لماذا اعتبرت إيران احتجاجات العراقيين الشيعة "مؤامرة"؟!

العراق

لماذا اعتبرت إيران احتجاجات العراقيين الشيعة "مؤامرة"؟!


06/10/2019

اعتبرت إيران أنّ الاحتجاجات الأخيرة التي يشهدها العراق، منذ الثلاثاء الماضي، هي مؤامرة صهيونية وتدعمها أمريكا والتكفيريون، على حدّ قول مسؤولين إيرانيين، من بينهم عضو هيئة رئاسة مجلس خبراء القيادة في إيران، عباس كعبي، والمساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى (البرلمان الإيراني) للشؤون الدولية، حسين أمير عبد اللهيان.

اقرأ أيضاً: العراقيون في مواجهة إيران وأحزابها
قد يكون هناك دوافع عديدة تجعل إيران تفسّر الاحتجاجات الشعبية العراقية على أنّها "مؤامرة" يقودها مُندَسّون، ومن بين تلك الدوافع والأسباب المحتملة:
أولاً، أنّ هذه الاحتجاجات الشعبية وقعت في مناطق يغلب عليها السكان الشيعة، في بغداد والجنوب.

استمرار الاحتجاجات سيجعل إيران تدفع باتجاه مزيد من الحلول الأمنية القاسية بحق المتظاهرين لتفكيك حراكهم وإفشاله

ثانياً، لم يعلن أي حزب سياسي أو زعيم ديني عن أبوّة هذه الحركة الاحتجاجية، وهي اعتبرت احتجاجاً على النخبة العراقية التي جاءت مع العراق الجديد، في العام 2003.
ثالثاً، أنّها احتجاجات واسعة غير طائفية، وتأتي في وقت تحتاج فيه إيران إلى إظهار أنّ الجبهات التي لدى إيران نفوذ فيها (العراق، سوريا، لبنان، اليمن) هي في صفّ واحد وموّحد مع إيران ضد الضغوطات الأمريكية والمطالب الخليجية لإيران بأن تكفّ عن سياساتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار في المنطقة.
إذا صحت هذه الدوافع والأسباب فإنّ استمرار هذه الاحتجاجات سيجعل إيران ترغب وتدفع باتجاه مزيد من الحلول الأمنية القاسية بحق المتظاهرين؛ من أجل تفكيك حراكهم وإفشاله عبر استخدام "القوة المفرطة" (بحسب وصف الأمم المتحدة للاحتجاجات) ضدهم. ومن السيناريوهات الواردة في هذا السياق، أن يُصار إلى إدخال "عناصر" بين المتظاهرين تقوم بأعمال عنف لحرف المسار السلمي للاحتجاجات، وبالتالي إضعاف شرعيتها، ومن ثم تسويغ استخدام القبضة الأمنية في إنهائها. ومن الوارد أن يُقدِم رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، على إجراء تغييرات وزارية أو مؤسسية وتقديم بعض التنازلات لاحتواء الاحتجاجات.
 لم يعلن أي حزب سياسي أو زعيم ديني عن أبوّة هذه الحركة الاحتجاجية

احتجاجات مختلفة... لماذا؟
ومع أنّ مطالب المحتجين تراوحت بين انتقاد قصور خدمات الدولة ونقص الوظائف، كما تقول "رويترز"، فإنّ رئيس الوزراء عبد المهدي، لا يتحمّل وحده التركة الثقيلة التي آلت إليه من الحكومات السابقة. غير أنّ مرور نحو عام على حكومته دون تحقيق إنجازات على مستوى الخدمات دفع بالمتظاهرين إلى الشارع. وتذكر "رويترز" أنّ هذه الاحتجاجات تمتاز بأنّها ليست طائفية؛ فقد سعى أغلب العراقيين لتحاشي الشعارات الطائفية بعد التجربة المريرة التي تمثلت في ظهور تنظيم داعش، وذلك برغم بقاء بعض التوترات الطائفية.

اقرأ أيضاً: انتفاضة العراق.. من يقف وراء كل هذا الدم المراق؟
وتدور الاحتجاجات حول تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتحدث وقائعها أساساً في بغداد والجنوب، الذي يغلب عليه الشيعة، لكن تتداخل فيها خطوط عرقية وطائفية، كما أنّ الغضب موجّه لطبقة سياسية لا لطائفة بعينها، وفقاً لـ "رويترز"، التي أضافت بأنّ ذلك يتناقض مع الاحتجاجات التي وقعت في العامين 2012 و2013 واستغلها تنظيم داعش في كسب التأييد في صفوف السُنّة.  وقد ساهمت في هذا الغضب الجماهيري سلسلة من الخطوات الحكومية لا سيما تنزيل رتبة قائد عسكري (عبد الوهاب الساعدي) يحظى بشعبية كبيرة من أوقات الحرب على "داعش" لأسباب لم تُشرح بشكل كاف. وكان البعض يحتج خلال المظاهرات على ما حدث لهذا القائد، بحسب "رويترز".

محلل سياسي: ما يحدث انتفاضة ضد السلطة الشيعية التي تحكم العراق منذ 2003 وضد كل ما تمثله وترتبط به

وفي تغطيتها للحدث العراقي أشارت صحيفة "لوموند" الفرنسية إلى أمرين أساسيين: أولهما أنّه لم يعلن أي حزب سياسي أو زعيم ديني عن أبوّة هذه الحركة الاحتجاجية، وهو أمر غريب في بلد اعتاد على الانقسامات الطائفية. وثانيهما يتعلق بالناحية الجغرافية للاحتجاجات. فبينما تنتفض بغداد والجنوب؛ حيث الأغلبية الشيعية، يسود الهدوء شمال وغرب بغداد في المناطق السنّية. وتضيف الصحيفة أنّ إقالة رئيسِ جهاز مكافحة الإرهاب (الساعدي) الذي يعتبر "بطل" الحرب ضد تنظيم داعش ربما أعاد إشعال فتيل الاحتجاج الاجتماعي والسياسي المتراكم لدى شريحة شعبية كبيرة.

اقرأ أيضاً: المظاهرات إلى أين ستأخذ العراق؟
من جهته، اعتبر الكاتب خيرالله خيرالله في "العرب" اللندنية أنّ إقالة الساعدي كشفت ضعف الحكومة العراقية، وهو ضعف ظهر جلياً من خلال وضع طهران "الفيتو" على شخصيات عراقية معينة في مرحلة ما بعد انتخابات 2018. وفرضت إيران عادل عبدالمهدي رئيساً للحكومة، لذا فإنه إذا ما فشل في أن يكون صاحبَ قرار مستقل في الظروف الحالية، خاصة في ما يتعلق بحماية الجيش، فإنّ هذا سيكون مؤشراً على أنّ النظام القائم منذ 2003 قد أفلس تماماً، وأنه لا بد من البحث عن صيغة جديدة للعراق، قد لا ترى النور إلا على أنقاض العراق، وفقاً للكاتب.
احتجاجات على الإسلام السياسي الشيعي
ويرى الأكاديمي العراقي، الدكتور إحسان الشمري، في مداخلة لـ"بي بي سي" أمس أنّ هناك عملية تحوّل في العراق؛ حيث إنّ ثمة عدم ثقة بالطبقة السياسية الحاكمة، وقد خبرها المحتجون منذ سنوات من دون جدوى. ويستدرك الشمري بأنّ هذه الطبقة سترفض أي تغيير في النظام السياسي الذي نشأ بعد عام 2003.

اقرأ أيضاً: سياسي عراقي يكشف دور سليماني في قمع تظاهرات العراق
ويضع الكثيرون عجز طبقة سياسية متقادمة عن إدارة البلاد، والفجوة الكبيرة التي تفصل النخبة عن بقية العراقيين كعنوان رئيسي لانفجار الغضب في الشارع، بحسب تحليل نشرته "إذاعة مونت كارلو الدولية"، التي أشارت إلى أنّ بعض مطالب المتظاهرين دعت إلى تشكيل لجنة وطنية لتعديل الدستور، على أن تستبعد منها الكتل والأحزاب التي شاركت في إدارة أمور البلاد منذ عام 2003.
من جانبها نقلت "وكالة الأنباء الفرنسية" عن الخبير بالشؤون العراقية، فنر حداد، قوله إنّ السياسيين العراقيين، الذين يتولى بعضهم مناصب منذ 16 عاماً، وجدوا أنفسهم أمام حركة غير مسبوقة. وأكد أنّ "هذه تظاهرات ضد النظام" تختلف عن الاحتجاجات الصيفية التقليدية للمطالبة بالكهرباء والماء في ثاني البلدان المصدرة للنفط في منظمة "أوبك".


وأشار حداد إلى أنّ "هذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها الشعب يطالب بإسقاط النظام" المبني على المحاصصة الطائفية والإثنية للمناصب إضافة إلى المحسوبيات.

صحيفة لوموند: إقالة رئيسِ جهاز مكافحة الإرهاب ربما أعاد إشعال فتيل الاحتجاج الاجتماعي والسياسي المتراكم لدى شريحة شعبية كبيرة

ويقول المحلل مصطفى فحص، في مقال للرأي نشرته قناة "الحرة" على موقعها الإلكتروني، إنّ هذه الاحتجاجات الشعبية العراقية تجري ضمن بيئة دينية واجتماعية واحدة من أبناء الوسط والجنوب، ويتعرضون لعملية قمع من جهات تنتمي إلى العقيدة والناحية نفسها، وهو ما يمكن وصفه بأنّ القاتل والمقتول من بيئة واحدة. ويتابع فحص "لذلك، يمكننا المجازفة واعتبار أنّ ما يحدث هو انتفاضة شيعية ضد السلطة الشيعية التي تحكم العراق منذ 2003، وضد كل ما تمثله وترتبط به، فقد تجاوز المتظاهرون الخطاب الأيديولوجي للسلطة وأحزابها، ولم يعد ممكناً استخدام فزاعة النظام السابق خصوصاً أن هذا الجيل عاش في ظل حكم أحزاب الإسلام السياسي الشيعي التي تمارس بعض أطرافها قمعاً لا يقل قسوة عن النظام السابق، وفقاً للكاتب.

اقرأ أيضاً: إجراءات لقمع احتجاجات العراق.. والمتظاهرون: إيران برا وبغداد حرة
على هذا الأساس، يضيف فحص، يرى المتظاهرون أنّ هذه الأحزاب، وراعيها الإقليمي (إيران)، هي السبب المباشر لمظلوميتهم، ما دفعهم إلى التحرك باستقلالية كاملة دون الخضوع لشروط بعض الأحزاب أو التيارات التي كانت ترفع شعاراتها الشعبوية لتحقيق مكاسب حزبية خاصة. ويرى مصطفى فحص أنّ التظاهرات كسرت احتكار التيار الصدري لفكرة التظاهرات الكبيرة، ورفعت شعارات متقدمة على ما ترفعه التيارات المعارضة الرسمية مثل (الحكمة وتحالف النصر)، كما طالبت باستعادة سيادة الدولة ووقف التدخلات الخارجية في شؤونها، ووقف قوى ما دون الدولة وسلاحها غير الشرعي، الذي يستخدم الآن في قمعها، وهي تعلم أن مهمة هذا السلاح الدفاع عن نظام 2003، وقد عبرت الشعارات التي رفعت عن هذا الأمر بوضوح، بحسب فحص.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية