السودان: ما أبرز تحديات ما بعد الثورة التي تواجه حكومة حمدوك؟

السودان: ما أبرز تحديات ما بعد الثورة التي تواجه حكومة حمدوك؟


11/09/2019

بدخول السودان بدايات المرحلة الانتقالية، التي ستستمر لثلاثة أعوام، مع تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة رئيس الوزراء الخبير الاقتصادي الدولي د.عبد الله حمدوك؛ ستطل التحديات برأسها.

اقرأ أيضاً: حمدوك.. هل ينجح في رفع السودان عن قائمة الإرهاب؟
فليس مما هو متصور أن يكون طريق المرحلة الانتقالية مفروشاً بالورود، في ظل التغيير الثوري الذي بدأ حراكه في 19 كانون الثاني (ديسمبر) 2018 لينتهي بما يمكننا أن نطلق عليه: نصف ثورة ونصف انقلاب بسقوط البشير في 11 نيسان (أبريل) الماضي. بطبيعة الحال، يبدو أنّ عالمنا العربي لن يشهد ثورات من طراز كلاسيكي؛ كالثورة الفرنسية، مادام شرط القطيعة الثورية لم ينعكس حتى الآن في ذلك العالم مع عالمه القديم، على نحو جذري وعبر تأسيسات فكرية وفلسفية هي الشرط الشارط في مشروعية الثورات الكلاسيكية. 

في السودان كما في العديد  من دول الجوار تتنازع هويةَ المواطنة هوياتٌ أخرى دينية وعرقية ومناطقية وطائفية

هكذا، يبدو أنّ تجلّيات الصراع ستكون متعددة الوجهة والمكان، خلال المرحلة الانتقالية في السودان؛ فمن ناحية، لا يطمئن المراقب لتركيبة الشق العسكري لمجلس السيادة؛ الذي  تأسس على خلفية مزدوجة؛ مدنية وعسكرية، فضلاً عن اهتزازات خطيرة في العلاقة بين المجلس العسكري السابق، وقوى الحرية والتغيير، انعكست في أزمات عميقة؛ كمذبحة فض اعتصام ساحة القيادة العامة يوم 3 حزيران (يونيو) الماضي. 
ومن ناحية ثانية، هناك غموض في ملفات كثيرة لا يعكس التعاطي معها جديةً ثوريةً، مما يوحي بوجود بقايا وازنة للنظام في مفاصل الدولة (كمحاكمة البشير على خلفية حيازة مبالغ مالية وُجدت في منزله)، وغياب الأجهزة الإعلامية الرسمية عن مواكبة إيقاع التحول الثوري في السودان.

اقرأ أيضاً: عبد الله حمدوك "التنين الأبيض" رئيساً لوزراء السودان
وإذا كان مما يفسر ذلك الغموض أنّ النظام الديكتاتوري استمر لثلاثين عاماً، فإنّ ما هو مهم، أيضاً؛ ضرورة وجود مؤشرات واضحة لجدية الفعل الثوري ومنعكساته على قضايا كبرى؛ كمحاكمة الرئيس المخلوع.
الجميع كان يردّ غياب نفاذ الإجراءات الثورية الصارمة حيال ملفات النظام السابق إلى غياب حكومة للثورة، وبقيام هذه الحكومة الانتقالية الجديدة برئاسة د.عبد الله حمدوك ينبغي أن تكون الشهور الستة الأولى كافية لوضوح مؤشرات جدية حيال تنفيذ كثير من الإجراءات الثورية في ملفات عمل الحكومة.

بدايات النجاح الملموس في ملفي السلام والاقتصاد ستكون دافعاً قوياً لالتفاف الشعب حول حكومة الثورة

بكل تأكيد، لا يعني إسقاط البشير، تصفيةً فورية للديكتاتورية وذيولها التي خلفَّت تشوهات عميقة في جسد الدولة والمجتمع السودانِيَين، على مدى ثلاثين عاماً، كما لا يعني الشروع في الانتقال السياسي، بالضرورة، وصولاً إلى مرحلة التحول الديمقراطي. فثمة فرق بين الانتقال السياسي والانتقال الديمقراطي؛ فهذا  الأخير؛ يتطلب إنجازه عملية معقدة تتأسس على ضرورة حدود دنيا لإجماعات وطنية على توافقات واضحة في قرار القوى الحزبية والجماعات السياسية؛ بحيث تفرّق تلك القوى في العمل السياسي تماماً؛ بين سقف الحزب وسقف الوطن، كما بين برنامج الحدود الدنيا للإجماع على صيغة السلامة الوطنية في مواقف تلك الأحزاب. وبين الفوضى والتشويش في مواقف لا تعي الفرق الواجب، بين السقف الحزبي وسقف مصلحة الوطن؛ مما قد يمهّد لعودة الديكتاتورية على خلفية الانقسام السياسي لقوى الثورة.

اقرأ أيضاً: حمدوك.. اقتصادي يقود سفينة السودان في بحر الأزمات
في السودان، كما في العديد من دول الجوار العربي والإفريقي، تتنازع هويةَ المواطنة هوياتٌ أخرى؛ دينية وعرقية ومناطقية وطائفية، وفي غياب أي مشروع لاستقطاب التنازع المتوهم بين المواطنة وتلك الهويات، خلال المرحلة الانتقالية، عبر سياسات دولة تعزز من قيمة المواطنة وتجسد معناها عبر التنمية والتمييز الإيجابي للمناطق المهمشة، وتصحح التصورات المفخخة للدين، كأيدلوجيا الإسلام السياسي؛ ستكون هناك مطبات كثيرة لا محالة.

يبدو أنّ تجليات الصراع ستكون متعددة الوجهة والمكان خلال المرحلة الانتقالية في السودان

قضايا الحرب والسلام التي هي على رأس أولويات عمل الحكومة الجديدة، قد لا تتصل، في بعض تفاصيلها، بالأسباب الموضوعية لوقف الحرب؛ كزوال النظام السابق مثلاً، وإنما بعدم التعاطي الجاد من قوى تحمل السلاح لكنها لا تستوعب حتى الآن المتغيرات الأساسية للثورة في الواقع السياسي؛ (كحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد محمد نور) ومن ثم قد تكون تلك القوى ظهيراً للثورة المضادة من حيث لا تحتسب، بالرغم من الخطوات الايجابية في إعلان النوايا من طرف الجبهة الثورية، ومن طرف عبدالعزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال، في التعاطي الإيجابي مع الحكومة الجديدة حيال قضايا السلام للأشهر الستة الأولى. وكان مبشراً؛ التوصل إلى اتفاق إعلان مبادئ في جوبا، بين وفد الحكومة الجديدة والجبهة الثورية من ناحية، والحركة الشعبية لتحرير السودان جناح عبدالعزيز الحلو من ناحية ثانية. بعد يوم من بدء الحكومة الجديدة لمهامها. 

اقرأ أيضاً: هل يساعد "أصدقاء السودان" على تجاوزه تحديات السياسة والأمن والاقتصاد؟
التحدي الاقتصادي هو المحك الثاني لتجارب الأداء في الحكومة الانتقالية الجديدة، حيث حدد وزير المالية الجديد د.إبراهيم البدوي برنامجاً إسعافياً على مدى مائتي يوم لترتيب حدود دنيا من إمكانات عيش أساسية للسودانيين. وبطبيعة الحال، فإنّ بدايات النجاح الملموس في ملفي السلام والاقتصاد ستكون دافعاً قوياً لالتفاف الشعب حول حكومة الثورة.

لن تكون المرحلة الانتقالية نزهةً لأنّها ستعكس صراع إرادات ومعركة كسر عظم بين قوى الثورة والثورة المضادة

ولعل أبرز ما توفقت فيه هذه الحكومة بقيادة رئيس الوزراء الجديد؛ تكوين فريق متجانس من وزراء تكنوقراط على تماس نزيه وخفيف، لبعضهم، مع أحزاب سياسية، إلى جانب تمثيل كافة مناطق السودان الخمس في تشكيلة الوزراء.    
اليوم تعكس عقبات الداخل السوداني، وقواه المختلفة اختباراً حقيقياً لمعنى التحديات الداخلية التي تواجه حكومة الثورة في المرحلة الانتقالية، بعد أن بدا واضحاً تراخي قبضة الضغوط الخارجية على مسار الثورة.
لن تكون المرحلة الانتقالية نزهةً؛ لأنّها ستعكس صراع إرادات ومعركة كسر عظم بين قوى الثورة والثورة المضادة، ولاسيما في مواجهة نظام أخطبوطي فاسد جثم على صدر السودانيين لثلاثين عاماً.    
كانت الثورة السودانية نموذجاً للهوية السلمية في مسارها الذي واجهته عقبات كثيرة ودماء، لكن إصرار السودانيين على سلميتهم، بطريقة تأكدت فيها تلك السلمية، عبر تقارير دبلوماسية ومتابعات حثيثة من الصحافة العالمية، وقنوات تلفزة دولية، خلال أيام الاعتصام التي استمرت لأكثر من شهرين؛ تعرَّف فيها دبلوماسيون وقناصل ومراقبون عالميون على حقيقة الثورة وهويتها السلمية الخالصة، لا سيما إثر أحداث مذبحة فض الاعتصام التي شهدت تعاطفاً عالمياً منقطع النظير مع الثورة، على مستوى وسائط التواصل الاجتماعي ورموز القوى الناعمة في الغرب؛ مما كان له أكبر الأثر في بلورة قرار دولي بالإجماع على حماية الثورة السودانية، عبر حراك دبلوماسي دولي كبير، واكبته ضغوط عالمية شديدة لتمكين قوى الحرية والتغيير (التي قادت الثورة) إلى السلطة، عبر شراكة مع المجلس العسكري الانتقالي آنذاك. وتم تتويج ذلك بالتوقيع على الإعلان الدستوري في يوم 17 آب (أغسطس) الماضي، بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي برعاية الاتحاد الإفريقي ومراقبة جهات إقليمية ودولية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية