أين سيُحاكم المعتقلون من تنظيم داعش في سوريا؟

داعش

أين سيُحاكم المعتقلون من تنظيم داعش في سوريا؟


16/09/2019

أسفرت الهزائم المتوالية لتنظيم داعش في سوريا عن بروز إشكالية ما يُسمى "المقاتلين الإرهابيين الأجانب"؛ التي أصبحت من أهم اتجاهات الإرهاب العالمي المعاصر اليوم.

اقرأ أيضاً: لمصلحة من عاد تنظيم داعش بقوة شرق سوريا؟
وزاد من هذه الإشكالية وجود 10 آلاف معتقل من مختلف الجماعات الإرهابية في سوريا، منهم ألفا مقاتل من تنظيم داعش، معتقلون حالياً لدى "قوات سوريا الديمقراطية"، المتحالفة مع القوات الأمريكية، 1200 منهم من جنسيات مختلفة، من أكثر من 52 دولة في العالم، و800 منهم من الدول الأوروبية، خاصة فرنسا وألمانيا وبلجيكا. 

بعد أن كانت قوات سوريا الديمقراطية تصرّ على عودة المعتقلين إلى بلادهم تتحدث عن إمكانية محاكمتهم داخل مناطقها

وفي بادرة لحلّ هذه الإشكالية؛ ناشد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منذ العام الماضي، دول المعتقلين، ضرورةَ إعادتهم ومحاكمتهم في بلادهم، لكن لم يستجب له كثير منهم، وكانت روسيا على رأس المستجيبين، ثمّ كرّر الرئيس الأمريكي في حديثه للصحفيين في البيت الأبيض، بتاريخ الأربعاء 21 آب (أغسطس) 2019، تهديده الصريح بأنّ إدارته ستطلق سراح آلاف "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" من تنظيم داعش المحتجزين في سوريا، إذا لم تقم الدول التي قدموا منها باستعادة مواطنيها.
وطيلة الفترة الماضية كانت قوات سوريا الديمقراطية تصرّ على ضرورة عودة المعتقلين إلى بلادهم، لكنّهم حالياً يتحدثون عن إمكانية محاكمة المعتقلين داخل مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية للأكراد في شمال وشرق سوريا"، الأمر الذي رفضته الدول الأوروبية المعنية، خاصّة بريطانيا وفرنسا وبلجيكا، دون أن تعطي بدائل مقنعة لحلّ هذه الإشكالية.

سيناريوهات الحلّ
يبدو أنّ الأوروبيين يتخوفون من عدم قدرة أنظمتهم القضائية على توفير الأدلّة القانونية الدامغة لمحاكمة هؤلاء المعتقلين في المحاكم الأوروبية؛ بسبب عدم وجود عقوبات بالإعدام؛ فالمعتقلون الذين تثبت عليهم العضوية في "داعش"، أو الدعم المادي، يعاقبون بالسجن من 4-5 أعوام؛ ولذلك يلاحظ بأنّهم يراهنون على تكتيك "شراء الوقت"، والمراهنة، ربما، على عدم عودة هؤلاء المقاتلين وقتلهم في ساحات القتال في سوريا والعراق.

اقرأ أيضاً: "داعشي" تونسي من سجنه شرق سوريا: التنظيم جنَّد المرضى النفسيين في العمليات الانتحارية
ضمن هذه الأجواء؛ تدور نقاشات مكثفة داخل الاتحاد الأوروبي، حول كيفية حلّ هذه الإشكالية، وبحث كافة الأفكار والخيارات والسيناريوهات لعملية المحاكمة؛ حيث بدأت تطفو إلى السطح سيناريوهات محاكمات نورمبيرغ لجرائم النازية، وجرائم الحرب في رواندا وكوسوفو، ومن جملة هذه النقاشات التي تسربت إلى وسائل الإعلام يمكن رصد أربعة سيناريوهات، هي:
السيناريو الأول: إجراء المحاكمات لدى الأكراد ضمن منطقة الإدارة الذاتية
الحجة القانونية التي يستند إليها الأكراد هنا؛ أنّ الجرائم التي ارتكبها أعضاء تنظيم داعش حدثت داخل مناطقهم تحديداً، لكنّ هذا السيناريو رُفض من قبل فرنسا وبريطانيا وبلجيكا، لأسباب غامضة، كذلك لن ترضى به تركيا أو سوريا؛ لأنّه سيرسّخ مفهوم السيادة الكردية على حساب المنافسَين؛ تركيا وسوريا. 
أسفرت الهزائم المتوالية لداعش في سوريا عن بروز إشكالية ما يُسمى "المقاتلين الإرهابيين الأجانب"

السيناريو الثاني: التهريب أو النقل السرّي إلى العراق
وهنا يتم نقل المعتقلين بالتنسيق بين كافة الأطراف المعنية بأمرهم بشكل سرّي إلى العراق، ومحاكمتهم أمام المحاكم العراقية، وقد تمّ استخدام هذا الأسلوب بالفعل؛ حيث هُرِّب عدد من اللبنانيين والأستراليين ومعتقلون من قطاع غزة وفرنسيون، لكنّ ذلك أثار ردود فعل سلبية واسعة عالمياً، خاصة من جماعات حقوق الإنسان والمحامين، الذين يتولون الدفاع عن المعتقلين، ومثال ذلك الفرنسيون الأحد عشر الذين حُكم عليهم بالإعدام في العراق، في أيار (مايو)، وحزيران (يونيو) 2019، رغم أنّ فرنسا تعارض حكم الإعدام، ورغم أنّ أحكام الإعدام معارضة للقانون الدولي، إلا أنّ الحكومة الفرنسية لم تتدخل بحجة عدم التدخّل في سيادة العراق؛ لذلك هدّد بعض المحامين الذين يتولّون قضايا الدفاع عن بعض المتهمين في فرنسا، بنقل القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

يبدو السيناريو الأكثر احتمالاً للنجاح تشكيل محكمة مشتركة بين الجهاز القضائي العراقي والخبرات الدولية والأوروبية

وكانت الدول الأوروبية قد اقترحت عرض الأمر على الأمم المتحدة ومجلس الأمن من خلال آلية "المحكمة الجنائية الدولية" لمحاكمة الضالعين في جرائم الحرب في سوريا، إلا أنّ مشروع القرار تمّ تعطيله من قبل روسيا والصين، في أيار (مايو) 2014، علماً بأنّ روسيا والصين وأمريكا وسوريا والعراق ليسوا أعضاء في اتفاقية قانون المحكمة التي تأسست عام 2002، كأوّل محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم الاعتداء؛ حيث تعمل هذه المحكمة على إتمام عمل الأجهزة القضائية الموجودة؛ فهي لا تستطيع أن تقوم بدورها القضائي ما لم تبدِ المحاكم الوطنية رغبتها، أو إن كانت غير قادرة على التحقيق أو الادعاء ضدّ تلك القضايا.
ناشد ترامب منذ العام الماضي دول المعتقلين ضرورةَ إعادتهم ومحاكمتهم في بلادهم

السيناريو الثالث: إنشاء محكمة إقليمية في عمّان
ذكرت بعض المصادر المطلعة على المباحثات والنقاشات الأوروبية (نقلاً عن صحيفة "هآرتس" بالإنجليزية، في 9 أيلول /سبتمبر 2019)؛ أنّ بعض المسؤولين في "الاتحاد الأوروبي"، دون تحديد هوية هؤلاء المسؤولين، اقترحوا فكرة إنشاء محكمة إقليمية (Regional Court) في منطقة الشرق الأوسط، وفي العاصمة الأردنية (عمّان)، لكن حتى الآن لم يصدر أيّ ردٍّ أو تعليق من الحكومة الأردنية حول هذه الفكرة ومدى جدّيتها.

اقرأ أيضاً: "أبقار داعش".. سلاح جديد للإرهابيين في العراق
الحجة التي يطرحها الأوروبيون حول السيناريو الأردني تقول: إنّ "هذه المحكمة في الأردن في دولة ذات أغلبية سنّية، يمكن أن تؤمّن محاكمة عادلة وعلنية، على عكس العراق الذي تتميز سياسته الحالية بتغليظ العقوبات والعقاب الجماعي على حساب تحقيق العدالة؛ لأنّ الأحكام ضدّ المعتقلين من داعش مدفوعة بعقلية الانتقام التي تشبه عقلية محاكمات النازية في نورمبيرغ، إضافة إلى أنّ الأردن يمكن أن يساهم في طرح سردية قوية معارضة لدعاية تنظيم داعش".
السيناريو الرابع: تشكيل محكمة هجينة (Hybrid Court)
يعتقد بعض الخبراء والمسؤولين الأوروبيين أنّ هذا السيناريو هو الأكثر احتمالاً للنجاح، وتقوم الفكرة على تشكيل محكمة مشتركة بين الجهاز القضائي العراقي والخبرات الدولية والأوروبية؛ حيث يعمل هؤلاء كبيوت خبرة ومستشارين للقضاء العراقي، لضمان تحقيق محاكمات عادلة ونزيهة، واستبعاد أحكام العقاب الجماعي والإعدام التي تسرّبت لوسائل الإعلام العالمية، وأثارت ردود فعل سلبية واسعة.
في النهاية؛ يبدو من خلال المتابعة الحثيثة لهذه الإشكالية، أنّ معظم الدول المعنية بالأمر، خاصّة الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا وبلجيكا، لا تملك أية آليات واضحة للحلّ، وتحاول بالفعل شراء الوقت والتهرّب من مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والأمنية، وبدلاً من ذلك تحاول بكافة السبل نقل المشكلة إلى خارج أوروبا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية