الإخوان المسلمون.. المُصالحة المتوهَّمة

الإخوان المسلمون.. المُصالحة المتوهَّمة


02/09/2019

بات مألوفاً، منذ نحو ستة أعوام، بعد سقوط حكم جماعة الإخوان في مصر في 30 حزيران (يونيو) 2013، أن تنطلق، بين حينٍ وآخَر، دعواتٌ ومبادَراتٌ فردية تدعو إلى إجراء مصالَحة بينها وبين الدولة المصرية التي عانَت منها لعقود طويلة منذ تأسيسها على يد حسن البنا، العام 1928، وحتى الآن.

بات مألوفاً منذ سقوط حكم جماعة الإخوان بمصر دعواتٌ ومبادَراتٌ فردية للمصالَحة بين حينٍ وآخَر

مؤخراً؛ تداولت وسائل الإعلام المختلفة، عربياً وأجنبياً، أخبار دعوة أرسلها 1350 من عناصر جماعة الإخوان في السجون المصرية إلى المسؤولين في الدولة يطلبون العفو، معلنين رغبتهم في مراجعة أفكارهم التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة، واستعدادهم التام لاعتزال العمل السياسي والدعوي، والتخلي عن ولائهم للجماعة وقياداتها، وعن العنف، كما أعلنوا كذلك استعدادهم لدفع مبلغ مالي تحت أي مسمّى يُتوصَّل إليه، سواء ككفالة أو فدية، أو تبرع لصندوق "تحيا مصر" بالعملة الأجنبية؛ دعماً للاقتصاد المصري، ما من شأنه توفير ما يزيد على خمسة مليارات جنيه.
هل هي مبادرة جادة؟
ظروف الإعلان عن تلك المبادرة تشوبها الغرابة، وتعتورها المشكلات؛ فقد خرجت عبر رسالة من السجون المصرية، لتنتشر سريعاً على منصات التواصل الاجتماعي، حاملة اتهامات لقيادات الجماعة بأنّهم لا يسعون لحلّ الأزمة، ولا يملكون أيّة رؤية للحلّ، ولعلّ هذا هو السبب في أن تخرج تلك المبادرة، سواء كانت بالتفاصيل المعلَنة نفسها أم لا، على تلك الصورة الفردية بعيداً عن التوجيه التنظيمي والقيادي للجماعة، وهو ما يؤكّد، في الوقت نفسه؛ أنّ تلك الجماعة تعاني داخلياً من تفكّك بيِّن وتضعضُع لا يخفى، وتناقض بنيوي حادّ يؤكّده تعليق نائب مرشد الإخوان والأمين العام للتنظيم الدولي، إبراهيم منير؛ إذ قال: "إنّ الجماعة لم تجبر أحداً من هؤلاء الشباب على الانضمام إلى صفوفها، ومن ثمّ فإنّ الباب مفتوح أمام من يرغب منهم في الانسحاب من التنظيم"، فضلاً عن ضعف ثقة معظم عناصرها في قياداتهم، ومدى إدراك كثير منهم استحالة عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثلاثين من حزيران!

اقرأ أيضاً: "الإخوان" والعمل السري: آخر العمليات الفاشلة للنظام الخاص
وليس خافياً؛ أنَّ مبادَرة شباب الإخوان تلك تتشابه، بشكل أو بآخر، مع مبادرة سالفة أُعلن عنها في تسعينيات القرن الماضي، لكن من جانب تنظيم الجماعة الإسلامية الإرهابية، وكان كلّ هدفهم، وقتذاك، الخروج من السجون فقط، فيما ظلّ الفكر المتطرف نفسه ثاوياً في أذهان عناصر أولئك الشباب.

مؤخراً أرسل 1350 من عناصر الجماعة في السجون دعوة يطلبون فيها العفو ويعلنون رغبتهم في مراجعة أفكارهم

وها هو ذا الأمر نفسه يتكرر؛ فمجرد إعلان شباب تنظيم جماعة الإخوان المسجونين عن مبادرة "ساذجة" هكذا، إنما يُعد دليلاً على أنّهم يحاولون إدراك ما يمكن إدراكه للخروج من السجون، دون وعي منهم بأنّ الدولة المصرية تعرف جيداً أنّهم لم يغيّروا قناعاتهم الذاتية وعقائدهم التنظيمية القائمة على السمع والطاعة، والمراوغة والانتهازية، واللعب على أوتار المظلومية والاضطهاد والبكائيات!
وإلا فأين مراجعاتهم الفكرية والأخلاقية تجاه أفكار جماعتهم الإرهابية التي أصّلها حسن البنا وسيد قطب وعبد القادر عودة ويوسف القرضاوي والسيد سابق، وغيرهم؟! الأمر الذي يثبت أنّ عناصر جماعة الإخوان لن يتخلّوا عن المشروع الفكري والسياسي الذي بات يمثّل ركناً ركيناً في أنفسهم.
حسن حنفي وأصفاد الأيديولوجيا
لكنّ الغريب أن تأتي تلك المبادرة بالتزامن، تقريباً، مع إعلان الدكتور حسن حنفي، أحد أكبر أساتذة الفلسفة في مصر والعالم العربي، في مقال له، ضرورة المصالحة مع جماعة الإخوان، وهو إعلان شبه متكرر من الرجل، منذ سقوط حكمهم وحلّ جماعتهم، فما فتئ الدكتور حنفي يدعو، بين حين وآخر، إلى احتواء الإخوان ومصالحتهم، متغافلاً تماماً عمّا اقترفوه، وما يزالون، من جرائم عنف وإرهاب، هم ومن يوالونهم من الجماعات والتنظيمات الإسلامية المسلحة.
ومع ذلك لا يلتفت الدكتور حنفي إلى كل هذا، زاعماً أنّ لهم "صفحات بيضاء!" لا تُنكَر، ومما يُعجَب منه؛ أنّ مقال الدكتور حنفي جاء زاخراً بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، المُستلَّة من سياقها الزمكاني.

عناصر جماعة الإخوان لن يتخلّوا عن المشروع الفكري والسياسي الذي بات يمثّل ركناً ركيناً في أنفسهم

المشكلة، في نظري، أنّ الدكتور حسن حنفي لمّا يزل مكبّلاً بأصفاد الأيديولوجيا، واختلافنا معه، ها هنا، ليس كونه صاحب فكرة مصيرها الرفض والاستنكار، بل لأنّه يتغافل عن تاريخ الجماعة منذ  التأسيس وحتى الآن، وهو تاريخ يفضح أيّة دعوة أو مبادَرة لما يسمى بالمصالحة؛ ذلك أنّ تأسيس الجماعة تأسيس هرمي، مبنيّ على السمع والطاعة يحتّم تغييب أيّ نسَق فكري أو معرفي لها، فهم لا يعترفون سوى بـ(الأنا) فقط، ولا يقيمون وزناً لـ(الآخَر)، فضلاً عن انتهاجهم العمل السري ولو كانوا في صدارة المشهد، الأمر الذي يبرّر اعتراضنا على دعوة الرجل الذي تخونه الفلسفة ها هنا، كما خانته من ذي قبل؛ عندما كان يؤسّس في حقل الثقافة المصرية لما يسمَّى باليسار الإسلامي!
ثم إننا نروم، بالفعل، القضاء على منهجيتهم ودعوتهم تلك، فهي أُسّ ما يسمى بالإسلام السياسي، الذي يسعى إلى تسييس الدين وتديين السياسة، ولن يتأتى ذلك سوى بعلمنة الدولة، وتأسيس رؤى عقلانية حرة تشتبك تطبيقياً مع التعليم والثقافة والفنون وشتى مجالات الحياة والواقع المعيش، فالحرية العقلية أساس المدنية الحديثة، على حدِّ تعبير المفكر المصري الراحل، إسماعيل مظهر.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية