لم أكن أتخيّل في يومٍ من الأيام أن يكون بمقدوري ممارسة السباحة بقدم واحدة

وقد تعرّض المئات من الفلسطينيين إلى إصابات كثيرة في الأعوام الماضية، خلال الحروب الإسرائيلية ومسيرة العودة، كانت الغالبية العظمى منها في النصف السفلي من الجسد، مما أدّى إلى بتر أطرافهم السفلية، ليحولوا تلك الإصابة إلى نقطة أمل جديدة، ويتحدّوا الإعاقة من خلال ممارسة الرياضة، ومن بينها السباحة.
ويتولى مهمة تدريب مبتوري الأطراف شخص فقد قدمه خلال حادث مروري، عام 1990، قرر أن يدمج تلك الشريحة داخل المجتمع، وإدخال السعادة إلى قلوبهم، لإيصال رسالة دلالية على مدى صمود الفلسطيني، وقدرته على تخطي العقبات رغم الصعاب.
لم يقف الطرف الصناعي الذي حلّ مكان قدمه المبتورة بفعل رصاصة متفجرة، عام 2015، حائلاً بينه وبين حبّه للسباحة، فهو تخطى مصاعب الحياة بقوته وإرادته، وأراد أن يمارس الرياضة التي يحبّها منذ نعومة أظفاره.
مشهد أقرب للخيال منه للحقيقة

السباحة بقدم واحدة
يقول الجريح عنان النجار (25 عاماً)، لـ "حفريات" إنّ "السباحة من أكثر الرياضات التي أحبها، وكنت أتألم عندما أذهب إلى شاطئ البحر، ولا أتمكّن من النزول إلى الماء بفعل الإصابة، فلم أكن أتخيل في يومٍ من الأيام أن يكون بمقدوري ممارسة السباحة بقدم واحدة".

المدرب مجدي التتر: استطاع المتدربون تجاوز الأزمة وأصبح بإمكانهم ممارسة السباحة وكأنهم لم يفقدوا أطرافهم السفلية

ويضيف: "كنتُ من أول المشاركين في الدورة التدريبية، وفرحت فرحاً شديداً عندما تم الإعلان عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فهذه الدورة منحتني الثقة بنفسي، وجعلتني أحقق حلماً طالما انتظرته في الأعوام الماضية، فمنذ إصابتي حاولت عدة مرات النزول إلى الماء، ولكنّي لم أتمكّن من ذلك، نظراً لفقداني قدمي".
ويواصل حديثه: "في الأيام الأولى للتدريب، شعرت بصعوبة بالغة عند النزول إلى الماء، وذلك بسبب انقطاعي الأعوام الماضية عن السباحة، إضافة لأنّني أسبح للمرة الأولى بقدم واحدة، ولكن بفضل توجيهات المدرب، والتمارين المكثفة تمكنت من تخطي تلك العقبة، واستعدت نشاطي الذي فقدته عندما فقدت قدمي، أما الآن فقد شعرت أنني لم أفقد قدمي".
أحد المشاركين: هذه الدورة منحتني الثقة بنفسي

ليسوا أشخاصاً معاقين
ويلفت النجار إلى أنّه استطاع الاندماج بالمجتمع، وتغيير النظرة المجتمعية السائدة التي تعتبر مبتوري الأطراف أشخاصاً معاقين، ويعجزون عن ممارسة الرياضات التي يحبونها، مشيراً إلى أنه كان يعاني كثيراً من نظرات الناس عند نزوله إلى شاطئ البحر.

اقرأ أيضاً: 17 لاعباً من غزة يغيّرون قواعد كرة القدم

ويخبر "حفريات" بأنّه سيستمر في رياضة السباحة، سعياً إلى تطوير مهاراته، ليتمكن من الغوص داخل أعماق البحار، وأن يشارك في مسابقات دولية، ويمثّل فلسطين في المحافل العالمية.
كان الشاب، ضياء أبو سمرة، يجلس على شاطئ بحر مدينة غزة بشكل يومي، متحسراً لعدم قدرته على السباحة، نتيجة فقدانه أحد أطرافه السفلى، بعد إصابته بطلق ناري متفجر أثناء مشاركته في فعاليات مسيرات العودة؛ فهو يهوى السباحة والغوص، وكان يتمنى أن يمارسها في يومٍ من الأيام، فهذا الحلم أصبح حقيقة، بعد التحاقه بالدروة التدريبية الخاصة بتعليم السباحة لمبتوري الأطراف".
هذا الحلم أصبح حقيقة

منافسة أشخاص أصحاء
يقول أبو سمرة لـ "حفريات" كانت دورة السباحة بالنسبة إليّ نقلة نوعية، فقد مكّنتني من تخطي مصاعب الحياة، والتغلب على الإعاقة التي سبّبها لي الاحتلال الإسرائيلي، فأنا اليوم أستعيد نشاطي السابق بقدم واحدة، فالمدرب يمتلك خبرات واسعة في هذا المجال، واستطاع أن ينقل لنا تجربته، فنحن نستطيع منافسة أشخاص أصحاء، والأمر لا يحتاج سوى إلى إرادة وعزيمة قوية".

الكابتن أحمد أبو راس: الاعتماد على الأطراف العلوية من الجسد خلال السباحة يكون بديلاً عن استخدام الأقدام

ويتابع: "كلّ بداية صعبة، وهذا ما واجهنا، خصوصاً أنّنا بقدم واحدة، ولكن مع مرور الوقت أصبح الأمر ممتعاً، وتمكنت وزملائي المصابين، من تحقيق نتائج متقدمة في السباحة؛ حيث تمكّنا من الاعتماد بشكل أساسي على الأجزاء العلوية من الجسد، كبديل عن الأقدام في الدفع والتنقل داخل الماء".
من جانبه، يقول مدرب الفريق، الكابتن مجدي التتر، في تصريح لـ "حفريات": "فكرة تنظيم دورة لتعليم مبتوري الأطراف السباحة، جالت في خاطري أثناء مشاهدتي عدداً من مبتوري الأطراف يمارسون السباحة في عدد من الدول الأجنبية، دون صعوبات، الأمر الذي أوجد لديّ حافزاً، ورغبة للإعلان عن دورة تدريبية تضم ضحايا الاحتلال الإسرائيلي، لتعليمهم السباحة، ورسم صورة مختلفة وجديدة من صور نضال الشعب الفلسطيني".
أبو سمرة لـ "حفريات": كانت دورة السباحة بالنسبة إليّ نقلة نوعية

وكأنّهم لم يفقدوا أطرافهم
ويضيف التتر: "تدريب أشخاص بقدم واحدة يختلف بشكل كلّي عن تدريب الأشخاص الأصحّاء؛ ذلك لأنّ الاعتماد على ساق واحدة يعرّضها للتعب أثناء ممارسة السباحة، لذلك نتّبع تمارين معينة قبل النزول إلى الماء، كي لا يشعر المتدرّب بالتعب أثناء السباحة، وخلال فترة قصيرة حققنا نتائج رائعة، واستطاع المتدربون تجاوز الأزمة، وأصبح بإمكانهم ممارسة السباحة، وكأنّهم لم يفقدوا أطرافهم السفلية".

اقرأ أيضاً: في غزة: مساجد بملايين الدولارات وفقراء بلا مأوى
ويتابع: "تعليم السباحة لأشخاص مبتوري الأطراف السفلية، يشمل عدة جوانب، منها: تطوير البيئة الجسمية والعضلية لهم، وتقديم الإرشادات والنصائح لتفادي حالات الغرق، والتركيز على الأطراف العلوية أكثر من الأطراف السفلية، نظراً لفقدانهم إحداها، فتلك الدورة كانت فارقاً كبيراً في حياة هؤلاء المتدربين؛ حيث تحدّوا الصعاب، واستطاعوا ممارسة الرياضة التي حرموا من ممارستها".

يتم اتباع تمارين معينة قبل النزول إلى الماء كي لا يشعر المتدرّب بالتعب أثناء السباحة

وأعرب المدرب عن شعوره بفخر كبير أثناء تدريب مبتوري الأطراف على ممارسة رياضة السباحة، والتأقلم مع ظروفهم الصحية؛ لأنّه يسهم في رسم البسمة على شفاههم، ويساعدهم في الخروج من الحالة النفسية التي تعرضوا لها بعد الإصابة، إضافة إلى إعادة دمجهم بالمجتمع، وتغيير النظرة السائدة تجاه مبتوري الأطراف.
التتر حقق نجاحاً في تدريب مبتوري الأطراف؛ لأنّه كان يوماً من الأيام مثلهم لم يستطع السباحة بقدم واحدة، نتيجة فقدانه أحد أطرافه السفلية، واستطاع تعلّم السباحة دون صعوبات، إلى أن أصبح مديراً للمدرسة الفلسطينية لتعليم السباحة، وحاز على عدد من الميداليات الذهبية والفضية، في مسابقات دولية ومحلية.

اقرأ أيضاً: لأول مرة.. فلسطيني من غزة مرشح قوي لعضوية الكونغرس
من جهة أخرى؛ يقول الكابتن أحمد أبو راس، مدرّب سباحة، لـ "حفريات": "تعلم السباحة ليس بالأمر السهل؛ فهي تحتاج إلى قوة بدنية، وعزيمة إصرار على الاستمرار، وممارسة عدد من مبتوري الأطراف السفلية تلك الرياضة، يعدّ أمراً خارقاً للعادة، فليس من السهل ممارسة السباحة بقدم واحدة، كون التركيز يكون على القدمين بشكل أساسي".
ويضيف: "الاعتماد على الأطراف العلوية من الجسد، خلال السباحة، يكون بديلاً عن استخدام الأقدام؛ ولكن هذا يتطلب وجود قوة جسدية، وهؤلاء المتدربون لديهم لياقة بدنية مناسبة، الأمر الذي ساعدهم في السباحة بقدم واحدة"، لافتاً إلى أنّهم سوف يحققون نجاحات كبيرة في المستقبل "في حال الاهتمام بهم، وتوفير سائر المستلزمات التي يحتاجون إليها".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية