هل يشكّل التوافق بين السودانيين نموذجاً لحلّ أزمات المنطقة والإقليم؟

هل يشكّل التوافق بين السودانيين نموذجاً لحلّ أزمات المنطقة والإقليم؟


25/08/2019

وأخيراً توافق العسكر والمدنيون في السودان على تشكيل مجلس سيادة مناصفة بين المدنيين والعسكريين، لتسيير أمور البلاد، خلال مرحلة انتقالية تمّ التوافق عليها بين الجانبين، عكست حقيقة، ليست في السودان وحده، بل في كافة دول المنطقة، أنّ قضاء أيّ طرف على خصومه يبدو مستحيلاً، وأنّه لا سبيل إلا باعتراف المكونات السياسية ببعضها البعض، واعتماد حلول توافقية، لا إقصائية، بافتراض حسن نوايا كافة الأطراف لبناء مرحلة جديدة، تختلف عن المرحلة السابقة، بكلّ ما فيها من أخطاء وخطايا.

سيناريوهات مستقبل المجلس السيادي والحكومة الجديدة مرهونة بمدى قدرة السلطة الجديدة في السودان على معالجة القضايا الداخلية

تشكيل المجلس السيادي بالصيغة التي تمّ التوافق عليها كان نتاجاً لعوامل داخلية وخارجية، عكستها التجاذبات المتواصلة بين مكونات قوى "الحرية والتغيير" من جهة، والعسكر من جهة أخرى، ورفض فصائل مسلّحة للحوار مع العسكر، استناداً لتاريخ من الحروب والصراعات الداخلية، وقد اتخذت بعض تلك التجاذبات صيغاً دموية، أسفرت عن استشهاد المئات من السودانيين المعتصمين أمام مقرّ القيادة العامة للجيش، في واقعتين شكّلتا رسائل بمحاولات العسكر إنهاء "الثورة الجماهيرية"، واختطافها؛ بمواصلة تولّيهم الحكم، بإجراءات شكلية تخاطب عواطف الجماهير الغاضبة، بمحاكمة رموز النظام السابق، وحملات إعلامية حول حجم الأموال المنهوبة، تحديداً من قبل رأس النظام السابق، عمر البشير، وإلقاء القبض على عسكريين ومدنيين وقادة أجهزة أمنية، بوصفهم رموزاً للفساد.

اقرأ أيضاً: عبد الله حمدوك "التنين الأبيض" رئيساً لوزراء السودان
وبالتزامن؛ كان تشبّث قوى التغيير بمطالبها، بتأسيس حكم مدني، مع تقديم التضحيات، مسنودة بحراك جماهيري متمسك بالبقاء بالشارع لحين تحقيق مطالبه، وهنا جاءت الوساطة الإثيوبية، باعتماد الطريق الثالث، وإقناع طرفي الصراع بالصيغة التوافقية التي أنتجت مجلس السيادة المؤقت.

التجاذبات الإقليمية، على خلفية الصراع الذي يشهده الإقليم بين محوري "القاهرة الرياض وأبوظبي" من جهة، والمحور "التركي القطري"، كان حاضراً وبقوة، طيلة المرحلة التي أعقبت إسقاط حكم البشير، خاصة أنّ ميول البشير وحلفائه لمحور "تركيا قطر" لم تكن خافية، وقد حاول هذا التيار، ممثلاً  بالإسلاميين، شركاء البشير البقاء في الحكم، ومحاولات الانقلاب على المجلس العسكري من داخل الجيش، أو استمرار عمل الميليشيات السرية التي لعبت دوراً في الاعتداء على جماهير قوى الحرية والتغيير، وعملت على شيطنة رموزها بوصفهم كفاراً، فيما نشط محور "القاهرة الرياض أبوظبي" بدعم المجلس العسكري وقوى التغيير للوصول إلى الصيغة التوافقية التي تمّ التوصّل إليها، خاصّة أنّها أنتجت خريطة سياسية جديدة، أضعفت حضور الإسلاميين ودورهم في السلطة الجديدة، وكان لافتاً حضور ممثلين عن المحورين احتفالات الإعلان الدستوري التي تمت في الخرطوم.

اقرأ أيضاً: بالأسماء.. إعلان تشكيلة المجلس السيادي السوداني

تعدّد سيناريوهات مستقبل المجلس السيادي والحكومة الجديدة، بين احتمالات النجاح والفشل، لا قدّر الله، والتي يبدو أنّها ستكون مرهونة بمدى قدرة السلطة الجديدة في السودان على معالجة القضايا الداخلية، ممثلة بالأزمة الاقتصادية الحادة ومكافحة الفساد والتوزيع العادل للثروة، وإجراء مصالحات مع الحركات الانفصالية المسلحة في دارفور وكردفان، والقدرة على بناء علاقات متوازنة مع الدول العربية ومع دول جوار السودان الإفريقية، بطريقة تغادر معها السلطة الجديدة تناقضات حكم البشير وحلفائه، في بناء تحالفات لم يكن هدفها خدمة السودان ولا مصالح السودانيين.

على السودانيين أن يدركوا اليوم أنّ تجربتهم الجديدة ينظر إليها بعيون يملؤها الرضا عربياً وإسلامياً

المجلس السيادي "المؤقت"، المكلف بإدارة المرحلة الانتقالية في السودان، ربما يكون نموذجاً يحتذى على المستوى؛ العربي والإسلامي، وفي دول الجوار الإفريقي، فليس بعيداً عن السودان الحرب التي تجري في ليبيا، رغم أنّ النزاع الليبي يتخذ شكلاً دموياً عنيفاً، وليس بعيداً عن السودان الحالة الضبابية القائمة في الجزائر منذ إسقاط نظام بوتفليقة، وتولّي العسكر الحكم، والمماطلة في إيجاد صيغة توافقية، تستجيب بالحدّ الأدنى لمطالب القوى المدنية، إضافة لحالة الاستعصاء بين حركات انفصالية وأنظمة الحكم القائمة في دول إفريقيا المحيطة بالسودان.

ما يجب أن يدركه السودانيون اليوم؛ أنّ تجربتهم الجديدة وتوافقهم الذي تمّ إنجازه، ينظر إليهما بعيون يملؤها الرضا، عربياً وإسلامياً، ومن دول الجوار الإفريقي، لكنّ هذا الرضا ليس مطلقاً؛ فالتجربة وليدة، ويتابعها الجميع بعيون مجهرية، ويرجّح أنّ أوساطاً في العسكر غير راضية عن هذا الإنجاز، كما هو الحال في قوى التغيير وقوى سياسية أخرى خارجها، إلا أنّ المؤكّد؛ أنّ الغالبية من الشعب السوداني تؤيد ما تمّ إنجازه، كونه ممهداً لمرحلة قادمة، عنوانها المزيد من العدالة والديمقراطية والتنمية بمفهومها الشامل.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية