الإخوان المسلمون يتجمعون في موريتانيا تجنّباً للمواجهة مع السعودية

الإخوان المسلمون يتجمعون في موريتانيا تجنّباً للمواجهة مع السعودية


17/12/2017

يُمثّل المؤتمر الذي يعقده حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) الإخواني الموريتاني فرصة لجماعات إخوانية مشرقية ومغربية للالتقاء في ضوء صعوبة الاجتماع في المشرق العربي، وتجنبا لمواجهة السعودية التي نجحت في تضييق الخناق عليها وبناء جبهة واسعة لمحاصرة أنشطتها وتمركزها.

يأتي هذا فيما يعتقد متخصصون بالحركات الإسلامية أن المؤتمر الذي يعقد الجمعة القادم سيمثل غطاء لاجتماع إخواني واسع يتولى دراسة خيار مهادنة الدولة وتطويق الخسائر التي لحقت بالأحزاب والتنظيمات الإخوانية عقب ركوب موجة الربيع العربي للقفز إلى السلطة في بلدان مثل تونس ومصر.

وأشار هؤلاء المتخصصون إلى أن الإخوان اختاروا اللقاء في أقصى غرب العالم العربي لأنه كان من الصعب عليهم أن يتجمعوا في أي بلد بالمشرق بما في ذلك قطر أو تركيا خوفا من تركيز الأضواء عليهم، وافتضاح خطة التجميع، ما يمثل إحراجا لمستضيفهم.

ومن الواضح أن هناك انزياحا إخوانيا نحو موريتانيا ودول غرب أفريقيا في سياق البعد عن الأضواء، لكنهم قد لا يهنأون في هذه المنطقة البعيدة في ضوء الرغبة التي تبديها السعودية للعب دور فعال في مواجهة التيارات المتشددة غرب أفريقيا سواء عبر دعم قوة جي5 التي تتزعمها فرنسا، أو عبر تركيز حضور سعودي قوي لصد حركة استقطاب متعددة الأوجه يقودها الإخوان وإيران وجماعة بوكو حرام.

وكشفت مصادر مقربة من حزب تواصل الإخواني، الذي يرأسه محمد جميل ولد منصور، عن تأكيد حضور قيادات إخوانية للمؤتمر الذي يستمر على مدى ثلاثة أيام، ومن بين هذه الأسماء رئيس الحكومة المغربية السابق عبدالإله بن كيران، ومسؤول العلاقات الخارجية في حركة المقاومة الإسلامية حماس أسامة حمدان، ونائب رئيس حركة النهضة في تونس عبدالفتاح مورو، وحمد صوان من ليبيا، والأمين العام لاتحاد علماء أفريقيا الشيخ سعيد سيلا، بالإضافة إلى قيادات إخوانية من الجزائر والكويت ومالي والسنغال، في انتظار تأكيد حضور قيادات أخرى.

ويعتقد مراقبون سياسيون أن لعبة التمركز البعيد في أقصى غرب العالم العربي تعكس اعترافا إخوانيا بأنهم خسروا دول الخليج، الساحة الرئيسية التي كانت تؤمن لهم حرية الحركة وسهولة التمويل والاستقطاب، وأنهم يبحثون عن ساحة جديدة قد توفر لهم حرية الاجتماع، خاصة أن الأضواء مسلطة عليهم بشكل كبير في أوروبا والولايات المتحدة، حيث يتوقع تصنيفهم كمجموعات إرهابية في واشنطن، والتضييق على شبكاتهم المالية والدعوية ومؤسسات الاستقطاب الشبابي في عواصم أوروبية مختلفة.

ويميل المراقبون إلى أن اللقاءات، التي ستتم على هامش مؤتمر الحزب الموريتاني، سيتم التركيز فيها على اتخاذ توصيات تحث على التهدئة وتجنب الصدام مع المحيط الإقليمي والدولي، خاصة مع السعودية ذات النفوذ القوي عربيا.

ويقدر هؤلاء أن أبرز هذه التوصيات ستركز على مطالبة مختلف الأحزاب الإخوانية بمهادنة الدولة الوطنية في المنطقة، والسعي لنيل رضا القوى المدنية والليبرالية الماسكة بالحكم، والتشجيع على التمسك بالمشاركة في أي انتخابات محلية، وعدم السعي للفوز فيها، وأن يكون الهدف منها البحث عن غطاء يحول دون تنفيذ خيار الاستئصال الذي تنادي به أحزاب وقوى إقليمية على الشاكلة المصرية.

وتجد هذه الأحزاب نفسها مجبرة على سلوك خيار مهادنة الدولة والمجتمع وتبني قيمه، حتى لو كانت تتناقض مع رؤيتها الدينية.

ولا شك أنها ستستفيد من نجاح براغماتية إخوان المغرب (حزب العدالة والتنمية)، وإخوان تونس (حركة النهضة) الذين قبلوا بالاندماج في الحياة السياسية، وأعلنوا القطيعة مع هويتهم الإخوانية، ويسعون ليتحولوا إلى أحزاب وطنية محلية.

لكن أحزابا وشخصيات معارضة للتوجه الإخواني دأبت على تأكيد أن التنازلات التي أقدم عليها حزب سعدالدين العثماني في المغرب، وحزب راشد الغنوشي في تونس، لا تعبر عن تحولات فكرية أو سياسية، بقدر ما تعكس خيار التقية التي تعتمدها الجماعات الإخوانية في وقت الأزمات وحالات الضعف التي تحل بها، وأن انتظامها في التجربة الديمقراطية هدفه التقاط الأنفاس والابتعاد عن الأضواء لإعادة ترتيب البيت الداخلي والتهيؤ لمواجهة قادمة.

ويحذر خصوم الإسلاميين من أن التجربة أثبتت أن الجماعات الإخوانية، التي تضطر إلى الانكماش وتجبر على مهادنة الدولة، تشرع في التسرب السري للمؤسسات الرسمية والجمعيات والمنظمات المختلفة عن طريق أعضاء وأنصار غير معروفين، وبناء نواتات حزبية ومالية وإعلامية للمستقبل، مثلما حدث في مصر في فترتي حكم أنور السادات وحسني مبارك، ليتفاجأ المصريون بإمبراطورية مالية واقتصادية لجماعة الإخوان.

وتثير مشاركة حركة النهضة في حكومة الوحدة الوطنية بتونس مع حزب نداء تونس الليبرالي نقدا واسعا في صفوف القوى المدنية باعتبارها توفر غطاء سياسيا وقانونيا لإخوان تونس للتسرب إلى مؤسسات الدولة، خاصة اعتماد الحكومة لعناصر إسلامية في مسؤوليات محلية في محاولة لاسترضاء الحركة، ما يتيح لها توسيع دائرة الاستقطاب عموديا في أعلى الدولة وأفقيا داخل المحافظات والمحليات خاصة مع ضعف حضور الأحزاب الأخرى وتأثيرها في تلك المحافظات باستثناء حليفها نداء تونس.

عن "العرب" اللندنية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية